تعد القهوة ثاني أكثر السلع تداولا في العالم بعد النفط، لكن بعض خفايا انتشارها تستحق النظر، حيث يلفت باحث أمريكي إلى أن القهوة ساهمت بانطلاق الثورة الصناعية في الغرب، وعلى الجانب المقابل، يرى باحث عراقي بأن بداية انتشار القهوة تسبب بثقافة المقاهي والابتعاد عن العلوم عند العرب في القرن السادس عشر!
اللون الفاتح أفضل للكافيين
تحتوي القهوة الفاتحة بعد التحميص الخفيف على مادة كافيين أكثر من تلك التي تتعرض للتحميص الشديد ليصبح لونها أكثر سوادا، لأن التحميص الخفيف يعرضها للحرارة لفترة زمنية أقصر لذلك تحتفظ بكمية أكبر من محتوى الكافيين الطبيعي. تتمتع القهوة المحمصة الخفيفة بنكهة ورائحة أكثر اعتدالًا مقارنة بالقهوة المحمصة الداكنة، لكنها أكثر حموضة.
الملح!
تزيد حموضة حبات القهوة وطعمها المر بعد تحميصها، ويضاف أحيانا الهيل فضلا عن السكر والحليب للقهوة لتخفيف الطعم الحامض والطعم المر بل منكهات وخلطات غريبة أحيانا مثل نكهة القرع. لكن جدلا كبيرا أثير مؤخرا بعد أن كشفت باحثة أن إضافة قليل من الملح أو تناول مأكولات مالحة مع الشاي أو القهوة، يخفف طعم المرارة فيها بسبب تعطيل الملح لحاسة تذوق الطعم المر، وثارت معركة شفهية حامية بين سفير الأمريكان لدى الإنكليز حول ذلك مطلع العام الجاري، لأن السفير الأمريكي نصح بإضافة الملح للقهوة والشاي، دون أن يوضح أنه يقصد مقدارا ضئيلا جدا فثارت ثائرة الإنكليز. وكانت زوبعة في فنجان أضاعت حقيقة علمية وهي أن قليل من الملح يتسبب بتخفيف قدرة حليمات التذوق في اللسان من الشعور بالطعم المر في الشاي أو القهوة.
الجوانب الصحية
لاتزال الفوائد أو حتى المخاطر من تناول القهوة موضع دراسات متباينة إلا أن المؤكد منها يخلص إلى فوائد القهوة المعروفة مثل احتواءها على مضادات الأكسدة القوية إلى جانب الألياف. والمؤكد بحسب دراسات عديدة أن القهوة تتسبب بإدمان الكافيين.
السر في الكافيين
دور الكافيين في القهوة أصبح أمر اعتياديا للحصول على مادة منبهة لزيادة اليقظة لدى محبي القهوة، فيما يحدد الباحثون دورا أساسيا للكافيين في حياة نبات القهوة، فالكافيين هو سلاح نبتة القهوة ليكون مبيد حشري طبيعي في حبة القهوة وبذورها ليكون درعا ذاتيا لإبعاد الآفات وضمان تجدد زراعتها لدى سقوط الحبة في التربة. وهناك مكونات أخرى مفيدة للهضم والأمعاء غير الكافيين بحسب خبراء في تأثير القهوة.
ديانة تحرّم القهوة مع باقي المنبهات
تمنع طائفة المرمون المسيحية في الولايات المتحدة شرب المنبهات ومواد المؤثرات العقلية بما فيها القهوة، وهناك مقهى يقدم لاتباع الديانة الملتزمين قهوة بديلة، وذلك في بروفو، ثالث أكبر مدينة بولاية يوتا معقل طائفة المرمون في الولايات المتحدة الأمريكية حيث لا يوجد في تلك المدينة أي مقهى لشركة ستاربكس بل بديل للقهوة بمشروبات تشبهها بالطعم.

نعمة للغرب
اللافت عن تاريخ هذا المشروب أن الباحث والمؤلف الشهير مايكل بولان نشر مطلع العام كتابه عن القهوة كاشفا فيه تفاصيل مثيرة عن هذا المشروب الساخن، وأورد فيه أن القهوة خرجت الى العالم من اليمن في القرن السادس عشر عبر مالطا- وقهوة موكا يراد بها قهوة مدينة المخا، وانتشرت أفضل أنواع القهوة وحملت اسما ينسبها للعرب وهو – أرابيكا- وهناك رواية تقول أن اصل القهوة هو من اثيوبيا مع رواية أخرى تنسب الاكتشاف لراعي غنم في اليمن بعد أن تحدث لأهل مدينته كيف أصبحت الماعز تتوثب وتقفز طوال الليل لأعالي جذوع الأشجار بعد تناولها لثمار وأوراق نبتة القهوة في رحلة رعي قرب أشجار القهوة. وكانت مقاهي الجزيرة العربية تقدم القهوة في أماكن تسمى خان القهوة- القهوة هي نوع من المخدرات المسموح بها فلها تأثير عقلي كبير يرفع الوعي والتركيز -بمادة الكافيين (موجود حتى في الشاي الأخضر) بحسب البروفسور رونالد غريفيث من كلية الطب في جامعة جون هوبكنز الذي أكد قوة الإدمان الذي يسببه الكافيين في القهوة التي استخدمها الأمريكيون في الحرب العالمية الأولى ولاحقا في الحرب العالمية الثانية وقدموها للجنود جافة كي يتيقظوا ( وقدمها الطليان للجنود الأمريكيين ومن ذلك جاء اسم قهوة امريكانو).
استراحة القهوة
اعتمدت الشركات الرأسمالية استراحة القهوة كي تساهم بالانتاجية وكفاءة العمال وسمحوا باستراحة القهوة مرتين يوميا لزيادة الانتاجية والكفاءة بدلا من المسكرات- وذلك بعد أن اكتشفت إدارة شركة أمريكية، لاتزال قائمة، سر القهوة عند تصنيع منتجات تستدعي يقظة عالية. إذ بعد التحاق عمال شركة النسيج لتصنيع ربطات العنق المطرزة، واسمها ويجام ويفرز بالمجهود الحربي الأمريكي، حلت الإناث بدلا منهم ولكن كان عمل النسوة بطيئا جدا، وحين طالبهم مدير الشركة بالإسراع بالإنتاج اقترحت مشرفة العاملات تقديم القهوة لهن في استراحة قهوة يومية، ولدى قيام الشركة بذلك ارتفع انتاج الشركة عدة أضعاف، فاصبحت تلك الشركة بداية لانتشار القهوة في الشركات.
الفاتيكان والبابا كليمنت الثامن
في البداية حين انتقلت القهوة إلى العالم من العالم العربي وتركيا- وقد تكون البداية رحلات تجارية من مصر إلى ايطاليا، واعتبرها الأوروبيون وقتها شرا من المسلمين، حتى جاء البابا كليمنت الثامن ومنعها أولا على أنها مشروب الشيطان القادم من المسلمين، واضطر لتغيير موقفه بضغوط من أصحاب نفوذ وتجار، وقام بتعميدها ليتقبلها الناس- و كان الجميع في أوروبا شبه مخمورين طوال اليوم قبل قدوم القهوة وتعلموا من العرب أن غلي الماء ينقذهم من الأمراض المخيفة التي كان الماء غير المغلي يتسبب بها. ولم يكن للثورة الصناعية أن تشهد النور لولا دخول القهوة إلى أوروبا من التجار العرب، بحسب المؤلف، بسبب اعتماد الشراب المخمر من انواع الخمور المسكرة حتى للصغار (هناك مناطق لا تزال حتى اليوم تقدم الخمور للأطفال في قرى في روسيا وأوروبا الشرقية ضمن عاداتها التقليدية) كي لا يمرضوا من الماء الملوث. وأصبحت القهوة اليوم ثاني مشروب بعد الماء في العالم، وتلاشى انتشار الخمور يوميا في البيوت كشراب وحيد بعد أن تعلم الانكليز والاوربيون مكاسب غلي الماء لتحضير القهوة.
منع السويد للقهوة وأجراء أول دراسة علمية
في عام 1746، أصدر الملك السويدي أدولف فريدريك إعلانًا ملكيًا بشأن “إساءة الاستخدام والإفراط في شرب الشاي والقهوة“. بل فرض ضرائب باهظة على كلا المشروبين بينما ادعى أنه كان يحمي رعاياه من آثار الكافيين الخطيرة المزعومة. ولاحقًا، ذهب ابن أدولف إلى أبعد من والده في عام 1756، في ظل حكم غوستاف الثالث، ظهر حظر القهوة لحماية صحة الناس مرة أخرى. ولكن هذه المرة، لم يكن الحظر بسيطا. كان غوستاف الثالث يكره القهوة وكان مقتنعًا بأنها غير صحية. ولإقناع بالآثار الضارة للقهوة، بدأ غوستاف ما يمكن اعتباره أول دراسة سريرية في السويد على الإطلاق.
لعنة القهوة على العرب
يربط الباحث العراقي حسن الخلف العلاقة بين المقاهي وانحدار الإنتاج العلمي لافتا إلى تزامن انتشار المقاهي في القرن السادس عشر وانحدار الإنتاج العلمي لدى العرب والمسلمين. يرى الخلف أن المقاهي خلقت بيئة اجتماعية تُشجع على اجترار المعرفة بدلاً من إنتاجها أو حفظها ونقلها. ويصف الخلف الثقافة السائدة في المقاهي بأنها ثقافة كلامية، حيث يتم تحويل الشؤون العامة والكتب والمعارف إلى موضوع للتسلية أو عدّة اجتماعية كحال الشبكات الاجتماعية حاليا، ويُقدم الخبراء والمؤثرون معلومات وهمية تُسلي الناس بدلاً من إثرائهم معرفياً. يُؤكد الخلف على أن التسلية والمعرفة هما مجالان مختلفان تمامًا، وأن على الناس أن يكونوا حذرين من الخبراء الوهميين الذين يُقدمون لهم معلومات سطحية دون أي عمق.
الثورة الصناعية في أوروبا
تتباين الآراء بين اعتبار القهوة شرارة لانطلاق الثورة الصناعية التي لا يمكن اختزالها بدخول القهوة، أو أنها مجرد مساهم ثانوي فيها، ويذهب الباحث الألماني وولفجانج شيفيلبوش، كما هو الحال مع مايكل بولان، إلى القول بأن دورها أساسي، ويشير في كتابه إلى أن شركة لويدز Llyod’s في لندن بدأت في الأصل في مقهى، مكنت القهوة فئة معينة من العمال من العمل بشكل أسرع ولفترة أطول في الوقت الذي كان يُنظر فيه بشكل متزايد إلى هذا النمط من العمل على أنه ضروري. ولم يكن للثورة الصناعية أن تنطلق دون إدراك القدرة على التفكير بعيدا عن المسكرات بحسب بولان، كما أدرك المفكرون في عصر التنوير في القرن الثامن عشر، أن المنشط الموجود في القهوة يعزز الطاقة ويزيد التركيز والتفكير في الابتكارات كما يتيح جعل المصانع تعمل في جميع الأوقات، ومكنت القهوة من تبديل أوقات النوم والاستيقاظ الطبيعية وبدلا من توقيت طلوع الشمس أصبح العمل يسير وفقا للتوقيت بالساعة. أصبح بإمكان العمال الذين كانوا يأخذون فترات راحة لتناول الطعام خمس مرات في اليوم، أن يستمروا في العمل من خلال استراحات القهوة المتكررة بدلاً من ذلك، مع انتشار الثورة الصناعية إلى أجزاء أخرى من أوروبا وأمريكا الشمالية.