منذ فترة ليست بالبعيدة كانت مجموعة صغيرة من الدول الكبرى تهيمن على قطاع الفضاء. أمّا الآن، فإن التنوع السريع والتقدم في التقنيات والمنتجات والخدمات الجديدة؛ بات يُحدث ثورة على النظام الفضائي العالمي القديم، مما يمكّن دولًا أخرى، وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة، من رسم مسار رائد لبناء وتوسيع قدراتها الفضائية السيادية.
فاليوم، أصبح من المتعارف عليه سعي الدول إلى تطوير اقتصاد فضائي مزدهر معترفٌ به على نطاق واسع كمحرك مهم لدفع عجلة التنوع الاقتصادي والتطور التكنولوجي. ومع احتدام التنافس في مجال الفضاء، فإن السعي لاغتنام الفرص التي يوفرها هذا القطاع لا يقتصر على دولة الإمارات وحدها، ومع ذلك فإن ما يميزها عن باقي الدول هو سعيها إلى مواءمة وتنفيذ رؤية إستراتيجية متعددة الأوجه بمساهمة ملموسة من القطاعين العام والخاص.
نهج تقدمي متكامل في النظام الفضائي
وقد رسخت دولة الإمارات مكانتها كقوة رائدة عالميًا في مجال الفضاء من خلال نهجها التقدمي والمتكامل، والذي يركز بوجه خاص على الابتكار والذكاء الاصطناعي والاستدامة. كما أسست مراكز للتميز في مجال الفضاء، بما في ذلك وكالة الإمارات للفضاء ومركز محمد بن راشد للفضاء، بالإضافة إلى تطويرها للإستراتيجية الوطنية للفضاء 2030 وتأسيس صندوق وطني للفضاء بقيمة 3 مليارات درهم إماراتي (816.84 مليون دولار أمريكي)، لترسي بذلك أسسًا متينةً لتحقيق أهدافها الطموحة في مجالات تقنيات الفضاء والعلوم والبحوث.
وكان التزام الدولة بقطاع الفضاء، والمدفوع بفهم واضح لإمكاناته الاقتصادية والجيوسياسية الكبيرة، فعالًا في تطوير قطاع الفضاء الإقليمي، حيث تم استثمار 25 مليار درهم إماراتي (6 مليارات دولار أمريكي) في تطوير البنية التحتية المتقدمة، من اتصالات الأقمار الصناعية وأنظمة مراقبة الأرض إلى تقنيات نقل البيانات الرائدة وحتى مبادرات استكشاف الفضاء. وتعد هذه الاستثمارات والتقنيات الناتجة عنها دليلًا على التعاون الوثيق الذي يربط بين القطاعين الخاص والعام.
وعلاوة على الدور الحاسم للاستثمار المالي في تعزيز النمو ومواصلة تحقيق طموحات الدولة في مجال الفضاء، فقد أدركت الحكومة أيضاً وبشكل جليٍّ أهمية تسهيل حضور القطاع الخاص في هذا القطاع. حيث تعهدت الحكومة بدعم وتسريع قدرات الدولة الفضائية على مدى العقد المقبل، كما التزمت بإنشاء العديد من المناطق الاقتصادية المتخصصة في جميع أنحاء الدولة، حيث ستدعم هذه المناطق بقوة الشركات الناشئة والشركات الراسخة في مجال تقنيات الفضاء على حد سواء أيضًا لتأسيس وإدارة أعمالها على أرض الإمارات.
نهج استراتيجي يقوم على التعاون

وعلى غرار نموذج التشغيل المتبع في وكالة “ناسا”، تؤمن دولة الإمارات بأهمية إنشاء منظومة متكاملة تعزز التعاون بين القطاعين العام والخاص في النظام الفضائي. ولا تتعلق أوجه التعاون هذه بمشاركة الموارد فقط، بل بتعزيز الابتكار وتحدي المؤسسات التقليدية أيضًا، الأمر الذي يعدّ شهادة على التزام الدولة بالريادة العالمية في قطاع الفضاء.
ويتمثل النهج الإستراتيجي للدولة أيضًا في التزامها بتحقيق التكامل بين قطاعات الفضاء المختلفة، ومنها على سبيل المثال حلول البيانات الجيومكانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والاتصالات الفضائية، وتعزيزها من خلال القوة التحولية للذكاء الاصطناعي. ومن المقرر أن يُحدث هذا التناغم بين التقنيات الأساسية ثورة في نماذج النظام الفضائي، التي تتميز تقليديًا بدورات التطوير الطويلة والعوائق الكبيرة أمام اللاعبين الجدد. وإجمالاً، تفتح “دمقرطة التقنية” وتسهيل الوصول إليها آفاقاً جديدةً أمام المبتكرين في مجال تقنيات الفضاء للعمل بكفاءة أكبر وتحقيق تأثير أوسع على مستوى العالم.
ومن الأمثلة الرئيسية على هذا النهج هو الاندماج بين شركتين تقنيتين رائدتين في دولة الإمارات، وهما: “بيانات”، الشركة المتخصصة في توفير حلول البيانات الجيومكانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، و”الياه سات”، وهي شركة
رائدة في مجال حلول الاتصالات الفضائية عبر الأقمار الصناعية. وعند اكتماله، سيؤدي الاندماج إلى إنشاء “Space42″، الشركة الجديدة الرائدة في تقنيات الفضاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات، والتي تغطي أعمالها الرئيسية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع حضور عالمي. وتعد “Space42” نموذجًا متطوراً للاعب جديد يتمتع بموقع مثالي سيساهم بشكلٍ محوري في تطوير تقنيات الفضاء وتسهيل الوصول إليها من خلال الذكاء الاصطناعي.
ومع ارتقاء دولة الإمارات إلى آفاق جديدة في مجال تقنيات الفضاء، فمن المهم ملاحظة أن اهتمام الدولة بهذا القطاع يتجاوز الفوائد الاقتصادية والتقنية المباشرة. فمن خلال دمج العناصر الرئيسية مثل التقنيات المتطورة والشراكات الإستراتيجية والاستثمارات، فإنّ دولة الإمارات لا تعيد تعريف الفرص التي يوفرها قطاع الفضاء فحسب، بل تحدد أيضًا الكيفية التي يمكن لهذا القطاع من خلالها تعزيز تطور المعرفة البشرية بشكل مباشر وخلق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع.