تشهد صناعة الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن تألقاً غير مسبوق. ومع تسارع وتيرة التحول في المملكة تماشياً مع رؤية السعودية 2030، تبرز الطاقة الشمسية كعامل مهم للتغيير، مما يبشر بعصر جديد من الطاقة النظيفة والتنوع الاقتصادي والاستدامة.
ومن المتوقع أن يشهد سوق الطاقة الشمسية في المملكة تحولات جذرية في عام 2025، من شأنها أن تشكل مساره في السنوات القادمة. وهنا نضع بين أيديكم أهم خمسة اتجاهات تحدد مستقبل الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية، بدءاً من المبادرات الحكومية الجريئة وصولاً إلى الابتكارات التكنولوجية:
1. السياسات والإصلاحات التنظيمية لتسريع التحول إلى الطاقة النظيفة
أطلقت المملكة العديد من المبادرات الحكومية، مثل البرنامج الوطني للطاقة المتجددة ومبادرة السعودية الخضراء. وتستهدف المملكة في إطار هذه المبادرات توليد 130 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، ما يزيد حصتها في مزيج الطاقة إلى 50٪.

وفي هذا السياق، بدأت المملكة برنامج إزاحة الوقود السائل، والذي يسعى إلى استبدال مليون برميل من استهلاك النفط يومياً عبر عدة قطاعات مختلفة بمصادر طاقة أنظف. وسوف يمتد هذا التحول ليشمل القطاعات التي تستهلك الطاقة بكثافة، مثل قطاع الخدمات وتحلية المياه والزراعة، مما يدفع إلى تبني حلول الطاقة الشمسية والغاز الطبيعي بشكل أكبر. وسيشهد هذا التوجه الطموح مسارعة المزيد من الشركات إلى التحول إلى الطاقة النظيفة.
2. تركيز متزايد على تبني ممارسات مستدامة
تكتسب مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية زخماً متزايداً بين الشركات السعودية. وفي حين أن إعداد تقارير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية ليس إلزامياً في المملكة حتى الآن، إلا أن هناك توجهاً متزايداً بين الشركات السعودية لتطبيق هذه المبادئ، تحسباً للوائح المستقبلية المحتملة، بما يتماشى مع التوجهات العالمية نحو فرض هذه التقارير بشكل إلزامي.
ويتأثر جزء كبير من هذا التحول بطبيعة التركيبة السكانية في المملكة، حيث أن 63٪ من سكانها تحت سن 30 عاماً، مما يجعلها من بين الدول التي تضم أكثر السكان شباباً في العالم، والذين يلعبون دوراً محورياً في تبني ممارسات الاستدامة. ويبدي الجيل الشاب، اهتماماً واضحاً بحماية البيئة والعمل المناخي، حيث يفضل شراء المنتجات والخدمات من الشركات التي تتبنى ممارسات الاستدامة. ويتضح هذا الأمر في استطلاع رأي شركة
برايس ووترهاوس كوبرز (PwC) العالمي لآراء المستهلكين، والذي وجد أن 74٪ من المستهلكين في المملكة العربية السعودية على استعداد لدفع سعر أعلى مقابل السلع المصنوعة من مواد معاد تدويرها أو مواد مستدامة أو صديقة للبيئة. ومن المتوقع أن يستمر تنامي هذا الإقبال المتزايد من جانب المستهلكين على المنتجات التي تركز على الاستدامة.
3. ارتفاع التكاليف التشغيلية بسبب زيادة أسعار الوقود سيؤدي إلى تسريع تبني الطاقة الشمسية

لا يُعد استخدام الطاقة الشمسية مفيداً للبيئة فحسب، بل هو مفيد على الصعيد الاقتصادي أيضاً. حيث ارتفعت أسعار الديزل المحلية اعتباراً من 1 يناير 2025، بنسبة 44٪ لتصل إلى 1.66 ريال سعودي للتر الواحد. ويأتي هذا بعد ارتفاع سابق بنسبة 53٪ قبل عام، ما يعني أن الأسعار ارتفعت الآن بأكثر من الضعفين مقارنة بها في عام 2022.
وتؤدي هذه الزيادات المستمرة إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية للصناعات كثيفة الطاقة والقطاعات الأخرى. ومن هنا فإن الطاقة الشمسية تقدم بديلاً مجدياً اقتصادياً يتيح للشركات خفض فواتير الطاقة التي تستهلكها وتقلل إنفاقها المالي.
4. زيادة تبني نماذج عقود تأجير الطاقة الشمسية
أثبت نموذج عقد تأجير الطاقة الشمسية أنه خيار مهم ومجدٍ في معالجة واحدة من أهم العوائق التي تحول دون تبني الطاقة المتجددة، ألا وهي التكاليف المالية الأولية. ويعد نقص التمويل من التحديات التي تواجه الشركات التي تسعى لتبني الطاقة الشمسية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العملاء باتوا أكثر تقبلاً لفكرة عقود تأجير الطاقة الشمسية بدلاً من استخدام رؤوس أموالهم.
ويمكن للمطورين من خلال عقود تأجير الطاقة الشمسية، توفير حلول تمويل وتصميم هندسي وبناء وتشغيل وصيانة محطات الطاقة الشمسية. ويحتاج العميل فقط إلى دفع فاتورة شهرية للطاقة الشمسية بمجرد تشغيل المحطة، وذلك بناءً على كمية الطاقة النظيفة التي يتم إنتاجها. ومن المتوقع أن يكتسب هذا الحل المريح مزيداً من الزخم، إذ أنه يمكّن الشركات من الاستفادة من فوائد الطاقة الشمسية بأقل قدر من المخاطر المالية.
5. التقدم التكنولوجي والدور المزدوج للذكاء الاصطناعي
من المتوقع أن تقود الابتكارات التكنولوجية إلى ثورة أكبر في قطاع الطاقة الشمسية، حيث تعمل الألواح الشمسية عالية الكفاءة، مثل الوحدات ثنائية الوجه، على تعزيز إنتاجية الطاقة بشكل كبير، لا سيما عند دمجها مع أنظمة تتبع للطاقة الشمسية. كما تعمل تقنيات الشبكة الذكية على تحسين كفاءة وموثوقية توزيع الطاقة المتجددة.
ويعمل الذكاء الاصطناعي، على وجه الخصوص، على تحويل القطاع بشكل جذري، فعلى الرغم من أن تبنيه المتزايد أدى إلى زيادة الطلب على الطاقة، حيث يستهلك البحث في ChatGPT طاقة أكثر بـ10 أضعاف مما يستهلكه البحث باستخدام محرك جوجل، إلا أن الذكاء الاصطناعي يعمل أيضاً على تعزيز كفاءة الطاقة. ويمكن لأنظمة إدارة الطاقة الشمسية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تعزيز إنتاجية الطاقة وخفض التكاليف التشغيلية.
وباعتبارها واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، تشهد المملكة تحولاً ملحوظاً لتصبح قوة عالمية في مجال الطاقة النظيفة. وقد أصبح قطاع الطاقة الشمسية في المملكة مهيئًا لتحقيق نمو هائل في عام 2025، بفضل الدعم الحكومي والابتكار المالي والتكنولوجيا المتطورة. ومع تبني المزيد من الشركات لحلول الطاقة الشمسية، تمضي المملكة في الطريق الصحيح لتصبح وجهة رائدة عالمية في التحول العادل للطاقة، وبناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة.