في أجواء هادئة تسود مركز الأعمال بفندق ماريوت في الحي الدبلوماسي بالرياض، تجلس غاربيني موغوروزا بثقة تنم عن رضا عميق تجاه مسيرتها وقراراتها. بملابسها الرياضية البسيطة؛ سروال رياضي وقميص أزرق طويل الأكمام، تبدو في غاية الراحة والاسترخاء. قوامها الممشوق يعكس قوة وثباتاً لا يخفيان، إلا أن ملامحها تتحول برقة حين تبدأ بالحديث، فتملأ المكان بحضورها الطبيعي الآسر، دون تكلف أو تصنع. هي ببساطة امرأة صريحة، تروي قصتها بتأمل عميق، قصة تجسدت في انتصارات وتضحيات على مر السنين.
يحمل صوتها إيقاعاً خاصاً، مُثقلاً بتجارب حياة عاشتها بين القارات وملاعب التنس. بدأت غاربيني موغوروزا رحلتها في فنزويلا، حيث لم يكن اختيارها للتنس قراراً واعياً، بل استجابة لهاجس الأمان الذي شغل بال والديها في وطنهم الأم. تستذكر تلك الأيام قائلة: “كانت الحياة هناك محفوفة بالمخاطر إلى حد ما”. سعى والداها لتوفير بيئة آمنة لأبنائهم الثلاثة، فوجدا ضالتهم في نادٍ محلي يقدم مجموعة متنوعة من الأنشطة الرياضية. وكان التنس هو الرياضة التي أسرت قلب غاربيني الصغيرة وظلت رفيقة دربها.
في سن السابعة، انتقلت عائلة غاربيني موغوروزا إلى إسبانيا، في خطوة لم تكن تدرك آنذاك أنها ستشكل حجر الأساس لمستقبلها في عالم التنس الاحترافي. تبتسم وهي تستعيد ذكريات طفولتها قائلة: “لم أكن أعرف شيئاً عن التنس عندما كنت في الثالثة”، متذكرة كيف كانت تحمل المضرب فقط لتقلد إخوتها الأكبر سناً.
إن رحلة غاربيني موغوروزا من بداياتها المتواضعة في كاراكاس إلى قمة المجد العالمي لم تكن وليدة موهبتها الفذة في التنس فحسب، بل كان لدعم عائلتها الدور الأبرز في صقل هذه الموهبة وتحويلها إلى نجاح باهر. فقد كانت العائلة الركيزة الأساسية التي مهدت لها الطريق نحو العالمية، بقدر ما كانت الموهبة سبباً في اعتلائها عرش اللعبة.
غاربيني موغوروزا.. سنوات المراهقة
تفيض ذكريات غاربيني موغوروزا عن سنوات مراهقتها بمشاعر الحماس والوعي المتنامي. عند احترافها التنس في سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، تتحدث بشغف عن لحظة كسبها “أول مبلغ متواضع من المال”، كما تصفه، وشراء أول سماعات منه. قد تبدو هذه الانتصارات البسيطة بسيطة للبعض، لكنها كانت بالنسبة لها علامة فارقة، حيث شعرت للمرة الأولى بالاستقلالية وبأنها تخطو أولى خطواتها الواثقة نحو النضج وتحقيق الذات.
لا يمكن سرد قصة غاربيني موغوروزا دون ذكر من كانوا قدوتها في عالم التنس. في طفولتها، كانت الشقيقتان ويليامز – سيرينا وفينوس – مصدر إلهام أشعل خيالها ودفعها للتألق. تتأمل تأثيرهما قائلة: “لقد غيرتا قواعد اللعبة حقاً”، مشيرة إلى بصمتهما العميقة على أجيال متعاقبة من اللاعبين. يتجلى احترامها لهما بوضوح، لكن ثمة حقيقة لا مفر منها، وهي أنها ستواجههما يوماً ما على أرض الملعب.
تعترف غاربيني موغوروزا قائلة: “كان الأمر غريباً في البداية”، واصفة شعورها الفريد بمواجهة من كانت تعدهم أبطالاً في نظرها. ومع ذلك، عندما سُئلت عن شعورها بعد التغلب عليهما، برزت روحها التنافسية بقوة. تقول بابتسامة تشع من عينيها: “كنت أتوق للفوز بقدر ما كانتا تتوقان إليه”. إن الظفر بألقاب البطولات الكبرى على حساب اللاعبات اللاتي طالما حلمت بأن تحذو حذوهن، منحها شعوراً فريداً بالرضا، لا يزال يغمرها حتى يومنا هذا.
إن هذا الإصرار، والسعي الدؤوب نحو التميز، هو ما يجعل من غاربيني موغوروزا حالة استثنائية. حتى الآن، وهي في مرحلة التقاعد تسترجع مسيرتها الحافلة، لا يشوب صوتها أدنى ندم. تقول بثقة: “كان التنس متناغماً تماماً مع شخصيتي. لم أشك يوماً في صواب اختياري.” إن وضوح هدفها، مقروناً بأخلاقيات العمل الصارمة، دفعها إلى القمة، حيث توجت مسيرتها باعتلاء المركز الأول عالمياً – إنجاز لا يزال حتى اليوم يبدو لها وكأنه حلم تحقق على أرض الواقع.
عند الحديث عن تقاعدها، لا يلوح في عينيها أي شعور بالحنين إلى صخب الملاعب. تقول مبتسمة: “أنا أستمتع حقاً بتقاعدي”، ويبدو أن هذا الاستمتاع ثمرة جهد وكفاح طويل.
ومع ذلك، حتى بعد اعتزالها، لا يزال التنس جزءاً لا يتجزأ من كيانها. فقد أصبحت تسهم في اللعبة من زاوية مختلفة الآن، عبر توجيه ودعم الجيل الصاعد والحفاظ على تواصلها مع المجتمع الذي كانت جزءاً منه طوال حياتها المهنية. يتخذ حديثنا منحى جديداً حين نتطرق إلى تجربتها في الرياض.
موغوروزا في الشرق الأوسط
لقد خاضت غاربيني موغوروزا غمار المنافسة في الشرق الأوسط مرات عديدة خلال مسيرتها التي امتدت لخمسة عشر عاماً، وشهدت بنفسها على تنامي الاهتمام بالرياضة في المنطقة، ولا سيما التنس. تقول بحماس: “إنه لأمر رائع أن يرى الأطفال الرياضيين عن كثب ويدركوا أن أحلامهم قابلة للتحقيق”.
يتجلى من كلماتها شغفها العميق بإلهام الآخرين، خاصة في المناطق التي لا تزال فيها ثقافة الرياضة في طور النمو والازدهار. تأمل أن تؤدي البنية التحتية المتطورة — من أندية وملاعب ومدربين — إلى ازدهار رياضة التنس في الشرق الأوسط، مما يسهم في تنشئة جيل جديد من اللاعبين الموهوبين.
مع اقتراب لقائنا من نهايته، تتأمل موغوروزا في آفاق مستقبلها. ورغم أنها لا تحمل خططاً عاجلة للعودة إلى ميادين التنس الاحترافي، إلا أن الرياضة تظل جزءاً لا يتجزأ من هويتها وكيانها. ولكن في الوقت الراهن، تغمرها مشاعر الرضا والاكتفاء. تقول مبتسمة: “أنا أستمتع بالسكينة التي منحتني إياها الحياة بعد اعتزال التنس”.
إن الجبال التي تسلقتها مؤخراً خلال عطلتها — سواء كانت جبالاً حقيقية أم مجازية — تؤكد أن رحلتها، رغم أنها لم تعد مرتبطة بالبطولات الكبرى أو التصنيفات العالمية، لا تزال مستمرة ومليئة بالتحديات والإنجازات.
في هدوء مركز الأعمال بفندق ماريوت، يتردد صدى صوت موغوروزا بحكمة امرأة عاشت تجارب عمر في سنوات معدودة من مسيرتها المهنية كلاعبة تنس محترفة. لا يوجد تسرّع أو قلق بشأن الفصل القادم من حياتها، بل ثقة هادئة تشع من امرأة تعرف تماماً من هي وما تريد — سواء داخل الملعب أو خارجه.