يشهد مجال علاج السرطان تطوراً ثورياً بفضل تقنية جديدة تُعرف باسم العلاج الإشعاعي السريع (FLASH-RT)، التي تُحدث طفرة غير مسبوقة في مجال العلاج الإشعاعي. تقدم هذه التقنية المبتكرة جرعات إشعاعية فائقة القوة خلال أجزاء من الثانية فقط، ما يُعد بتحقيق علاجات أسرع، وتقليل الآثار الجانبية، وتحسين النتائج العلاجية للمرضى.
وفقاً لتقرير صادر عن مستشفى سينسيناتي للأطفال (Cincinnati Children’s Hospital)، بدأت هذه التقنية رحلتها من المختبرات، وسرعان ما وصلت إلى مرحلة التجارب السريرية، مما يجعلها أحد أكثر الابتكارات الواعدة في مستقبل علاج الأورام.
كانت تجربة “FAST-01”، التي تُعد أول دراسة سريرية تُطبق فيها تقنية العلاج الإشعاعي السريع على البشر، لحظة محورية في هذا المجال. وكما أفادت نتائج التجربة التي نشرتها مستشفى سينسيناتي للأطفال، تم علاج مرضى يعانون من انتشار السرطان في العظام، وأسفرت التجربة عن تخفيف الألم لدى 67% من الحالات المُعالجة، دون تسجيل أي آثار جانبية غير متوقعة.

استناداً إلى هذا النجاح، أطلق باحثون في مركز العلاج بالبروتونات في مستشفى سينسيناتي للأطفال وجامعة سينسيناتي تجربة جديدة تحت اسم “FAST-02”، التي تستهدف علاج السرطانات التي تصيب العظام في منطقة الصدر.
الميزة الأساسية التي تميز العلاج الإشعاعي السريع هي قدرته على تقليل الضرر الذي يلحق بالأنسجة السليمة مقارنة بالعلاج الإشعاعي التقليدي. وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة Frontiers in Oncology، يعتمد العلاج الإشعاعي السريع على ظاهرة بيولوجية تُعرف باسم “تأثير الومضة” (FLASH Effect)، حيث تُحدث الجرعات العالية جداً من الإشعاع نقصًا مؤقتًا في مستويات الأكسجين في الأنسجة السليمة، مما يحميها من التلف، بينما تستهدف الخلايا السرطانية بفعالية كبيرة. وأوضحت الدراسة أيضًا أن هذا التأثير يقلل من تكسر الحمض النووي والالتهابات، مما يحد من الأضرار التي تُلحق بالخلايا السليمة.
التحدي الرئيسي في تطبيق هذه التقنية يكمن في تحقيق الجرعات الإشعاعية المكثفة المطلوبة. وأشارت دراسة نُشرت في مجلة MDPI إلى أن الباحثين يعملون حالياً على تعديل أجهزة العلاج الإشعاعي التقليدية، مثل مسرعات البروتونات والجسيمات، للوصول إلى الجرعات العالية المطلوبة.
كما تُجرى أبحاث لتطوير تقنيات متقدمة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي في الوقت الفعلي، واستخدام التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني للتحقق من الجرعات.
لا تتوقف فوائد العلاج الإشعاعي السريع عند الجانب الطبي فقط. فقد ذكرت دراسة نُشرت في مجلة CERN Courier أن هذه التقنية تتيح تقليل عدد جلسات العلاج من أسابيع إلى أيام، مما يوفر راحة أكبر للمرضى، ويخفف الضغط على أقسام علاج الأورام. كما أن خفض التكاليف الصحية وتوسيع نطاق الرعاية، خاصة في المناطق ذات الموارد الطبية المحدودة، يُعدان من أهم المزايا المحتملة لهذه التقنية.

ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تواجه انتشار هذه التقنية على نطاق واسع. وفقًا لدراسة نُشرت في PMC، يتطلب توسيع نطاق العلاج الإشعاعي السريع استثمارات كبيرة في الأجهزة المتطورة، بالإضافة إلى الحاجة لموافقات تنظيمية وتجارب إضافية لفهم آثاره طويلة الأمد. لكن التفاؤل يظل حاضرًا؛ إذ أشار تقرير صادر عن مجلة CERN Courier إلى أن الشراكات بين المؤسسات الأكاديمية وقادة التكنولوجيا، مثل “CERN” و”CHUV”، تفتح آفاقًا جديدة، مع تطوير أجهزة مثل “FLASHDEEP” التي تعد بتوسيع نطاق هذا العلاج ليشمل أنواعًا أكثر من الأورام، بما في ذلك الأورام المقاومة للعلاجات التقليدية.
مع استمرار الأبحاث والتجارب السريرية، يبدو أن العلاج الإشعاعي السريع في طريقه لأن يصبح جزءًا أساسيًا من مستقبل علاج السرطان. وكما أظهرت نتائج التجارب الأولية، فإن الجمع بين أحدث الابتكارات العلمية ورعاية المرضى باحترافية يفتح آفاقًا جديدة لتحسين جودة حياة المرضى ورسم ملامح جديدة لمستقبل علاج الأورام.