يشهد المشهد العمراني في المدن السعودية خلال السنوات الأخيرة تحولاً لافتاً مع انتشار الشقق الحديثة التي تفتقر في الغالب إلى الشرفات لتفقد البيوت بذلك أحد أهم عناصرها الإنسانية.
وتعتبر الشرفة عنصراً معمارياً صغيراً بحجمها، كبيراً بأثرها، فهي تمنح الشقة بعداً إنسانياً يتجاوز الجدران الأربعة. وجودها يضيف إحساساً بالرحابة والارتباط بالبيئة، ويسمح بدخول الضوء الطبيعي والهواء المتجدد، ما ينعكس إيجاباً على راحة الساكنين وصحتهم النفسية. كما تُضفي لمسة جمالية على الواجهة، وتمنح فرصة للتأمل أو التواصل مع الجيران والشارع، لتصبح الشرفة مساحة تجمع بين الخصوصية والانفتاح في آنٍ واحد.
وذكرت صحيفة “عكاظ” اليوم الجمعة أنه على الرغم من أن هذا التوجّه قد يبدو خياراً تصميمياً أو وسيلة لتقليل التكاليف، إلا أنه يحمل في طيّاته آثاراً نفسية واجتماعية ملموسة على السكان.
فالشرفة لم تكن مجرد امتداد من الإسمنت، بل فضاء حيّ يربط الإنسان بالعالم الخارجي، يمنحه متنفساً من ضغوط الحياة اليومية، ويتيح له لحظات من الهدوء والهواء والضوء. ومع غيابها، تُغلق الشقق على ساكنيها، ويستبدل الهواء الطبيعي بتكييفٍ دائم، والمشهد المفتوح بجدارٍ رمادي، لتنشأ بذلك عزلة حضرية تزيد من الشعور بالضيق والتوتر.
وتُظهر دراسات صادرة عن جامعة كورنيل للتكنولوجيا والمعهد الملكي للمعماريين البريطانيين أن المنازل الخالية من الفضاءات الخارجية ترفع معدلات التوتر بنسبة تصل إلى 23% وتقلل من قدرة الأفراد على التعافي النفسي بعد يوم عمل طويل.
ورغم أن بعض المطورين العقاريين يبررون غياب الشرفات باعتبارات تتعلق بالخصوصية أو الكفاءة الحرارية أو السلامة، إلا أن النتيجة، بحسب خبراء التخطيط العمراني، هي مساكن مغلقة أشبه بالفنادق المؤقتة، تفتقر إلى روح الحياة اليومية.
ويدعو مختصون إلى إعادة النظر في علاقة الإنسان بمسكنه، بحيث يُعاد تصميم الوحدات السكنية بروحٍ أكثر إنسانية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال بدائل مبتكرة مثل الشرفات الداخلية الصغيرة، أو النوافذ الممتدة ذات الأحواض الخضراء، أو الأسطح المشتركة التي تمنح السكان إحساساً بالانفتاح والتواصل.
فبين الجدار والنافذة، تبقى الشرفة مساحة صغيرة لكنها حيوية، تُعيد إلى السكن دفئه الإنساني، وتذكّر الإنسان بأنه ما زال جزءاً من العالم خارج جدرانه.

