لقد كنت وما زلت من الذين يرجّحون بقاء الريال مرتبطاً بالدولار، لأسباب كثيرة ذكرتها في مناسبات سابقة، أهمها أن كل من يملك إيداعات بالريال سيزداد ثراؤه، ما عدا خزانة الدولة، التي تملك كثيراً من الاحتياطيات النقدية بالدولار.
وبما أن الرؤية تختلف بين من يضعون السياسة وهم مسؤولون عن تنفيذها وبين المراقبين أياً كانت درجة معرفتهم أو تجربتهم، فلست من الذين يطالبون القيادة التنفيذية، في أي مجال، بتبني ما قد يتراءى لي بأنه صواب.
وتأسيساً على ذلك، فإنني أكتفي باستعراض ما نُشِر في صحيفة “الفايننشال تايمز» (في 17/6/2008) تحت عنوان “يجب أن تتخلى السعودية عن الدولار» بمعنى فك ارتباط الريال بالدولار. ولو كان ما نُشِر عبارة عن رأي الصحيفة أو كتبه صحافي، حتى لو كان متخصصاً في الكتابة عن الشؤون النقدية، لما لفت نظري ولما استحق كتابة شيء عنه. أما أن يكتبه مارتن فلدستاين وهو أستاذ في قسم الاقتصاد، – وليس في أحد أقسام دراسات المناطق- في هارفارد، ورئيس “المركز الوطني للبحوث الاقتصادية» والمرشح منذ سنوات لنيل جائزة نوبل في علم الاقتصاد، فقصّة أخرى. وإضافة إلى ذلك لم يكن بعيداً كل البعد عن السياسة الاقتصادية على أرض الواقع، إذ كان رئيس هيئة مستشاري الرئيس رونالد ريغان للشؤون الاقتصادية بين عامي 1982 و 1984، ومستشاراً في الشؤون الاقتصادية لكثير من الساسة والشركات العملاقة منذ 1982 وقبلها.
يقول البروفيسور فلدستاين الآتي:
– “مع أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة ألحق الأذى بجميع الدول الداخلة إلى جادة النموّ، فإن أسباب معاناة دول الخليج المصدّرة للبترول، تعود إلى ارتباط عملاتها بالدولار الذي انخفضت قيمته نسبة إلى بقية العملات”.
– “ارتباط الريال بالدولار، تحديداً، أسهم في ارتفاع نسبة التضخم بطريقتين، أولهما انه يجبر السلطات السعودية على مناغمة مستويات العوائد على الإيداعات (أي ما يسمى بالفوائد) إلى مستواها نفسه في أميركا حتى لا يودع الآخرون ما لديهم من دولارات في البنوك السعودية للحصول على عائد أعلى على الإيداعات التي تتحول إلى ريالات، وهي عملة مرتبطة بالدولار، تسهل استعادتها بدولارات أكثر مما أودعوا نتيجة للعائد الأعلى إذا لم ينخفض”.
– “مع أن خفض مستوى الفوائد بالنسبة إلى البنك المركزي الأميركي سياسة موفقة لمحاولة تحاشي تراجع الاقتصاد الوطني الأميركي، فهو سياسة مؤذية حينما يؤدي خفضها إلى رفع مستوى السيولة في السعودية، التي تعاني من تصاعد مستوى التضخم (لا من التراجع)”.
– “التضخم في السعودية وفي غيرها من دول الخليج يقلل من القدرة الشرائية للملايين من المواطنين ذوي الدخول المحدودة. فالولايات المتحدة مصدر 12 في المائة فقط من الواردات السعودية. وانخفاض قيمة الدولار نسبة إلى اليورو وغيره من العملات بنسبة 15 في المائة في العام الماضي، معناه أن دخول المواطنين انخفضت بأكثر من 15 في المائة منذ العام الماضي”.
وما الحل؟
يرى فلدستاين إمكان تطبيق أحد حلّين:
– “إما تعويم الريال، الذي سيؤدي إلى ارتفاع قيمته نسبة إلى بقية العملات. وهذا سيؤدي حالاً إلى انخفاض أسعار الواردات (من خارج أميركا)، ما سيؤدي إلى خفض المستوى العام للأسعار (المقصود أسعار أكثر الواردات). وهذا سيمكن السلطات السعودية من رفع مستوى أسعار مشتقات البترول (يؤدي انخفاض الأسعار إلى زيادة الطلب). ولا يحتاج السعوديون إلى أن يقلقوا من ارتفاع قيمة الريال التي يؤدي رفعها إلى خفض الطلب على صادراتهم، لأن 90 في المائة من صادراتهم نفط ومشتقاته، وهي مسعّرة بالدولار. والعائدات بالدولار ستنخفض كمّيتها لو تمّ تعويم الريال ولكن قيمتها الشرائية لن تنخفض. (لأن قيمة ما يساويها بالريالات قد ارتفعت)”.
أما الحل الثاني، الذي يقترحه فلدستاين، فهو ربط الريال بسلّة من العملات، ما سيؤدي إلى انخفاض أسعار الواردات.
هذا هو ما قاله فلدستاين. وما هو موضوع بين قوسين كبيرين هو تفسير كاتب هذه السطور لما عناه البروفيسور فلدستاين.
وأخيراً، فإنني لم أرد أن أقلّل من الصعوبات الحقيقية في تنفيذ أحد الاختيارين، التي من المؤكد انها ستؤدي إلى وجود صعوبات أخرى قد لا تكون متوقعة بما فيها انقضاض المضاربين على الريال بيعاً أو شراءً بحسب الأحوال.
والدافع لاستعراض ما قاله رجل في قامة قائله لا يتجاوز استحقاق أمثاله لقراءة أقوالهم وليس بالضرورة تنفيذها.
والله من وراء القصد.
-عن جريدة الحياة