Posted inمقالات

مفاتيح سد الفجوة بين الحكومات والشعوب تبدأ من الإلمام ببياناتهم

يتحدث أحمد الخطيب، رائد أعمال ورئيس شركة Auspex عن سبل تعزيز التواصل بين الجمهور والمسؤولين الحكوميين

مفاتيح سد الفجوة بين الحكومات والشعوب تبدأ من الإلمام ببياناتهم

شهدت منطقة الشرق الأوسط في العشر سنوات الأخيرة العديد من الإضطرابات والأزمات المؤسفة والتي كان لها أثر بالغ الضرر على مستقبل الشعوب ومجريات تاريخ الأمة، حيث أصداءها تتردد في المنطقة حتى يومنا هذا.

تعددت أسباب الأزمات والنتيجة واحدة ألا وهي خراب الأوطان، فالبعض يرى بأنها انعكاسات لغضب مكبوت  نتج عن إحباط تراكميّ. وأخرون يرون أن وارئها قوة استعمارية استغلت تقصير الحكومات. فإلى الحين نتساءل: هل كان بإمكاننا تفادي وقوع ما وقع في البلدان العربية؟

أنا مصري أبلغ من العمر ثلاثين عاماً وأحلم بأن يعمّ الشرق الأوسط الاستقرار والأمان يوم ما. أؤمن بأن البيانات (Data)  هي الثورة بحد ذاتها وأن من يجب أن يستغلها ويؤجج شراراتها هي الحكومات نفسها. فعلى الحكومات أن تبدأ بتشجيع استخدام الاتصالات القائمة على البيانات، لكي تتخلص من التخمين ولتصبح كيان استباقي يرعى النهج القائم على الأدلة في جهودها لفهم مواطنيها وترسيخ العلاقات معهم بل وإسعادهم أيضاً. وإن عجزت الحكومات عن أخذ مبادرة فاعلة في هذا  المجال، فلا شكّ بأنها ستفقد سيطرتها على الأوضاع و ستستمر الفجوة بين الحكومات والشعوب في الإتساع.

تمتلك البيانات الضخمة  (Big Data) إمكانات غير محدودة تقريباً ً في قدرتها على نشر السلام وإصلاح المجتمعات. وتكمن عناصر الأفضلية هنا أن هذا العصر الذي  نعيشه الأن يوفر لنا المناخ المناسب للحصول على مثل هذه البيانات دون الضرورة  للاحتكاك المباشر مع الناس ومحاورتهم، حيث تتولد البيانات  بشكل متنامي عبر القنوات الرقمية والتقليدية والأجهزة الشخصية كالهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والساعات والمركبات والأجهزة المنزلية، ولا تزال تشكل اليوم مفهوماً جديد نسبياً في الشرق الأوسط، وبالكاد تُستخدم كمورد للمعلومات في العديد من البلدان، ويمكن الوصول إليها عبر شبكة الإنترنت .

ولا يقتصر دور البيانات في كونها عنصراً أساسياً في إيصال الرسائل بشكل أكثر فاعلية، بل تُوفّر أيضاً نافذة قيّمة للاطلاع على آراء الناس ومشاعرهم الحقيقية حول القضايا التي تعود عليهم بالتأثير الأكبر، مما يمكننا من فهم كيفية بدء المحادثات وانتشارها عبر الفئات المختلفة في المجتمع.

على سبيل المثال، لا يمكنك إستخدام  المحتوى نفسه أو المنصة ذاتها  للتواصل  مع شابة تبلغ من العمر 21 عاماً ورجل يبلغ من العمر 30 عاماً عند الرغبة بإيصال رسالة بخصوص قانون أو برنامج اجتماعي جديد حتى لو كان تأثيره متساوياً على كل منهما. ويرجع ذلك إلى أنه سيكون للمبادرة الجديدة آثار مختلفة على أشخاص مختلفين، لأسباب تتعلق بهم كأفراد، وقد لا يكون هناك دائماً رابط مشترك يوحّد كل المتأثرين بهذه القوانين والتغييرات.

لذلك  لابدّ  للجهة المعنية أن تتعرّف على هذه المجموعات المختلفة وتفهم حاجاتها ومشاعرها عند الرغبة بإيصال خبر تطبيق تغييرات معينة، وشرح تأثير قانون جديد على تلك الفئات وكيف يمكن أن يؤثر ذلكالقانون أو التغيير على مشاعرهم. ويتمثل التحدي الرئيسي في إيصال رسالة يتردد صداها لدى جميع فئات المجتمع المختلفة لمساعدتهم على فهم الآثار المترتبة وتغيير سلوكهم وفقاً لذلك، سواء كان هذا الموضوع يناقش الإصلاح الضريبي أو برنامج الرعاية الصحية الجديد.

وعند السعي لمعرفة ما يحفز الناس ويثير دوافعهم، والتعرف على طرق تواصل المعلومات مع المجتمع، يصبح بناء الثقة والتفاهم بين الناس وأصحاب السلطة أكثر سهولةً مما يوفر بدوره الاستقرار والانسجام الاجتماعي.

تساعد البيانات على تحويل الحكومات من    جهات تفاعلية  إلى جهات استباقية، قادرة على معرفة ما يتوجب علينا قوله والفترة والمكان والطريقة والجمهور المستهدف. ويُعدّ توطيد الصلة مع الجمهور ومكافحة انتشار النشاطات التطرفية من أكثر تطبيقات البيانات فاعلية. ويتعلّق التطبيق الثالث (Third Application)  بالحاجة الاجتماعية الملحّة لطرح الحلول والتصدي لمشاكل الرعاية الصحية سواء في المنطقة أو العالم أجمع.

وتنتج العديد من تلك المشاكل الصحية بسبب غياب الوعي بمدى سوء تأثير بعض أنماط الحياة. فعلى سبيل المثال، يتنشر مرض السكري من النوع الثاني بشكل واسع بين أفراد منطقة الشرق الأوسط، وتتابع الدراسات توقعاتها بأن المرض في طريقه ليشمل عدد أكبر من الناس خلال العقد القادم. وأظهرت الأبحاث إمكانية تجنب مرض السكري الثاني ومضاعفاته الخطيرة كالنوبات القلبية والسكتات الدماغية وفقدان الأطراف والعمى التدريجي، وذلك من خلال إجراء بعض التغييرات البسيطة في نمط الحياة.

ويتمثل التحدي في كيفية تحديد الأفراد الذين يعانون من هذا المرض ولم يتم تشخصيهم بعد، أو تحديد من هم أكثر عرضة للإصابة به، وهنا يأتي دور البيانات والاتصالات الرقمية الهام في معالجة هذه المشكلة.

وأثبتت التجارب أنّ اتباع نهج موحد في الترويج لحملة صحية لملايين الأشخاص غير فعال. في حين أن الاستخدام الفعال للبيانات يمكن أن يضمن دقة الرسالة وأن تكون مخصصة وموجهة للفئات الأكثر  ضعفاً أو عرضة للأمراض.

يجب أن يقوم ذلك على فهمٍ أفضل لأنماط عيش الأفراد  والتعرف على المواضع التي تحتاج لتغيير، والأماكن التي يمكن أن يحدث فيها عطل في تدفق هذه المعلومات، كي نتمكن من توفير منصة يرغب الأشخاص بالاستماع إليها،  والاستفادة منها.

تتسم الاتصالات سواء جاءت كتحذيرات حول الصحة العامة أو كإعلانات للإصلاح الاجتماعي، بعدم فاعليتها عندما يستلمها الأفراد من قبل الحكومة بشكل مباشر، لأنها تبدو لأفراد المجتمع وكأنها مجرد دعاية. حيث ان فن الإقناع  يكمن في تطوير محتوى يتسلل لحياة الأفراد عبر التواصل معهم في فضائهم الشخصي، بدلاً من توجيههم بالعلن.

يتمتع الشرق الأوسط بواحدة من أكثر المجموعات السكانية شباباً في العالم، ولنرتقي بمستقبل المنطقة الذي ننشده علينا أن نتحدّث لأولئك الشباب بلغة يفهمونها وتمت لهم بصلة مباشرة. فهم بحاجة إلى أن يتعلموا أن المساواة والاحترام والتنوّع والتسامح هي أسس المجتمع السليم، ويجب أن تبدأ عملية التعلم هذه منذ سن مبكرة. ومع تبنّي هذا الجيل لعالم الإنترنت في وقت مبكر من سنوات تكوينهم من المنطقي أن يتم التعامل معهم باهتمام لغرس الرسائل والقيم الإيجابية وتطوير البرامج التعليمية التي تقودها البيانات للأجيال القادمة.

هدفي المطلق هو بناء حلف وثيق مع من يشاركوني أفكاري ويرغبون برؤية التغيير ذاته في الشرق الأوسط ، وهذا ما دفعني إلى إنشاء AUSPEX International؛ وهي وكالة اتصالات تعتمد على البيانات، وتهدف لسد الفجوة القائمة بين صُنّاع القرار و الشعب باستخدام علم البيانات والتفاعل الرقمي لتحسين الحوكمة والمساءلة.

نحن نحتاج بشكل كبير إلى سد الفجوة القائمة بين الشرق الأوسط وبقية العالم، و إلى أن نستخدم البيانات التي يمكن أن تساعدنا في إيجاد الروابط المشتركة التي توحّدنا.
لن نتمكّن من التسامح ورؤية انعكاسنا في الآخرين إلا عند احترام ثقافاتهم وإنجازاتهم وتحويل حلم السلام إلى حقيقة.

بقلم أحمد الخطيب، رائد أعمال ورئيس شركة Auspex.

للاطلاع على  أحدث الأخبار  و أخبار  الشركات من السعودية والإمارات ودول الخليج تابعنا عبر تويتر  و  لينكد إن وسجل اعجابك على فيسبوك واشترك بقناتنا على يوتيوب  والتي يتم تحديثها يوميا