فيما تتضارب الآراء بين المحللين حاليا حول أكبر اقتصاد عالمي سواء كان هو في الصين أو في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنه هناك شبه إجماع بأن الصين ستحسم بأرقام واضحة صدارتها هذا العام بالنظر إلى مقاييس أوضح وأبعد من الناتج القومي وتعادل القوة الشرائية، ومن المفيد معرفة عوامل أساسية في التفوق الاقتصادي الصيني وأبرزها مفهوم”السيادة الشاملة” بالاكتفاء الذاتي في كل شيء بعد معاناتها الطويلة مما أسمته عصر الإذلال الذي شهد دمار حروب الاحتلال الغربي لها من اليابانيين والأمريكيين وحتى الأوروبيين.
السيادة الشاملة
بعد نهب الدول الغربية للصين وإحراق القصر الامبراطوري وانتهاء الحرب العالمية الثانية وحرب الصين مع المحتلين الغربيين واليابان فيما أطلق عليه قرن الاذلال، بدأت الصين بجهودها التي تتوجت أخيرا بتحقيق السيادة الشاملة، والتي ترتب عليها تحقيق السيادة الاقتصادية والسيادة التقنية، أي اكتفاء ذاتي في الغذاء والزراعة والصناعة واعتماد تطبيقات صينية وأجهزة مصنعة في الصين وحتى بيدو – BeiDou وهو نظام ملاحة عبر الأقمار الصناعية ينافس النظام الأمريكي GPS ويفوقه دقة بمستويات عديدة وجاءت فكرة تطويره بعد حادثة اسمها “المذلة التي لا تنسى” بعد أن أخطأ صاروخ صيني هدفه بسبب تعطيل الولايات المتحدة لنظام تحديد المواقع GPS .
الاستحواذ على سلاسل توريد كل شيء!
تهيمن الصين على مصادر ومراكز تصنيع غالبية المصانع حول العالم مع سيطرة كبيرة على تصنيع الإلكترونيات لدرجة التندر بأن تجهيزات المناورات العسكرية الأمريكية ضد الصين وقربها تستخدم مكونات صينية. ويتجلى ذلك في قدرة الشركات على استباق أي شركة في طرح المنتجات كما هو الحال مع شركة السيارات الصينية بي واي دي التي طرحت عدة أضعاف عدد السيارات الجديدة التي طرحتها تسلا (19 مقابل 4) خلال 6 سنوات.

الدعم الحكومي المالي
لتحقيق التمكين المالي لمواطنيها، قامت الصين بإدارة التمويل من خلال الدعم وتوجيه بنوكها لدعم الشركات الصينية وتمويل مشاريعها بالقطاعات الاستراتيجية، ولم تنطلي حيل الدول الغربية على الصين، فالدول الغربية تفرض وفق السياسات النيوليبرالية فتح الأسواق بزعم حرية التجارة العالمية، لكنها عمليا تفرض اقتصاد السوق المفتوح على باقي الدول فيما تدعم شركاتها الوطنية بل قامت بتأسيسها بدعم حكومي ضخم ونفذت سياسات حماية لصالحها ولا تزال تقوم بذلك على نحو ما حتى الآن. ومع ذلك هناك قرابة 100 ألف شركة أمريكية وغربية لديها قرابة مليون موظف تعمل في الصين وتجني أرباح طائلة.
خطط حكومية ناجحة
نجحت الصين بالتحول من إحدى أفقر الدول إلى أغناها بانتشال 800 مليون صيني من الفقر ورفع مستوى حياتهم لما يفوق حياة الأمريكيين، وها هو متوسط أعمار الصينيين بـ 78 سنة، بما يفوق مثيله الأمريكي وهو 76 سنة. بدأت حملة مكافحة الفقر في عام 2015، وأنفقت الحكومة الصينية أكثر من 80 مليار دولار للقضاء على الفقر. فقد قامت الحكومة بنقل ملايين الأسر من المناطق الريفية النائية إلى قرى جديدة أكثر ملاءمة للتنمية الاقتصادية؛ وإنشاء طرق ومنازل جديدة ومشاريع البنية التحتية الأخرى؛ وقدمت الأموال مباشرة لبعض الفئات لمساعدتهم، كما أرسلت أكثر من 775 ألف موظف وموظفة لإجراء مسح لجميع الأسر الريفية لتحديد الأسر التي تعيش في فقر. ثم قامت الحكومة بدمج كل أسرة فقيرة مع كادر لمراقبة عملية القضاء على الفقر. كما شارك العديد من المواطنين العاديين في الحملة من خلال التبرع بالمال والسلع للأسر الريفية ومساعدة المزارعين على بيع منتجاتهم. حتى أن الحملة أعادت إحياء بعض الأساليب الماوية القديمة، مثل إرسال العاملين الطبيين إلى المناطق الريفية لإجراء الفحوصات والعلاج.
رفاه صيني مقابل رفاه غربي
فيما تحقق الصين إنجازات غير مسبوقة على كافة المستويات بالاعتماد الذاتي وخطط حكومية، حصل التقدم الأوروبي والغربي من الثورة الصناعية التي راكمت ثروات هائلة من احتلال ونهب الدول ومواردها بما فيها الصين فيما يقدر خبراء الاقتصاد في الهند بأن بريطانيا نهبت عشرات التريليونات من الهند التي كانت في صدارة اقتصادات العالم فأصبحت من أفقرها بعد الاستقلال.
يبدو أن أمام معظم الشركات الغربية، من شركات الطاقة والألواح الشمسية والإلكترونيات وحتى شركات السيارات خيارات قليلة وهي إما التعاون والمشاركة مع الشركات الصينية، أو محاولة منافستها وهو أمر صعب جدا أو كما تقوم به بعض الشركات الأمريكية الكبرى بالطلب من واشنطن فرض المزيد من القيود على الواردات الصينية أو زيادة التعرفة وهي بمثابة ضريبة على المستهلك الأمريكي، لكن الأهم هو ما ستقوم به أقوى دولة عسكريا، أي الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة أقوى دولة اقتصاديا وتبدو بعض الخيارات المألوفة مخيفة!
