ينظر إلى الوعي والثقافة الاستثمارية في عالم المال والأعمال على أنهما عاملان أساسيان في التطور والمنافسة، وينطبق ذلك على مختلف المناطق والدول على اختلاف مستوياتها الاقتصادية وخاصة في بلد مثل سورية، التي تعيش مرحلة من الانفتاح التجاري والاقتصادي، أصبحت معها وجهة استثمارية مغرية للأموال التي تبحث عن فرص في الأسواق الواعدة كما يتضح في هذا اللقاء مع رجل الأعمال السوري مجد سليمان، رئيس المجموعة المتحدة للنشر والإعلان والتسويق.
لم تكن سورية بمعزل عن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، ولو كان تأثرها محدوداً نظراً لمعطياتها الاقتصادية الخاصة، لكن مجد سليمان، رئيس المجموعة المتحدة للنشر والإعلان والتسويق يشير إلى واقع معاكس في ظل استمرار وتيرة إطلاق بنوك وتأسيس مشاريع استثمارية جديدة في السوق السورية التي، وبالرغم من تراجع حجم السيولة، إلا أن حركة الاستثمارية فيها ما تزل تتوسع باضطراد.
يقدم رجل الأعمال الشاب مجد سليمان صورة مختصرة لكن وافية عن قطاع التمويل في سورية الذي ما يزال بانتظار المزيد من النضوج نظراً لعدة عوامل، أبرزها ثقافة الشفافية في الإدارة المالية لدى الشركات المحلية الخاصة، الأمر الذي يأتي في مقدمة متطلبات البنوك والمؤسسات التمويلية من عملاءها.
مسألة ثقافة
يقول سليمان :»من الضروري تقديم قوائم مالية كاملة ومدققة من قبل الشركات العالمية المختصة للحصول على التمويل من المصارف، لكن مبدأ تدقيق الميزانيات والتحول من شركات فردية وعائلية إلى شركات محدودة المسئولية أو شركات مساهمة، ما يزال محدوداً في بيئة الأعمال السورية»، وبالإضافة إلى حزمة التشريعات والتسهيلات التي قدمتها الحكومة السورية لتشجيع الشركات العائلية على التحول إلى مساهمة أو محدودة المسئولية ومن ضمنها آليات واضحة لتقييم الأصول وغيرها من الإجراءات.
يشير سليمان أيضاً إلى المبادرات الحكومية المتعددة لتثقيف المجتمع المحلي عن أهمية التنظيم المالي للشركات والأعمال، مع إقراره بأن هذه السياسة التوعوية بحاجة إلى المزيد من الوقت ليتم تطبيقها على أرض الواقع ولن يتم ذلك بشكل فوري، فالأمر عبارة عن «ثقافة» على حد تعبيره، وهو نتيجة العادات السائدة سابقاً القائمة على التخوف من الضرائب وعدم إظهار القوائم المالية الكاملة والصحيحة وغيرها، ويضيف :»من الضروري بمكان تغيير الثقافة السائدة لدى القطاع الخاص في سورية، وهي عملية انتقالية بحاجة إلى المزيد من الوقت والجهد، إذ لا نستطيع تغيير الطريقة التقليدية التي يتبعها رجال الأعمال والتجار المحليون منذ عشرات السنين ويُفرض عليهم التطوير والتحديث والشفافية والضرائب وغيرها فوراً».
تجنب الربا
تتميز شريحة كبيرة من المجتمع السوري بطابع المحافظة والتدين، وينعكس ذلك اقتصادياً في الإحجام عن الإيداعات البنكية لتجنب الوقوع في الربا بحسب سليمان، الذي يلفت إلى أن هذا الاتجاه قد دفع المواطن السوري بشكل عام نحو الاستثمار في القطاع العقاري، لكن ذلك أدى برأيه إلى تجميد السيولة في العقارات،عوضاً عن ضخها في مشاريع أو قنوات استثمارية بديلة، بالرغم من محدودية الفرص الأخرى في السوق السورية خلال العقود الماضية. ويرجع سليمان تركيز المجتمع السوري على العقار إلى النظرة السائدة بأنه قطاع آمن يوفر مردوداً بالإضافة إلى سهولة الاستثمار فيه.
استقطاب إقليمي
من خلال زياراته الدورية إلى دول المنطقة، يلمس مجد سليمان وجود رغبة عارمة لدى البنوك الخليجية لدخول السوق السورية والاستفادة من الفرص التي توفرها، وخاصة في قطاع المصارف الإسلامية التي تحظى بإقبال كبير من قبل السوريين. لكن وبالرغم من النمو السريع في القطاع المصرفي السوري، إلا أن سليمان يدعو إلى ضرورة طرح المزيد من الفرص الاستثمارية محلياً لكي تساهم فيها المصارف وتستثمر فيها.
ومن جانب آخر، تشكل السوق الاستهلاكية السورية فرصة نوعية، فهي ما تزال سوقاً جديدة قيد الانفتاح والتطور تضم ما يناهز 20 مليون مستهلك، ولم تصل بعد إلى مرحلة الإشباع في مختلف القطاعات، بالإضافة طبعاً إلى جهود الحكومة السورية التي تعمل على تطوير الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسيته وفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي باختلاف أنواعه إلى جانب تحسن دخل المواطن السوري وبالتالي ارتفاع القوم الشرائية التي جاءت مع نمو القطاع الخاص في سورية خلال السنوات القليلة الماضي بحسب سليمان، الذي يشير إلى تطور السلوك والعادات الشرائية لدى المستهلك السوري الذي يعيش حالياً ما يمكن تسميته بالمرحلة التعليمية في ظل انفتاح السوق السورية على المنتجات العالمية التي تساهم في انتشار الموضة والاتجاهات العصرية في مجال الأزياء والمنتجات الاستهلاكية مما يدفع المستهلك السوري إلى مواكبتها أولاً بأول، مع بدأ ظهور مجمعات التسوق المتكاملة في المدن السورية، ويضيف :» بات المستهلك السوري يدرك ويميز مختلف المنتجات والخدمات من حيث النوعية والجودة في ضوء الانفتاح الذي تعيشه البلاد على العالم الخارجي، بعد أن كان الاقتصاد المحلي منغلقاً على ذاته، مما أدى إلى محدودية الخيارات أمام المستهلك وعدم إمكانية المقارنة بين المنتجات». وقد تغير الوضع أيضاً بالنسبة للمصنعين السوريين، بعد دخولهم في مواجهة مع منافسين عالميين مما دفع بهم إلى تطوير منتجاتهم ورفع تنافسيتها ولو تدريجيأً.
سوق استهلاكية
بالرغم من الشهر التي تتمتع بها الكثير من المنتجات السورية على الصعيد الإقليمي، إلا أن انتشارها الخارجي ما يزال على نطاق ضيق نوعاً ما. ويعزو سليمان ذلك إلى تردد رجل الأعمال السوري في دخول الأسواق الخارجية مفضلاً بذلك التركيز على السوق المحلية والمحافظة على حصته السوقية فيها.
ولدى سؤاله عن تطلعاته لمستقبل سورية خلال الفترة القادمة، يبدي مجد سليمان تفاؤله المبني على المعطيات السابق ذكرها، بالإضافة الجانب الأهم في رأيه ألا وهو قطاع التعليم، الذي يشهد بالفعل خطوات باتجاه رفع مستواه لدعم مخرجات التعليم في سوق العمل السورية، وعلى صعيد آخر، يرى سليمان ضرورة تعزيز الأطر التشريعية والرقابية الناظمة لقطاع المال والأعمال في سورية بوتيرة أسرع لما لذلك من دور حيوي وهام في بث الثقة والأمان لدى المستثمرين المحليين منهم والأجانب.
المجموعة المتحدة
لا يندرج حديث سليمان في إطار التنظير وإعطاء الآراء حول ضرورة تطوير أداء القطاع الخاص، فهو يطبق ما يدعو إليه على أرض الواقع من خلال قيادته لإحدى أبرز الشركات السورية الخاصة، والتي باتت نموذجاً ناجحاً حتى على الصعيد الإقليمي والعالمي، فبعد تحولها إلى شركة مساهمة عامة، كانت المجموعة المتحدة للنشر والإعلان والتسويق أو «UG» من أوائل الشركات التي تم إدراجها في سوق دمشق للأوراق المالية، وتحظى أسهمها بنصيب وافر من الحركة اليومية في السوق التي ما تزال تشهد أحجام تداول بسيطة مقارنة مع نظيراتها الإقليمية، لكن سليمان يرجع ذلك إلى قلة عدد الشركات المدرجة فيها بالإضافة إلى غياب ثقافة الاستثمار والتعامل في الأسواق المالية لدى المجتمع السوري في ظل حداثة عمر سوق الأسهم السورية التي ما تزال بحاجة إلى المزيد من الوقت لكي تنضج وتتطور.
ينظر مجد سليمان إلى المجموعة التي أسسها مع شريكه بشار كيوان كمساهم رئيسي في تطوير قطاع الإعلان في سورية، ويقول :»كنا من أوائل الشركات السورية العاملة في سوق الإعلان وقد واكبنا جميع مراحله وساهمنا بفعالية في تطويره ونضوجه خلال السنوات الماضي».
إذ تنشط المجموعة المتحدة للنشر والإعلان والتسويق كما يدل اسمها في قطاع الإعلان والنشر بشكل رئيسي، وتشكل جريدة «الوسيط» الإعلانية العامود الفقري للمجموعة، وهي المبادرة الأولى من نوعها في العالم العربي التي تعتمد على نشر الإعلانات المبوبة بشكل مستقل وتوزيعها بشكل واسع في كل سوق تتواجد فيها، فهي تصدر في كل من مصر، السودان، الإمارات، السعودية سلطنة عمان، البحرين، قطر، لبنان، سورية، وحتى بولندا ونيجيريا، ويعمل سليمان على توسيع انتشار الوسيط بشكل سنوي باستثناء العام الماضي، حيث تم لجم وتيرة التوسع في ضوء الظروف الاقتصادية التي مر بها الاقتصاد العالمي والإقليمي.
بالإضافة إلى الوسيط، تنشر المجموعة عدداً من المجلات متنوعة الاهتمامات على غرار مجلة «ليالينا» و»ماري كلير» و»توب غير» و»واتس أون» إلى جانب مجلة «فورتشن» التي فازت المجموعة برخصة إصدارها العربية مؤخراً، وسيتم إطلاقها قريباً في كل من الإمارات والسعودية بشكل مبدئي، وتصدر المجموعة أيضاً صحيفة «بلدنا» اليومية وصحيفة «الوسيلة» الإعلانية الأسبوعية، بالإضافة إلى شركة «كونكورد ميديا» المتخصصة في الإعلانات الطرقية، وتتولى المجموعة أيضاً دور الممثل الإعلاني لقناة الجزيرة القطرية.
تنوع في النشاط
يشكل التنويع الذي تتميز به نشاطات المجموعة المتحدة «UG» عاملاً هاماً في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها، حيث تباين تأثر كل قطاع على حدا، وكانت المجلات من أبرزها، ومن جانب آخر، يشير سليمان إلى أن أداء صحيفة «بلدنا» اليومية والتي تصدرها المجموعة قد تحسن من حيث الدخل وعدد القراء، ويضيف : «عوائد الجرائد الإعلانية في سورية قد تحسنت بنسبة تتراوح بين 20 – 25 %، بينما تراجعت المجلات بنسبة 30 %، حيث تعتمد الأخيرة على إعلانات المنتجات الفاخرة، من عطور وساعات ومجوهرات، أما الصحف ومن ضمنها الجرائد الإعلانية فتعتمد على صغار المعلنين في السوق المحلية التي تشهد نمواً مستمراً وتزداد القوة الشرائية بعد أن بدأت سورية بالتحول إلى نظام السوق الاستهلاكي». ويكشف سليمان عن التوجه نحو تأسيس مشروع جديد قائم على التجارة الالكترونية خلال الفترة القادمة أو ما يعرف بالـ E-commerce، وذلك بالاعتماد على الانتشار الواسع لمجموعة الوسيط الذي يمتد عبر خمسين مدينة، مما يوفر قاعدة البيانات المطلوب توافرها في قطاع التجارة الالكترونية، وعن المنافسة التي شهدها عالم الإعلام والإعلان بين المطبوع والالكتروني، لا يرى سليمان أن ذلك يشكل تهديداً بعد، حيث ما يزال حجم الإنفاق الإعلاني على الانترنت محدوداً مقارنة مع الإنفاق على الإعلانات التلفزيونية والطرقية وفي المطبوعات من مجلات وصحف ويلخص الوضع الحالي قائلاً : ما يزال هناك مساحة لمختلف الوسائط الإعلامية والإعلانية»، كما يكشف سليمان عن خطط لتوقيع اتفاقيات تعاون مع عدد من المحطات التلفزيونية، بالإضافة إلى زيادة توسيع قطاع النشر سواء في الدول أو من حيث المطبوعات الجديدة والحالية، على أن يتم ضم جميع النشاطات خارج سورية تحت مظلة مجموعة الوسيط الدولية AWI، أما العمليات في السوق السورية فستبقى تحت اسم المجموعة المتحدة «UG».
ينظر مجد سليمان بإعجاب إلى دبي وانجازاتها، ويرى أن تأثرها فيما يحصل حالياً بتبعات الأزمة العالمية هو أمر طبيعي على غرار ما حصل في جميع دول العالم الأخرى، ويقول:»تراجع قطاع العقارات في دبي بات حقيقة واقعة، نتيجة المضاربات التي دفعت بالعقار إلى تسجيل نمو بوتيرة غير اعتيادية، بالإضافة إلى رفع الأسعار إلى مستويات قياسية، لكن القطاع العقاري عاد إلى وضعه الطبيعي الآن، لكنني لم ألمس تأثراً سلبياً في القطاعات الأخرى».