بدأت أنظمة حماية البيانات بالظهور في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ عام 2020، حيث تعتمد القوى الاقتصادية الرئيسية في مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والآن تم تطويرها الى قوانين شاملة ومحكمة لحماية البيانات.
ولطالما كانت خصوصية الأفراد والحياة الشخصية حقاً أساسياً تحميه القوانين في مختلف أنحاء العالم، حيث حثّت الأنظمة الدستورية على مدى التاريخ على صيانة هذه الحقوق وحفظها تطبيقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية، وفي مواجهة هذا التطور المتسارع وظهور تقنيات قوية يمكنها تخزين كميات كبيرة من البيانات الشخصية والحساسة ومعالجتها ونشرها. تم تطبيق أنظمة أكثر تعقيدًا لحماية هذه البيانات الشخصية، وحماية المجتمعات من أخطار العصر الرقمي.
العلاقة بين حماية البيانات والتكنولوجيا

تعتبر البيانات الشخصية الحجر الأساس للتكنولوجيا، لذا من المتوقع أن تلعب البيانات الشخصية دوراً متنامي الأهمية في رسم ملامح استراتيجيات وأهداف المؤسسات العامة والخاصة بالتزامن مع تطور التكنولوجيا.
ساهمت أزمة كوفيد -19 في تسريع جهود الحكومات ببناء بما يسمى الحكومة الرقمية بصورة واضحة ومتسارعة، وعلى ما يبدو أن الأمور ستستمر على هذه الوتيرة في ضوء الاعتماد الواسع على تطبيقات مدعمة بالذكاء الاصطناعي، والتي سيتم تصميمها لمعالجة البيانات شخصية بكميات أكبر.
ويمكن القول إن النظام الأوروبي العام لحماية البيانات، الذي دخل حيّز النفاذ في عام 2018، يمثل “المعيار الذهبي” الدولي للامتثال لحماية البيانات. إذ وصل صداه إلى مختلف أنحاء العالم، وظهر تأثيره على ممارسات موردي خدمات التكنولوجيا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتطلعات عملائهم بشكل عام.
كما عزز النظام الأوروبي لحماية البيانات توقعات الأشخاص، إلى حدّ ما، فيما يتعلق بكيفية حماية بياناتهم الشخصية، وشكّل أحد أكثر النصوص تأثيراً في تطوير قوانين الخصوصية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
توجهات رئيسية
أدت التطورات الأخيرة في نظام حماية البيانات الشخصية إلى ظهور بعض التوجهات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الأهمية المتنامية للامتثال للأنظمة التي تحمي الخصوصية

أصبح امتثال المؤسسات العامة والخاصة لنظام حماية البيانات أمرًا واجبًا يحميه الدستور والأنظمة والحكومات، حيث إن صاحب البيانات الشخصية أصبح محور جميع الخطوات والقرارات التي تتخذها المؤسسات اليوم. وبات فهم طبيعة ومدى معالجة البيانات والأخطار الناجمة عنها جزءاً أساسياً من الصحة التنظيمية الشاملة للشركات التي تعتمد على البيانات، والشركات التي تستفيد من التكنولوجيا في عملياتها مع العملاء أو عملياتها الداخلية. وانتقل مبدأ الخصوصية حسب التصميم، الذي وضعه النظام الأوروبي لحماية البيانات، إلى أُطر دولية أخرى، حيث يحظى باهتمام متزايد بصفته مفهوماً منصوصاً عليه في قوانين مختلف دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويقوم المبدأ على دمج ممارسات الحماية المحكمة في تصميم ومواصفات جميع العمليات التقنية والتجارية في مرحلة التطوير وقبل وصولها إلى مرحلة التنفيذ.
ونتيجة لذلك، تضاعفت أهمية الامتثال للأنظمة التي تحمي الخصوصية بصفته عاملاً مؤثراً في إجراءات التحقق الواجبة التي تقوم بها الشركات قبل عمليات الاستحواذ. وتستهدف هذه العمليات في حالات عديدة شركات غير ملتزمة بالامتثال لأنظمة الخصوصية، لا سيما وأن بعض أُطر العمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم تُنفذ بصورة فاعلة بعد. غير أنه في حال تبيّن أن المعلومات الشخصية التي تستفيد منها هذه الشركات في عملها جُمعت بطرائق غير قانونية، سيؤثر ذلك سلباً على الجدوى التجارية لعمليات الدمج والاستحواذ.
الإبلاغ عن اختراق البيانات

تم تقنين إجراءات الإبلاغ عن اختراقات البيانات الشخصية في مجموعة كاملة من قوانين الخصوصية واللوائح التنفيذية بقطاعات محددة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما استلزم حاجة أكبر لسياسات الاستجابة للاختراقات السيبرانية. ومن المُرجح أن تتزايد الهجمات السيبرانية بالتزامن مع مستويات الرقمنة المتنامية وزيادة الترابط بين الأنظمة، حيث أصبح تعرّض المؤسسات للهجمات السيبرانية أمراً حتميًا لا مناص منه.
وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يفرض النظام على المؤسسات في معظم الحالات إخطار الجهات التنظيمية بحدوث اختراقات البيانات خلال 72 ساعة من حدوثها أو أقل (بالتماشي مع المهلة المُحددة في النظام الأوروبي العام لحماية البيانات). وفي ظروف محددة، تتطلب العديد من الأنظمة المُعتمدة إخطار الشخص الذي تسرّبت بياناته الشخصية. وإضافة إلى ذلك، تنشر بعض الدول تفاصيل المؤسسات التي تعرضت لاختراق البيانات، والتي فشلت بالامتثال بالتزاماتها القانونية.
وتتأثر هذه المعضلة أيضاً بمعايير الحد الأدنى من الأمان الإلزامية التي تنطبق في قطاعات محددة، حيث تدعم هذه المعايير الأنظمة الوطنية في مجال الخصوصية ضمن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. في المستقبل القريب ستتطور الأنظمة واللوائح ومعايير أمن المعلومات لمواكبة الأُطر الدولية الرائدة مثل NIST Cybersecurity Framework
أنشأت معظم الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جهات تنظيمية متخصصة في مجال خصوصية البيانات أو تخطط لإنشائها قريباً، حيث تتحمل هذه الجهات مسؤولية ضبط سياسة الدولة فيما يتعلق بالتطوير والاستخدام المسموح به للذكاء الاصطناعي.
وعلى الرغم من التطورات التشريعية الأخيرة، لا تزال العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تبرز في السوق العالمية بسبب أنظمتها الواسعة أو المتسامحة نسبيًا. مما شكل عامل جذب لبعض المؤسسات العالمية، إلى جانب البنية التحتية التقنية الممتازة والسجل الحافل في دعم الابتكار التكنولوجي بشكل علني، لتجربة تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للمساعدة في تحسين نهج هذه المؤسسات وسياساتها.
الطريق نحو التنفيذ
يشكل نشر الحكومات لأنظمة حماية البيانات الشخصية خطوة أولى فيما يُرجح أن تكون رحلة طويلة الأمد لتطوير وتنفيذ أُطر تنظيمية كاملة للبيانات. تركز العديد من الحكومات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الآن على الخطوة التالية المتمثلة في تطوير وتنفيذ الأنظمة اللوائح لاستكمال نظام الخصوصية الأساسي ووضع إرشادات وتفاسير مفصلة لتسهيل فهمه وتنفيذه، فضلاً عن تطوير أنظمة واستحداث جهات حكومية لمراقبة الامتثال لهذه الأنظمة. بالتالي سيتعين على المؤسسات في هذه الأثناء اتخاذ قرارات رئيسية حول كيفية تفعيل هذه المتطلبات في غياب الإرشادات التوجيهية، ومستوى أدق من التفاصيل للمساعدة في تفسير هذه الأنظمة الجديدة. ويُعد فهم المبادئ والتوجهات العامة خطوةً بالغة الأهمية في ابتكار نهج متناسق ومتوافق مع متطلبات للمستقبل.
وتعمل العديد من الحكومات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بلا كلل لإرساء مكانتها العالمية بصفتها رائدة في الابتكارات التقنية، لذا نتوقع استمرار جهودها في اعتماد القوانين والتعاون مع أصحاب المصلحة في القطاع لحماية حقوق الأفراد وتعزيز ثقة المستهلك وتشجيع الابتكار وتمكين الاستفادة من القيمة الكاملة للبيانات بطريقة مسؤولة.