“زعيمة” أوروبا ترفع شعار “أمن الطاقة أهم من المدينة الفاضلة”

تعمل ألمانيا على بناء محطات جديدة لتوليد الغاز الطبيعي بقدرة 10 غيغاواط، وتنفق 16 مليار يورو على ذلك، ويمثل ذلك لحظة مهمة في الجهود الانتقالية التي يبذلها الاتحاد الأوروبي.

وحجزت ألمانيا أكبر اقتصاد في القارة العجوز أعلى معدل لتوليد الطاقة بالغاز خلال عامين في الشهر الماضي.

قبل ​​عامين، وتحديدا منذ انطلاق الحرب بين روسيا وأوكرانيا، سارعت ألمانيا إلى التعهد بالتخلي عن الغاز الروسي. وساعد الجانب الروسي في تحقيق هذه الخطة من خلال الحد بشكل كبير من تدفق الغاز عبر بعض الطرق الرئيسية، مشيرا إلى مشكلات فنية.

وتحقق ذلك بشكل أكبر بعد عملية التخريب التي وقعت في خط غاز “نورد ستريم” في سبتمبر/أيلول 2022، والذي أدى إلى قطع تدفق الغاز تماما عبر خط الأنابيب الذي يغذي ألمانيا بنحو 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.

وانتهى التحقيق الذي أجرته السويد في هذه القضية هذا الأسبوع بالتوصل إلى نتيجة مفادها أن السويد ليس لها اختصاص قضائي لإجراء مثل هذا التحقيق.

وبينما كان المحققون السويديون يعملون على التوصل إلى هذا الاستنتاج، كانت ألمانيا تتأقلم بمساعدة الغاز الطبيعي المسال الأمريكي وتستمر في مسار التخلص التدريجي المخطط له من الطاقة النووية.

لماذا لجأت ألمانيا للفحم؟

كما أنها كانت أيضا تتعامل مع الوضع الجديد بمساعدة الفحم، على الرغم من خطط التخلص التدريجي من المواد الهيدروكربونية الأكثر تلويثا، اضطرت برلين إلى إعادة النظر بسبب القلق بشأن النقص المحتمل خلال فترات ارتفاع الطلب.

ولخص وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر الوضع بشكل جيد في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في تعليقات حول خطط حكومة أولاف شولتز لإنهاء استخدام الفحم بحلول عام 2030.

وأكد ليندنر بمجرد أن تصبح مصادر الطاقة متاحة وبأسعار مناسبة، يجب أن نتوقف عن توليد الكهرباء من الفحم قبل الوقت المحدد في 2030.

استثمارات الغاز الطبيعي

قررت ألمانيا استثمار 16 مليار يورو في محطات جديدة تعمل بالغاز، حيث تقوم ببناء المزيد من محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال.

ولهذا السبب سجلت رقما قياسيا لمدة عامين في توليد الكهرباء باستخدام الغاز في يناير/كانون الثاني، حيث زادت شركات الطاقة إنتاجها للتعويض عن إغلاق المفاعلات النووية في البلاد وتلبية الطلب المتزايد على التدفئة خلال موجة البرد الشهر الماضي”، بحسب رويترز.

وكانت ألمانيا بمثابة النموذج المثالي لهذه المرحلة الانتقالية بفضل الموارد الهائلة التي وجهتها نحو تحويل الرؤية إلى واقع. والآن بدأت تظهر التصدعات في تلك الرؤية بعد أن أصبح أمن الطاقة مرة أخرى يتفوق على المدينة الفاضلة. وألمانيا ليست الوحيدة التي تظهر فيها هذه الرؤية.

وتراجعت بلجيكا، التي كانت لديها خطط للتخلص التدريجي من المفاعلات النووية، عن هذه الخطط في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

هولندا، التي أعلنت إغلاق حقل غاز جرونينجن بسبب تأثيره على النشاط الزلزالي في المنطقة، أعادت الإنتاج مرة أخرى أيضا في ديسمبر/كانون الأول تحسبا لارتفاع الطلب بسبب الطقس المعتاد في ذلك الوقت.

وإسبانيا، وهي مثال آخر على التحول بمواردها الهائلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي تستخدمها البلاد على النحو الواجب، تصدرت قائمة مستوردي الغاز الطبيعي المسال الروسي في الاتحاد الأوروبي العام الماضي، حتى عندما سعت بروكسل إلى الحد من تلك الشحنات.

وكانت بلجيكا في المقدمة، حيث استوردت الدولتان كميات أكبر من الغاز الروسي المسال بنسبة 50% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 مقارنة بالعام السابق.

ويبذل الاتحاد الأوروبي، بقيادة ألمانيا، قصارى جهده للتخلي عن الهيدروكربونات، التي اعتمد عليها لأكثر من قرن من الزمان، والتي شكلت الأساس لقوته الاقتصادية المستدامة في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية.

ويعد استبدال هذا الأساس بمصادر أخرى للطاقة تعتبر أفضل للبيئة هو مهمة ضخمة، ولها عيوب، وقد تم تجاهل هذه الأمور لسنوات، خشية أن يؤدي الحديث عنها إلى إضعاف عزيمة التحول نحو الطاقة النظيفة.

ومع ذلك، فإن تجاهل المشاكل لا يجعلها تختفي، ببساطة تصبح أكثر إلحاحا كلما تجاهلتها لفترة أطول، وهو أمر اكتشفته صناعة طاقة الرياح بالطريقة الصعبة في العام الماضي.

فهناك الكثير من العقبات ظهرت في صناعة الطاقة النظيفة المتمثلة في طاقة الرياح ولطاقة الشمسية، ولم يكن أمام الجميع سوى العودة للاعتماد على الوقود الأحفوري.

وكلما أسرعت القارة العجوز في معالجة هذه العقبات من خلال اتخاذ موقف أكثر واقعية في التعامل مع الهيدروكربونات، كلما كان ذلك أفضل بالنسبة للجميع في أوروبا.