رغم أن المهارات والقدرات المتمكّنة تُعتبر بمثابة حجر الزاوية في عالم الاستشارات، إلاّ أن نقص هذه المهارات في الشرق الأوسط يفاقم من الصعوبة التي تواجهها الشركات الاستشارية لتلبية طلبات العملاء. أشار 58% من المشاركين في استبيان بي دبليو سي لعام 2022 في المملكة العربية السعودية و46% في الإمارات العربية المتحدة إلى وجود نقص في المهارات المتخصصة في بلدانهم.
لقد أجبر النقص الملحوظ في مجموعة المهارات المحلية المحددة الشركات الاستشارية في الشرق الأوسط على توسيع نطاق بحثها عن المهنيين المهرة على مستوى العالم. ولهذا، دأبت الشركات على الاستفادة من شبكات العمل العالمية لتتعاقد مع مهنيين متخصصين من مواقع أخرى أو لاستقطاب أصحاب المهارات المطلوبة من جميع أنحاء العالم.
نقلة نوعية في الطلب على المهارات المتخصصة في مجال الاستشارات
تأثر الطلب على الاستشاريين في الشرق الأوسط بعدة عوامل، بما في ذلك اتجاهات العملاء، ومعدّل وجود الاستشاريين المؤهلين ضمن طاقم الشركات ذاتها، والتحول الملحوظ من العديد من العملاء إلى تبني نماذج عمل أكثر مرونة قائمة على الدعم الخارجي.
يشير التقرير النصف سنوي لاتجاهات الطلب لعام 2023 (2023 Mid-Year Demand Trends Report) الصادر عن شركة آوتسايزد، الذي يستند إلى بيانات العملاء، عن نمو ملحوظ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في طلب المهارات المتعلقة بالتحول الرقمي وإدارة المشاريع والأخطار وإدارة سلسلة التوريد.
ولمواجهة الطلب المتزايد من العملاء، تواجه الشركات الاستشارية تحديات كبيرة، لعلّ من أهمّها الاستفادة بفعالية من هذه الفرص. ولكن هذه الشركات تكافح لمواكبة الركب، بسبب الفجوات الكامنة في توافر الخبرات المتخصصة داخل فرقها وعدم فعالية الآلية التقليدية للتوظيف.
عنصر القوة الجديد للشركات الاستشارية: القدرات والخبرات المستقلة
تعمل شركات الاستشارات العصرية على تسخير المهنيين المستقلين ذوي المواهب والمهارات العالية، وهي خطوة استراتيجية تحول هذه التحديات إلى فرص، وتعيد تشكيلها لتلبية احتياجات السوق المتغيرة. يأتي ذلك في أعقاب الاتجاه السائد في الأسواق العالمية الذي يشهد انتقال العديد من الشركات الاستشارية إلى آلية عمل أكثر مرونة قائمة على استخدام مزيج متنوع من القوى العاملة.
فيما يلي خمس طرق تعتمدها الشركات الاستشارية للتقدم والنجاح من خلال دمج مهارات الاستشاريين المستقلين في أعمالها.
1. الاعتماد على الخبرات المتخصصة: يوفر اتجاه العمل الحر فرصة غير مسبوقة للشركات الاستشارية للوصول إلى الخبرات المتخصصة وتسخيرها لمشاريعها وعملياتها المختلفة، فضلاً عن الاستفادة منها لتلبية الطلب في المجالات المشابهة. ومع وجود مجموعة من المهنيين المهرة المستعدين للبدء في العمل على المشاريع ذات الصلة، تتكيّف الشركات بسرعة مع المتطلبات الجديدة دون المساومة على جودة نتائجها. وهنا يأتي دور المنصات المتخصصة بالمهنيين والمهارات المستقلة لتقديم استشارات افتراضية مخصصة ومتاحة دائماً.
2. مواجهة التحديات في مشهد نقص المهارات: اليوم، في بيئة الأعمال سريعة التغير، تعتبر القدرة على إدارة قدرات القوى العاملة بكفاءة أمراً بالغ الأهمية. يستغرق التوظيف التقليدي للوظائف الدائمة وقتاً طويلاً قد يعيق الاستجابة لاحتياجات المشروع التي تواصل التطور والتغير مع الوقت. يقدم الاستشاريون المستقلون حلاً سريعاً لهذا التحدي.
3. خفض التكاليف الثابتة: من خلال اعتماد منظومة عمل أصغر حجماً، تتجه العديد من الشركات ذات التفكير المستقبلي إلى التعامل مع شركات مستقلة لخفض التكاليف الثابتة. من خلال العمل مع المهارات المستقلة عند الحاجة إليها فقط، تقلل الشركات من الوقت الذي يقضيه موظفو الدوام الكامل دون تأدية أي مهام. بالإضافة إلى تقليص التكاليف التشغيلية، يمكّن هذه النهج الشركات من نقل وفورات الميزانية هذه إلى عملائها.
4. تبني وجهات نظر جديدة: يسهم دمج المهنيين المستقلين في إطار القوى العاملة الاستشارية بجلب وجهات نظر جديدة وأفكار مبتكرة. يسهم الاستشاريون المستقلون إلى حد بعيد، بفضل خلفياتهم وخبراتهم المتنوعة في مختلف الشركات والصناعات، في حل المشكلات على نحو إبداعي ونقل المعارف، وهو ثروة لا تقدر بثمن، خاصة في التصدّي التحديات المعقدة أو إضفاء الحيوية على المشاريع الراكدة وتسريع إتمامها.
5. “جرب أولاً قبل الالتزام” لكلا الجانبين: يعد سوق المواهب المستقلة مصدراً مثالياً لاستكشاف المواهب المستقبلية. يتيح العمل مع المهنيين المستقلين للشركات تقييم ملاءمة هؤلاء المهنيين وأدائهم قبل تقديم أدوار دائمة لهم. والأهم من ذلك أنه طريق ذو اتجاهين، لأنه يوفر للمهنيين المستقلّين فرصة لمعرفة ما إذا كانت هذه الشركات مناسبة لهم.
باختصار، التفاصيل الدقيقة مهمة جداً، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجوانب التشغيلية الحاسمة التي تؤثر في جودة العمل وسمعة الشركة الاستشارية. وبالتالي، يتعين على الشركات الراغبة في الاستفادة من المهنيين المستقلين التأكد من أن لديها آلية عمل مناسبة، أو من وجود شريك خارجي مناسب، لاستقطاب الخبرات الخارجية والتأكد منها وضمّها إلى القوى العاملة فيها.
من الصعب حصر الميزات والنتائج الإيجابية المترتبة على القيام بذلك على نحو صحيح. من خلال الاستفادة على نحو استراتيجي من سوق العمل الحر، تعزّز الشركات الاستشارية من نطاق خدماتها، وتحافظ على ميزة تنافسية في سوق دائم التطور. إنّ تبني هذا التحول نحو منظومة عمل مرنة قائمة على الاستشارة مفتاحٌ حاسم للنجاح ومحرك قوي لتحقيق الربحية.