كشفت دراسة جديدة نشرت في تقرير نيوساينتست وبالتعاون مع خبير سعودي من المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، عن سر حدوث تحنيط طبيعي في أجواء السعودية الحارة والرطبة. سبعة فهود محنطة و54 هيكلًا عظميًا في كهوف “لاوجا” كشفت عن ظروف نادرة تحفظ فهودًا منقرضة منذ آلاف السنين. ونقل التقرير عن أحمد البوق مدير عام المحافظة على البيئة البرية في المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، أن المومياوات الطبيعية التي عثر عليها لسبعة فهود داخل شبكة كهوف في شمال المملكة، إلى جانب بقايا عظمية تعود لـ 54 فردًا آخر من الفهود التي انقرضت من الجزيرة العربية قبل عقود. ويُظهر هذا الاكتشاف كيف ساهمت ظروف مناخية مثالية داخل الكهوف، حيث استقرت درجة الحرارة وانخفضت مستويات الرطوبة، في إبطاء عملية التحلل وتحويل بعض الجثث إلى مومياوات محفوظة بشكل استثنائي. والفهود (Acinonyx jubatus) التي عُثر عليها يُرجّح أن بعضها نفق منذ آلاف السنين، ما يجعل هذا أول دليل على تحنيط طبيعي لقطط كبيرة في العالم. وأكد فريق الباحثين بقيادة أحمد بوق من المركز الوطني للحياة الفطرية في الرياض أنّ العمل الميداني الذي أُجري بين عامَي 2022 و2023 في كهوف “لاوجا” أتاح توثيق هذه الظاهرة الفريدة، التي كانت أشبه ببيئة طبيعية لحفظ الجثث دون أي تدخل بشري. وتتميز مومياوات الفهود التي عُثر عليها بوضوح شكل الجمجمة وأطراف الجسد والجلد الذي جف وتصلّب، بينما أظهرت العظام ثباتًا نسبيًا بفعل ثبات الظروف المحيطة. ويشير العلماء إلى أنّ الجمع بين درجة حرارة دافئة بشكل متوازن، وانخفاض كبير في الرطوبة، وغياب الضوء المباشر، وفّر ظروفًا مثالية لعملية التحنيط الطبيعي التي لم تُسجّل من قبل في المنطقة.
يُمثل هذا الاكتشاف إضافة مهمّة إلى دراسة التاريخ الطبيعي للحياة البرية في شبه الجزيرة العربية. فالفهود التي كانت منتشرة على نطاق واسع قد تراجعت أعدادها بشدة بسبب فقدان الموائل والصيد الجائر وتجارة الحيوانات، حتى تم القضاء عليها شبه كليًا من المنطقة خلال القرن العشرين. ويأمل الباحثون أنّ دراسة هذه البقايا، سواء الموميّاة منها أو العظمية، ستساعد على فهم طبيعة توزّع الفهود قديمًا، وسلوكها، وأسباب انقراضها من الجزيرة العربية.
وأشار الفريق البحثي إلى أنّ العمل جارٍ حاليًا على استكمال التحاليل المخبرية باستخدام تقنيات متقدمة مثل تحديد عمر البقايا بالكربون المشع، وفحص تركيبة الأنسجة والعظام، بهدف رسم خط زمني دقيق لوجود الفهود في شمال المملكة. وبحسب المركز الوطني للحياة الفطرية، فإن هذه النتائج ستساهم أيضًا في تعزيز برامج إعادة توطين الأنواع المهددة بالانقراض، ودعم مبادرات الحفاظ على الحياة الفطرية في السعودية. وبينما يعتبر العثور على سبعة فهود محنطة طبيعيًا حدثًا غير مسبوق، فإن وجود 54 هيكلًا عظميًا آخر في الموقع يعكس أنّ كهوف “لاوجا” كانت ملجأ مهمًا لهذه السنوريات في فترات تاريخية مختلفة. ويرى الباحثون أنّ حماية هذه المواقع الفريدة ودراستها بعمق قد تفتح آفاقًا علمية جديدة لفهم العلاقة بين المناخ والجيولوجيا وحفظ بقايا الكائنات الحية عبر آلاف السنين.