مع ارتفاع درجات الحرارة، وانتشار الظواهر الجوية الغريبة، والتهديدات المستمرة للتنوع البيولوجي؛ ثمة حاجة ملحّة اليوم لتوحيد المجتمع العالمي وحشد جهوده للأخذ بيد القيادة الشابة من داعمي الجهود المناخية للتخفيف العادل من تغير المناخ.
ولا بد من الابتعاد عن الأساليب التقليدية فيما لو أردنا إيجاد مسارات مختلفة نحو مستقبل مرن ومنخفض الكربون. ولإعادة تصور حلول المناخ، يجب علينا أن نعمل سوياً لجمع أصوات متنوعة ووجهات نظر جديدة. فالشباب يمتلكون الطاقة والشغف اللازمين لتسريع وتيرة العمل المناخي كونهم يحملون الكثير من الأفكار الجديدة والإبداعية، فضلاً عن كونهم يتحملون التأثير غير المتكافئ لتغير المناخ نتيجة تصرفاتنا الحالية والتقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا المجال. وهذا يمثل فرصة تاريخية وجماعية لدفع الجهود التحولية، حيث يعمل الشباب كمحفز قوي وشريك أساسي في التقدم نحو عالم أكثر استدامةً واستقراراً.
إن إعادة تصور تغير المناخ، بالاعتماد على الشباب، أمر بالغ الأهمية لقيادة التغيير الهادف وتطوير حلول تعاونية تحمي مستقبلهم. ومن أجل سد الفجوة بين الشباب والحوار المناخي الأوسع نطاقاً، يتعين تزويد العقول الشابة بالمهارات والمعارف الصديقة للبيئة لتمكينهم من بناء عالم مستدام يتسم بالكفاءة في استهلاك الموارد. وينطبق هذا على نحو خاص على الشباب الموجودين في البلدان المتأثرة بتغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يهدد الطقس الجاف وتغير أنماط هطول الأمطار بتفاقم ندرة المياه. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6-14% بحلول عام 2050.
وبما أن درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ترتفع بمعدل أسرع مرتين من بقية العالم، أصبح تغير المناخ مصدر قلق كبير للشباب العربي. ووفقاً لاستطلاع رأي الشباب العربي السنوي لعام 2023، فقد أيد 71% من الشباب العرب فكرة أن تغير المناخ يؤثر فعلياً في حياتهم. وترتفع هذه النسبة إلى 76% في شمال أفريقيا، و74% في دول مجلس التعاون الخليجي، ونحو الثلثين (63%) في دول شرق المتوسط.
ومع وجود أكثر من 250 مليون شاب وشابة تحت سن 24 عاماً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذين يشكلون نحو 47% من إجمالي سكان المنطقة، فإنه لا يمكن التعويل بما فيه الكفاية على دور الشباب كعامل أساسي للتغيير. وهو ما يستدعي بناء قدراتهم من خلال وضع أسس قوية عبر أطر تعليمية متعددة التخصصات. ولعل تدريس علوم المناخ والاستدامة والجوانب الفريدة للدبلوماسية البيئية في المدارس سيكون أمراً بالغ الأهمية لتطوير مهارات وقدرات علمائنا ورواد الأعمال والسياسيين مستقبلاً، مع تعميق فهمهم لتغير المناخ وأهمية معالجة مستقبلهم المستدام.
وقد أظهرت الإمارات العربية المتحدة ريادتها في هذا الاتجاه حيث جعلت التعليم ركيزة أساسية لمؤتمر الأطراف (COP28). وباعتبارها الدولة المضيفة للحدث، وضعت دولة الإمارات التعليم المناخي على رأس أولويات قمة المناخ العالمية، مما جعلها أول نسخة للمؤتمر تركز في مناقشاتها على التعليم.
وكانت دولة الإمارات قد وضعت في وقت سابق من العام الجاري خارطة طريق عملية وسلسة لدمج أجندة المناخ في منظومة التعليم، وتغيير المواقف بشأن القضايا البيئية. وفي إطار خارطة طريق شراكة التعليم الأخضر التي أطلقتها الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع اليونسكو واليونيسف، تعمل وزارة التربية والتعليم على تخصيص إطار وطني لدعم التعليم والعمل المناخي. وهي تقوم بتدريب ما يصل إلى 1400 مسؤول تربوي و2800 معلم ومعلمة لتفعيل دور الشباب في صميم الجهود المناخية العالمية.
وثمة فرصة كبيرة هنا أمام القطاع الخاص لدعم مهارات الشباب وإعدادهم لاتخاذ قرارات مستنيرة، حالياً وفي المستقبل. ومن خلال الاستثمار في البرامج المستهدفة، أو تطوير البنية التحتية المستدامة داخل المؤسسات التعليمية، أو رفع سقف الطموحات المتعلقة بوظائف المستقبل، يمكن للقطاع الخاص تهيئة الشباب للعب دور أهم في الجهود والأعمال التي سترسم مستقبلهم.
ومع تلاشي فرص الحد من الاحتباس الحراري العالمي بسرعة، تبقى هناك حاجة ملحة كبيرة إلى غرس الثقافة المناخية الشاملة. ومن الواضح أن هناك فجوات في التعليم المناخي، ولا سيما عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي لم تصل بعد إلى المتوسط العالمي المسجل في مجال المعرفة المناخية. ولا شك أن تعزيز الثقافة المتعلقة بتغير المناخ عبر جميع شرائح المجتمع سيمكننا من التفكير بما هو أبعد من الاستجابة لتغير المناخ، ومحاولة تحقيق المزيد من الاستجابات التحولية للتكيف. وللقيام بذلك، نحتاج إلى تعزيز الفهم العام للأخطار والتهديدات المناخية، وهو ما يمكن للشباب أن يلعبوا دوراً محورياً فيه، كما أكدت سابقاً.
وفي الختام، كلما تعاملنا مع تعقيدات تغير المناخ، كلما اتضح الدور الجوهري لتعزيز الثقافة المناخية والعمل المناخي. وتمر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حالياً بمرحلة حرجة، خاصة في ظل التحديات البيئية الفريدة التي تواجهها وتزايد أعداد شبابها. وشباب اليوم ليسوا مجرد قادة للمستقبل؛ وإنما عناصر فاعلة في التغيير، قادرة على قيادة الجهود التحولية الآن. ومن خلال تسخير إمكاناتهم باستخدام أطر تعليمية معززة ومبتكرة وشراكات تعاونية تشمل القطاعات العامة والخاصة والتعليمية، يمكننا تطوير جيل مهيأ لمعالجة أزمة المناخ على نحو استباقي.
وبينما نقف على حافة هاوية تغير المناخ التي لا رجعة فيها، فإن الحاجة إلى بناء مجتمع عالمي مثقف بمجال المناخ، بدءاً من شريحة شبابنا، باتت اليوم أكبر من أي وقت مضى. ولا يقتصر الأمر على نقل المعرفة فحسب؛ وإنما يتعداه إلى إلهام جيل للسعي والعمل من أجل بناء مستقبل مستدام ومرن.