صدر للكاتب الجزائري الدكتور “فيصل الأحمر”، حديثاً، كتاب “خزانة الأسرار” الذي يحمل على غلافه ملاحظة “سيرة شبه ذاتية” في ما يبدو محاولة لخلط أوراق القارئ.
والكتاب من إصدارات دار الماهر، الجزائر 2019، ويقع في 224 صفحة من القطع المتوسط.
في “خزانة الأسرار” نلحظ محاولات الكاتب الحثيثة لإثارة دهشة القارئ، وخلخلة قناعاته الجمالية، ليعيد حساباته السابقة.
وفي حديث خاص لـ “أريبيان بزنس”؛ قال الكاتب فيصل الأحمر “أرى أن النظرة الفنية للحياة هي تدوين لشيء عابر لا يتطلب تحديداً كرونولوجياً، والحياة في مطلق الأمر كتاب فيه إمكانيات واسعة للجمال، للارتقاء بعمل الحواس، لاقتطاف ما هو جميل أو حمال لأوجه الجمال؛ سواء أكان ميثاقه سراء أو ضراء فالحالان كلاهما بابان مشرعان على ما هو جميل”.
وأضاف “في الكتاب أوراق كثيرة من طفولتي، هذه الفترة التي غالباً ما توجه صوبها أصابع الاتهام في حياة كل كاتب؛ ما الذي يحدث لنا في السنوات المبكرة فيؤهل الواحد منا للكتابة أكثر مما يؤهل غيره؟ أصارحك فأقول إن هنالك حرباً أخوضها باستمرار بسبب فقداني شبه التام، لذكريات طفولتي الأولى، ولا أجد لهذا الأمر تفسيراً نهائياً، ما خلف في نفسي عقدة تدوين كبيرة. لذا أبدو أحيانًا في حرب ضد إمكانيات المحو الكبيرة التي تتربص بالذاكرة”.
ويتضمن الكتاب نصوصاً موزعة على خمسة فصول؛ هي سفر التكوين، وسفر الخروج إلى الحب والكتابة، ومن أفواه المجانين، ومزامير، وأيام الله.
وتراوح السرد بين الذاتي والاجتماعي، والوصفي والتأملي، في محاولة لإثارة فضول القارئ، من خلال إثارة قضايا قد يسكت عنها المجتمع أو يغلفها الفرد -عادة- بغلاف من السرية المفرطة.
وراعى أسلوب الكاتب اللغة الأدبية وإضفاء جو من الشاعرية على النصوص، مع الحرص على خلق أبعاد لغوية دلالية تتجاوز السرد والوصف العادي، ومال في بعض المواطن إلى الرمزية.
ويقول الأحمر في كتابه “كنت دومًا مولعًا بجورج بيريك. وقرأت له كتاباً عنوانه (أذكر) وعرفت منه أن هذه الطريقة في الكتابة ابتكرها كاتب أميركي رااااائع اسمه (جو برينارد) وفكرت في كتاب بهذا الشكل، فجاء هذا النص على هامش سيرتي الذاتية المبكرة هذه. أذكر كم كنت حزيناً قبل أن يأتي الآخرون. أذكر لذة ملامسة العشب على الملعب الجديد في قسنطينة. أذكر قسنطينة؛ كنت متكئاً على صدر أمي ورائحة الخزامى تملأ حايكها الأبيض. لا أذكر شيئًا من طفولتي وأذكر حرجي من الآخرين، بعدما أتوا وهم يذكرون ذكرياتهم العتيقة. أذكر فرحي وأنا أقرا أن جورج بيريك بلا ذكريات طفولة”.
ويضيف “أذكر رغباتي في الانتحار حينما أستيقظ وقد بللت فراشي بعدما عاهدت نفسي ألا أعود إلى ذلك. كنت في الحادية عشرة. أذكر وجه أحلام. أحببتها وظننت أن العالم يتوقف عندها. أذكر احتفائي بالممثلة جولي كريستي لأن أحلام كانت تشبهها كأنهما توأم. أحببت روسيا لولعي بدكتور جيفاغو. أذكر أحلامي الجنسية. أتمنى أن أنساها قليلًا ولكنني أذكرها. وأشعر بأنها تذكرني جيدًا وتحدق بي في كل لحظة. أذكر في كثير من أحلامي أشخاصاً لو علموا أنني فعلت معهم/ بهم /فيهم ما فعلته فإنهم لا ريب سيقاطعون البلاد كلها. كنت أستيقظ من تلك اللذائذ خائبًا، ولكنني تعلمت ألا أستيقظ تماماً”.
ويتابع “أذكر تلك الأشياء الراقية الطبقية التي لم ترقني يوم عرفتها أو جربتها؛ الكافيار، لولا ابنة الأكابر، وسيارة الجاغوار. قلت إن هنالك مشكلًا في الذوق، والظاهر أنه كان مشكلاً في الثقافة. الرقي ارتبط في ذهني دوماً بفكرة أن من يأكل وله فضلة أكل في بيته يعد الشبع، يكون قد تسبب في عدم شبع شخص ما سينام ولم يكف روقه حاجاته.. أذكر كل شيء. وأذكر أي شيء. ولا أنسى الأهم أبداً”.
أدب السيرة
وترى الشاعرة الجزائرية “وسيلة بوسيس” في تقديمها لكتاب “خزانة الأسرار” أن هنالك عدداً كبيراً من الأسباب التي تؤدي بالكاتب إلى تدوين سيرته الذاتية؛ وتتساءل ” ماذا يريد كاتب سيرته الذاتية أن يقول لنا؟ أحداث؟ يوميات؟ وقائع؟ أشياء مهمة وأخرى أقل أهمية؟ كشف الأسرار؟ لا أعتقد أن ذلك هو ما ينهش كتاب السير الذاتية من الداخل. فكلنا نتقاسم هذه الأشياء. ولنا جميعاً ما يعادل ما لهؤلاء الكتاب.. أما السر فهو عماد من أعمدة الحياة، وليس هنالك أدنى تحد في اللعب على تحدي الصراحة المطلقة”.
ويذهب الفيلسوف “جان بول سارتر” إلى وصف السير الذاتية بأنها “كوميديا للكبار فقط”.. والكوميديا بالمعنى الذي أراده أولاً “دانتي أليغييري” وثانياً آونوري دي بالزاك. أما كلمة الكبار فبالمعنى الذي يحيل على الحميميات المحرجة.
الكاتب في سطور
فيصل الأحمر؛ كاتب وشاعر جزائري، يبلغ من العمر 47 عاماً، يحمل شهادة الدكتوراه في النقد المعاصر. أستاذ محاضر في المدرسة العليا للأساتذة في قسنطينة وفي جامعة جيجل.
سبق أن صدر للكاتب مجموعة مؤلفات؛ هي رواية “رجل الأعمال” عام 2003، وكتاب “الدليل السيميولوجي” عام 2009، والمجموعة القصصية وقائع من العالم الآخر” عام 2002، ورواية “أمين العلواني” عام 2008، وديوان “مساءلات المتناهي في الصغر” عام 2007، وديوان “مجنون وسيلة” عام 2014، ورواية “ساعة حرب ساعة حب” عام 2011، وديوان “الرغبات المتقاطعة” عام 2017.. وغيرها من الكتب. ونشر دراسات ومقالات في دوريات عربية عدة.
وحاز الكاتب على جائزة وزارة الثقافة عام 1996، وجائزة سعاد الصباح في الشعر عام 2002، وجائزة رئيس الجمهورية في الشعر عام 2008، وتكريم من اتحاد الكتاب في مصر عن كتابات الخيال العلمي عام 2017.