من سوق لاروشيل إلى قمة صناعة الحلويات في العالم

في مدينة لاروشيل الساحلية الهادئة بفرنسا، كانت فتاة صغيرة تبيع التفاح والكمثرى في السوق المحلي. لم يكن أحد يعلم آنذاك أن هذه البداية المتواضعة ستصبح حجر الأساس لواحدة من أبرز المسيرات المهنية في عالم صناعة الحلويات.

ولدت نينا ميتاييه عام 1988، وكانت مصممة منذ نعومة أظفارها على شق طريقها نحو الاستقلالية. تتذكر قائلة: “أردت العمل وكسب مالي الخاص، حتى عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري”. هذا الدافع هو ما قادها إلى المكسيك في سن السادسة عشرة، في فصل محوري شكّل عقليتها الريادية. “لم أكن متفوقة في المدرسة، لكنني كنت أعرف أنه عليّ فعل شيء ما. كان الجميع يسألونني دائماً عما إذا كنت أستطيع صنع الخبز، كوني فرنسية، لذا فكرت، لمَ لا؟ قررت افتتاح مخبز في المكسيك”. لم تكن تعلم آنذاك أن هذه الرغبة في التعلم والإبداع ستدفعها في النهاية إلى قلب المشهد العالمي لصناعة الحلويات.

نينا ميتاييه.. من الخبز إلى الحلويات

لم تكن رحلة نينا ميتاييه في عالم صناعة الخبز مخططاً لها، وقوبلت خطواتها الأولى في عالم صناعة الخبز بالمفاجأة وقليل من التحدي. عادت إلى فرنسا لدراسة صناعة الخبز، غير مدركة أنها كانت تُعتبر مهنة يهيمن عليها الرجال. تشرح قائلة: “لم أدرك أنها كانت تعتبر وظيفة للرجال. لكن عندما عملت في مخبز في لاروشيل، لم يرَ رئيسي سبباً يمنع النساء من القيام بهذا العمل”. هذه البيئة المُمكِّنة والمُشجِّعة أشعلت حبها للعمل، وكما تصفها، “بثلاثة مكونات فقط – الدقيق والماء والملح – يمكنك صنع شيء ينبض بالحياة”.

كانت خطتها الأولية بسيطة: الحصول على شهادة، وافتتاح مخبز، والعودة إلى المكسيك. لكن القدر كان له خطط أخرى. بعد فترة قصيرة في أستراليا حيث عملت في مطعم للبيتزا، عادت نينا إلى فرنسا وعجزت عن إيجاد وظيفة في مجال الخبز، فتحولت إلى صناعة الحلويات. تقول: “كانت صناعة الحلويات أكثر انفتاحاً وسهولة على النساء، لذا فكرت، لم لا؟” ومع ذلك، لم تكن تجاربها الأولى في صناعة الحلويات مرضية. “لم أستمتع بها في البداية. المكان الذي كنت أعمل فيه لم يكن يهتم بالجودة، ولم يكن هناك أي شغف. كان الأمر يتعلق فقط بملء واجهة العرض”.

لم يكن حتى حصلت على وظيفة في فندق موريس الشهير في باريس أن بدأ شغفها الحقيقي بصناعة الحلويات في الازدهار. تحت إشراف الشيفين الشهيرين كاميل لوسيك ويانيك أليينو، اكتشفت نينا ميتاييه حبها للإبداع من خلال الفعل البسيط المتمثل في صنع تارت الليمون. “لم أصنع تارت الليمون من قبل، لكن في اللحظة التي فعلت فيها ذلك، عرفت أن الحلويات هي مستقبلي”.

التدرج إلى القمة

انطلقت مسيرة نينا ميتاييه المهنية بسرعة، حيث أصبحت رئيسة الطهاة للحلويات في فندق رافاييل، وانضمت لاحقاً إلى مطعم جان فرانسوا بييج الحائز على نجمة ميشلان. هناك، صقلت إبداعها، دافعة حدود ما يمكن أن تكونه الحلويات. سرعان ما تبع ذلك الاعتراف بموهبتها. في عامي 2016 و2017، تم تسمية نينا شيف الحلويات للعام، وهو لقب مرموق رسخ مكانتها في عالم الطهي. وبحلول عام 2023، كانت مساهماتها في الصناعة لا يمكن تجاهلها، مما أكسبها لقب أفضل شيف حلويات في العالم.

لكن رحلتها لم تخلُ من التحديات. جاءت إحدى أصعب اللحظات خلال تحضيرها لمسابقة أفضل حرفي في فرنسا (Meilleur Ouvrier de France)، وهي مسابقة مرموقة في عالم الحلويات الفرنسية. بعد سنوات من التحضير والتضحية، ساءت لحظة حاسمة في المسابقة عندما انكسر تمثال الشوكولاتة الخاص بها. تتأمل قائلة: “كان هشًا، وكنت أعلم أن التجربة كانت محفوفة بالمخاطر، لكن عندما انهار، كان الأمر مدمراً. ومع ذلك، علمني هذا الفشل المرونة”.

العائلة والعمل.. تداخل يؤدي إلى النجاح

نجاح نينا ميتاييه لا يتعلق فقط بما يحدث في المطبخ. خلفها نظام دعم قوي من العائلة والأصدقاء الذين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من عملها. إنها متزوجة ولديها ابنتان، وزوجها ووالدها منخرطان معها في أعمالها. تقول: “نحن نعمل معاً. والدي يساعد في تطوير البرامج للعمل. إنه أمر رائع لأننا جميعاً نحب العمل معاً”.

في عام 2020، وسط الجائحة، أطلقت نينا “ديليكاتيسري”، متجرها الإلكتروني، الذي نما من تقديم بضع كعكات ليصبح وجهة مرغوبة لحلوياتها المميزة. لم تكن إدارة كل من عائلتها وأعمالها المتنامية سهلة دائماً، ولكن بالنسبة لنينا، الأمر يتعلق بإيجاد التوازن. تشرح قائلة: “يبدأ يومي مبكراً في المطبخ مع فريقي، نبدع ونبتكر. ثم يتعلق الأمر كله بالجانب التجاري في فترة ما بعد الظهر. إنه مشغول، لكنني لا أريده بأي شكل آخر”.

فلسفة تقودها النكهة

بالنسبة لنينا ميتاييه، الحلويات ليست مجرد صنع شيء حلو المذاق – إنها تتعلق بخلق المشاعر من خلال المذاق. تقول: “الطعم هو محرك العاطفة”، وهي فلسفة قادتها عبر بعض من أشهر إبداعاتها، مثل لمستها العصرية على حلوى سان هونوريه. الجودة هي المفتاح، حيث تصر نينا دائماً على الحصول على أفضل المكونات. “الطعام الرائع يأتي من مكونات رائعة. لا يمكنك إنشاء شيء جميل دون البدء بالأفضل”.

يجمع نهجها في صناعة الحلويات بين البساطة والابتكار، وهو توازن تشعر أنه ضروري في صناعة غالباً ما تنجذب نحو التطرف. “أؤمن بالاستمتاع بالطعام – الحياة تتعلق بالتوازن. لا يمكنك أن تكون صارماً للغاية أو متساهلاً للغاية. نحتاج إلى تناول الطعام الصحي، ولكن في بعض الأحيان، يجب أن تحصل على تلك المكافأة. الدماغ يحتاج إلى السكر!”

التطلع إلى المستقبل

بينما تتطلع نينا ميتاييه إلى الأمام، تبدو رؤيتها للمستقبل طموحة ولكنها واقعية. إنها تركز على توسيع أعمالها، مع محادثات جارية حول الافتتاح في الشرق الأوسط. لكن بالنسبة لنينا، كل شيء يتعلق بالتوقيت وامتلاك الفريق المناسب. تقول: “أفكر في الأمر منذ سنوات، لكنني لن أتسرع. تماماً كما حدث مع مخبزي في لاروشيل، سأنتظر حتى يكون كل شيء في مكانه الصحيح”.

أحد أحلامها طويلة الأمد هو افتتاح أكاديمية، ولكن ليس مجرد مدرسة للحلويات. “أريدها أن تكون أكبر من ذلك – شيئاً يتجاوز مجرد تعليم صناعة الحلويات. أريد التركيز على الأعمال التجارية بأكملها في مجال الطعام والابتكار”.

مع جوائزها، وأعمالها المزدهرة، وشغفها العميق بكل من الطعام والعائلة، نينا ميتاييه هي أكثر بكثير من مجرد صانعة حلويات. إنها رائدة أعمال، وداعمة للمرأة في صناعة يهيمن عليها الذكور، ومصدر إلهام للجيل القادم من الطهاة. تقول: “النجاح مسؤولية. يتعلق الأمر بالتحسن والتطور كل يوم”.

بينما تتأمل في رحلتها، تظل نينا متواضعة، وتعزو الكثير من نجاحها إلى الأشخاص من حولها. “أهم شيء هو الأشخاص الذين تعمل معهم. الأمر لا يتعلق بي فقط – إنه يتعلق بفريقي وعائلتي وكل من يدعم ما نقوم به”.

بالنسبة لنينا ميتاييه، هذه ليست سوى البداية. مع عينيها مصوبة نحو المستقبل، فهي مستعدة لمواصلة توسيع حدود الطموح، وإلهام الآخرين، وصناعة حلويات لا تبدو جميلة فحسب، بل تثير المشاعر مع كل قضمة.