تسلط البيانات الأمريكية الأخيرة، الضوء على التحديات التي تواجه بنك الاحتياطي الفيدرالي ( البنك المركزي الأمريكي) في تحقيق هدف التضخم عند 2%، خاصة مع تأثير أحداث البحر الأحمر على سلاسل التوريد العالمية، وأسعار السلع.
بينما يواصل التضخم في الولايات المتحدة التباطؤ من ذروته في عام 2022، من المتوقع أن يتوخى الاحتياطي الفيدرالي الحذر في سياسته، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية، والاضطرابات في البحر الأحمر التي ستؤثر على توافر السلع، وستؤدي لارتفاع الأسعار، وهو ما يفرض ضغوطا على أهداف التضخم التي يحددها البنك المركزي الأمريكي، وفقا للخبير الاقتصادي الأمريكي، محمد العريان.
توقعات خفض أسعار الفائدة
وأظهر بيان الأسبوع الماضي أنه على أساس سنوي، فقد ارتفع معدل التضخم في الولايات المتحدة إلى 3.4% خلال ديسمبر الماضي، من 3.1% في نوفمبر السابق له، متجاوزا توقعات الاقتصاديين البالغة 3.2%. يأتي ذلك بينما تتوقع الأسواق أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة اعتبارا من شهر مارس المقبل، وهو ما يعد طلقة تحذيرية للفيدرالي الأمريكي.
إن البيانات الأخيرة تمهد كإنذار مبكر على نحو مدهش للطريق الطويل، والمتعرج الذي ينتظرنا في الميل الأخير من معركة التضخم الأمريكية.
التضخم لم يعرقل النمو أو التشغيل
وقال العريان، المصري الأصل، في مقال نشرته صحيفة الفايننشال تايمز، إن معدل التضخم بعد أن وصل إلى ذروته بنسبة 9 % في عام 2022، وأدى إلى انكماش الاقتصاد الأمريكي، إلا أنه من المثير للدهشة، أن التضخم لم يعرقل النمو، أو تشغيل العمالة.
وأضاف: “واصل الاقتصاد الأمريكي تفوقه على المستوى الدولي، حيث نما بنحو 5 % في الربع الثالث من عام 2023، ووفقا للتوقعات المتفق عليها، أكثر من 2 % في الربع الأخير من العام.. وفي الوقت نفسه، ظلت البطالة عند مستوى منخفض يبلغ 3.7%، مع خلق فرص عمل شهرية مثيرة للإعجاب وانخفاض مطالبات البطالة الأسبوعية”.
وأوضح العريان:” يرسي هذا المزيج الفريد من التوقعات المتفق عليها بشأن الهبوط الناعم للغاية للاقتصاد.. وهذا هو السبب الرئيسي وراء تسعير الأسواق لتخفيضات أسعار الفائدة (ابتداء من مارس 2024) بمقدار ضعف 0.75 نقطة مئوية التي أشار إليها مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي، ويتوقع المحللون أن تستفيد الأسواق من الارتفاع المثير للإعجاب في العام الماضي”.
الناخبين وصدمة التضخم
وقال رئيس كلية كوينز، كامبريدج: “لقد منح الأمل لإدارة بايدن، في أن الناخبين سيضعون وراءهم صدمة التضخم غير المتوقعة، وبدلاً من ذلك، سيركزون أكثر على مكاسب الأجور الحقيقية الأخيرة، وخلق فرص العمل القوية، والتدابير التشريعية التي تدعم النمو والإنتاجية في المستقبل”.
ومع ذلك، كان هناك ما يبرر الحذر بالفعل في “الميل الأخير” من معركة التضخم قبل صدور البيانات الأمريكية يوم الخميس الماضي.
وسلطت بيانات يوم الخميس الضوء على درجة الصعوبة في تحقيق هدف المركزي الأمريكي “التضخم عند 2%”.
وبينما انخفض التضخم الأساسي من 4.0% إلى 3.9% خلال الشهر، كان هذا أعلى من توقعات السوق المتفق عليها البالغة 3.8%.
وفي الوقت نفسه، فإن البيانات لا تعكس بعد ضغوط التكلفة الموجودة بالفعل.
تأثير اضطرابات البحر الأحمر
وسيؤثر التعطيل الحالي للملاحة في البحر الأحمر على التضخم بشكل مباشر، من خلال زيادة أسعار المدخلات، والسلع النهائية، وبشكل غير مباشر عن طريق تأخير توافر السلع، وسيحتاج الاقتصاد أيضًا إلى استيعاب تكاليف العمالة المرتفعة.
ولا يوجد خطر كبير على الاستقرار الاقتصادي، والمالي في تحقيق هدف تضخم ضمني أقرب إلى 3 % في الوقت الحالي.
سياسيا، وفق رأي العريان، “لا تستطيع إدارة بايدن الاعتماد ببساطة على انخفاض التضخم لتخفيف مخاوف الناخبين بشأن إدارتها الاقتصادية.. ويتعين عليها أن تعمل على توصيل الأداء الاقتصادي الاستثنائي في الولايات المتحدة بشكل أكثر فعالية مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى، فضلا عن الترجمة إلى لغة أكثر سهولة كيف يعمل نهجها السياسي على تعزيز النمو الأكثر شمولا واستدامة في المستقبل”.
واختتم محمد العريان مقالة، قائلا إنه يتعين على الأسواق المالية أن تدرك أن توجيهات بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بنسبة 0.75 نقطة مئوية بدءاً من وقت لاحق من هذا العام أكثر منطقية من أسعار السوق الحالية الأكثر تشاؤماً إلى حد كبير.. كما أن العودة بسرعة إلى نسبة تضخم 2% لن تكون بالمهمة السهلة على الإطلاق بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وخاصة في ضوء الأخطاء الأولية التي ارتكبها بنك الاحتياطي الفيدرالي في التحليل ورد الفعل السياسي.