يشهد قطاع الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية تحولاً جذرياً نحو تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، الرامية إلى بناء مجتمع حيوي واقتصاد قوي وهوية وطنية طموحة، حيث تؤدي الرعاية الصحية دوراً محورياً في تحقيق تلك الغايات. فنظام الرعاية الصحية في المملكة يسير على طريق أشمل وأكثر فعالية وتكاملاً، مع التركيز على نحو خاص على تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية وتحديث المرافق والمعدات، وتعزيز دور استثمارات القطاع الخاص.
ويعد برنامج تحول القطاع الصحي إحدى الركائز الأساسية لهذا التحول، حيث يهدف إلى تحسين جودة الرعاية والالتزام بأعلى المعايير الدولية، وتعزيز الابتكار والاستدامة المالية. ومن إنجازات هذا البرنامج الرئيسة الاستجابة السريعة والفعالة لجائحة كوفيد-19، مما يظهر قدرة المملكة على التكيف وتنفيذ حلول مدفوعة بالبيانات، مثل تطبيقات الهواتف المحمولة لبروتوكولات التطعيم، ومستشفى (صحة) الافتراضي – الأكبر من نوعه عالمياً، الذي يربط أكثر من 150 مستشفى بأكثر من 30 خدمة صحية متخصصة.

ويؤدي القطاع الخاص دوراً محورياً في دفع جهود المملكة لتحقيق الأهداف الصحية الوطنية، وضمان حصول الجميع على رعاية صحية عالية الجودة. وتقف الرعاية الصحية في السعودية على عتبة نمو تحولي، لا سيما مع تبنيها للتقنيات المتطورة. فالالتزام بتعزيز الخدمات الصحية الإلكترونية والمنصات الرقمية وإطار الرعاية الصحية المبتكر يبني نظاماً جاهزاً لمواجهة متطلبات اليوم وتحديات الرعاية الصحية المستقبلية. وتضمن هذه الاستراتيجية المستقبلية أن البنية التحتية للرعاية الصحية في المملكة تكون مستجيبة ومستدامة على حد سواء.
وفي سعيها لوضع معيار فعال وشامل لنظام الرعاية الصحية، هناك حاجة متزايدة وتركيز متضافر على خدمات الرعاية الصحية الأولية في السعودية. إذ يسهم إنشاء نظام أقوى للرعاية الصحية الأولية إلى حد بعيد في تحقيق المزيد من الإنصاف في الحصول على الرعاية الصحية، وضمان حصول جميع الأفراد على الخدمات الطبية على نحو عادل، وفي الوقت المناسب. وهذا لا يؤدي فقط إلى خفض إجمالي النفقات الصحية، بل يحقق أيضًا تقدمًا في سلامة المرضى وتحسين النتائج الصحية، مما يعزز إمكانية الوصول لجميع السكان.
تسعى المملكة العربية السعودية لوضع معيار لنظام رعاية صحية فعال وشامل، وهناك أيضًا حاجة متزايدة وتركيز كبير على خدمات الرعاية الأولية في المملكة، بهدف وضع معيار لنظام رعاية صحية كفؤ وشامل. إن إنشاء نظام للرعاية الأولية أقوى يسهم إلى حد بعيد في تحقيق مزيد من المساواة في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، مما يضمن حصول جميع الأفراد على خدمات طبية عادلة، وفي الوقت المناسب. وهذا لا يؤدي فقط إلى انخفاض في إجمالي النفقات الصحية، ولكن أيضًا يؤدي إلى التقدم في سلامة المرضى وتحسين نتائج الصحة، مما يعزز الوصول المحسن للسكان.

ويتجلى التركيز الاستراتيجي للمملكة على توظيف التكنولوجيا في مجال الرعاية الصحية من خلال تبنيها للطب عن بعد، والذكاء الاصطناعي، والسجلات الصحية الرقمية. وتعد هذه التقنيات أساسية لتحسين رعاية المرضى وتحسين دقة التشخيص وترشيد أنظمة إدارة الرعاية الصحية. فعلى سبيل المثال، أسهم دمج الذكاء الاصطناعي في عمليات التشخيص إلى حد بعيد في تقليل الأخطاء وتحسين نتائج المرضى. كما يسهل تبني السجلات الصحية الإلكترونية في جميع منشآت الرعاية الصحية في السعودية، تبادل معلومات المرضى بسلاسة، مما يعزز كفاءة رعاية المرضى، ويقلل من الأعمال الورقية غير الضرورية.
وتشجع السعودية بحماس الشراكات بين القطاعين العام والخاص كآلية لدفع نمو قطاع الرعاية الصحية. وقد صُممت هذه الشراكات لاستغلال مزايا كلا القطاعين لتوسيع البنية التحتية للرعاية الصحية وتحسين تقديم الخدمات وتعزيز الابتكار. ومن خلال دعوة الاستثمارات والخبرات الخاصة إلى قطاع الرعاية الصحية، تهدف المملكة إلى تحسين جودة خدمات الرعاية الصحية وجعلها أكثر إتاحة لسكانها. وتعد هذه الاستراتيجية أساسية لتحقيق الأهداف الطموحة التي حددتها رؤية السعودية 2030 للرعاية الصحية.

ويعد التحول الملحوظ نحو الرعاية الصحية الوقائية جانبًا رئيسيًا آخر من تحول الرعاية الصحية في السعودية. وإدراكًا لأهمية منع المرض قبل حدوثه، تستثمر المملكة في برامج على المستوى الوطني تهدف إلى تعزيز أنماط الحياة الصحية والفحوص الدورية وتدابير الوقاية. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الجهود إلى تقليل عبء الأمراض المزمنة مثل داء السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، التي تنتشر في المنطقة.
ولا يقتصر ابتكار قطاع الرعاية الصحية على التكنولوجيا فحسب، بل يشمل أيضًا تحسين العمليات والأطر التنظيمية التي تضمن سلامة المرضى، وتعزز بيئة داعمة للابتكار. وتوفر مبادرات مثل مفهوم “الصندوق الرملي التنظيمي” بيئة اختبار آمنة للابتكارات الصحية الجديدة، مع موازنة الحاجة إلى الابتكار مع سلامة المرضى. وتعد الجهود التعاونية بين المبتكرين ورواد الأعمال والجهات التنظيمية والمستثمرين أمرًا بالغ الأهمية لدفع عجلة الابتكار في مجال الرعاية الصحية في المملكة.
وتركز الحكومة السعودية أيضًا على تعزيز إمكانية الحصول على الرعاية الصحية في المناطق النائية والمحرومة من الخدمات. فمن خلال نشر العيادات المتنقلة، وخدمات الرعاية الصحية عن بعد، والمرافق الصحية عبر الأقمار الصناعية، تعمل المملكة على ضمان حصول كل مواطن، بغض النظر عن موقعه الجغرافي، على خدمات رعاية صحية عالية الجودة. وتعد هذه المبادرة أساسية لتحقيق المساواة والشمولية في الرعاية الصحية في جميع أنحاء البلاد.
إن ترابط هذه المبادرات مع الأهداف الشاملة لرؤية السعودية 2030 يسلط الضوء على نهج استراتيجي لإصلاح الرعاية الصحية يركز على المريض، ويقوده التقنية، ويهدف إلى تحسين مستدام وطويل الأمد. وبينما تواصل السعودية استثماراتها في قطاع الصحة، فإنها تضع سابقة لكيفية قيام التكنولوجيا والابتكار بتحويل تقديم الرعاية الصحية والوصول إليها وجودتها على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي.