بقلم نغم التميمي – بغداد – أريبيان بزنس
بطرق شتى تتقدمها مكافحة الفساد يسعى العراق المنهك اقتصادياً لحفظ مقدراته الاقتصادية، وهو أمر بادر بإعلانه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ليشمل مختلف القطاعات ومن بينها وقف نزيف النفط المنهوب في عمليات تهريب النفط الخام ومشتقاته.
وفي خضم الثورة التكنولوجية والتقنية في العالم كان لا بد من اللجوء إلى حلول مبتكرة، وطرح تلك الحلول والعمل عليها حفاظاً على ثروة البلاد الاقتصادية.
منع جريمتين
ويسعى العراق عبر استخدام الوسائل التقنية الحديثة والتكنولوجيا لمنع جريمتين هما الأبرز في ملف تهريب النفط العراقي:
- الأولى هي استخدام المركبات الحوضية (التانكات أو حاويات النفط) في عمليات التهريب.
- والثانية هي عمليات التخريب التي تتعرض لها أنابيب نقل النفط الخام بغرض التهريب وهي بدورها عملية تسبب أضراراً بيئية ضخمة بجانب أضرارها الاقتصادية.
وإذا كان تشريع قانون تهريب المنتجات النفطية رقم 41 الذي أصدره البرلمان العراقي عام 2008 لم يكن رادعاً لعصابات تهريب النفط المنتشرة في العراق، والتي باتت تعد ضمن الجرائم المنظمة، بات اللجوء لحلول مبتكرة جنباً إلى جنب مع الرقابة والمتابعة الأمنية أمراً حتمياً.
واتسعت عمليات التهريب لتتجاوز تهريب النفط الخام إلى تهريب المشتقات البترولية، ومنها البنزين، والسولار التي تستعمل غالبا كوقود للسيارات والمولدات والمكائن، مما يمثل عبئاً اقتصادياً على المواطن العراقي.
“جي بي إس” وتعقب المهربين
تقنية الـ “جي بي اس” للتعقب ليست جديدة ولكنها قد تكون فعالة برأي الخبير القانوني والمفتش العام السابق في وزارة الداخلية العراقية جمال الأسدي، في:
- تعقب صهاريج تهريب النفط الخام.
- · القضاء على 90 % من حالات التهريب.
ويرى الأسدي أن الحل الأهم لمنع عمليات تهريب النفط في العراق هو تفعيل جهاز التعقب عالي التقنية بخدمتي ” “GPSو”GPRS” لتحديد موقع المركبة الحوضية (الصهاريج) التي تقوم بتهريب المنتجات النفطية عن طريق تحديد موقع المركبة على “جوجل ايرث” (خريطة العراق) بشكل مباشر.
وأوضح أن هذا الجهاز سيؤمن:
- متابعة حركة المركبة بشكل مباشر.
- توفير المعلومات حول حساب عدد الاميال التي قطعتها المركبة.
- حالة السيارة الحوضية (متوقفة / متحركة)، وحالة المحرك (يعمل / لايعمل)،والسرعة التي تتحرك بها.
ويرسل جهاز التعقب التقارير الفورية والدقيقة لمركز السيطرة، وكذلك يمكن تحديد منطقة عمل السيارة الحوضية على سبيل المثال في العاصمة بغداد أو في المحافظات الوسطى، وفي حالة خروج المركبة عن مسارها يتم إرسال تقرير أو تنبيه بأنها خرجت عن النطاق المسموح به ، يضيف الخبير العراقي.
وعن نجاح تلك الطريقة في القضاء على التهريب في ظل وجود عدد كبير من الصهاريج والمركبات في العراق، قال الأسدي إن كل عمليات التهريب تتم بسيارات حوضية، ولا توجد في العراق سيارات حوضية بعشرات الآلاف وإنما بأعداد محدودة ويمكن حصرها والسيطرة عليها.
100 دولار فقط
رقمياً يكشف الأسدي أن عدد السيارات الحوضية في العراق وبكل وزاراته وقطاعه المختلط والعام والخاص هي :
• عدد السيارات الحوضية بحمولة الطن ( 1403 سيارات )
• عدد السيارات الحوضية بحمولة اللتر ( 4017 سيارة)
ويكمل الأسدي فكرته مشيراً إلى أنه عبر حصر هذه السيارات الحوضية بمنظومة سيطرة ستتضح بالضبط حركتها وكيفية تنقلها وأماكن تحميلها وتوقفها في أماكن تحميل غير مرخصة عبر ارسال إشارات لمراكز السيطرة، وبذلك لن يكون الغطاء الرسمي أو الأمني مفيداً لأصحاب هذه السيارات الذين اعتادوا التهريب منذ سنوات.
واللافت في استخدام التقنية لتعقب صهاريج التهريب وضبطها أن جهاز التعقب الذي أشار إليه الأسدي لن يكلف أكثر من 50 الى 100 دولار للسيارة الواحدة، ولكنه سيعيد للعراق مئات من ملايين الدولارات جراء التهريب المستمر .
ويعتبر العراق أي صهريج يحمل وقود النفط الخام مهرباً، باستثناء صهاريج شركتي النقل البري وتوزيع المنتجات النفطية، كما أن التعاقدات الأخيرة بحصر تسويق النفط الأسود بشركة “سومو” وعمليات النقل بشركات وزارة النقل والنفط ، تحد من عمليات التهريب.
وتعتبر خسائر العراق جراء عمليات التهريب ضخمة وتنهك اقتصاده، وتعد جريمة تهريب المشتقات النفطية أكبر جريمة منظمة لسرقة النفط الخام، حيث تقدر الكميات المهربة لها بـ 100 مليون لتر شهرياً ما يعادل 750 مليون دولار شهريا، وهو رقم وصفه المتابعون للشأن الاقتصادي بـ”المرعب”.
“الإسكادا ” وتعقب مخربي الأنابيب
ويتمثل الجانب الثاني في أزمة تهريب النفط وإهدار جانب من مقدرات العراق الاقتصادية، في عمليات التجاوز والتخريب التي تتعرض لها أنابيب نقل النفط التي تنفذها العصابات، ويزيد الأمر تعقيداً صعوبة كشف هذه الحالات في شبكة الأنابيب الممتدة على مسافات شاسعة إذا لم تستخدم تقنيات حديثة.
ويدعو المهندس التقني العراقي محمد علي إلى ضرورة اعتماد الجهات المعنية على تقنية “الإسكادا”، عبر نصب منظومة لكشف عمليات النضح غير الشرعية، والتجاوزات على الأنابيب الناقلة للمنتجات النفطية.
والحل لا يبتعد كثيراً عن تقنية التعقب المستخدمة في تعقب صهاريج التهريب أو نظام “الجي بي أس”، الذي يُمكّن الجهات المعنية، من:
- مراقبة ومتابعة حركة الصهاريج في أنحاء البلاد.
- الكشف عن التجاوزات والخروقات التي قد تحدث هنا وهناك.
منظومة “الإسكادا” هي التقنية التي يراها المهندس محمد علي الأنسب:
- لكشف التجاوز على أنابيب النفط الخام، بهدف السرقة وغير ذلك،
- لمساعدة الجهات الفنية والهندسية على التحرك بصورة سريعة لمعالجة الحالات الطارئة والسيطرة عليها.
و”الإسكادا” هو نظام لجمع ومراقبة البيانات والتحكم بها، اختصارا لـ (Supervisory control and data acquisition) ويتألف من مجموعة عناصر من برمجيات وأجهزة، والتي بدورها تسمح للمؤسسات والمنظمات التجارية والصناعية للقيام بعدة مهام.
المهمة الرئيسية
والمهمة الرئيسة لهذه التقنية التي تعمل عبر الحاسوب هي:
- التحكم والسيطرة على العمليات الإنتاجية والصناعية محلياً، أو دولياً.
- المراقبة وجمع البيانات، ومعالجتها والتعامل المباشر مع الأجهزة والحساسات، والمستشعرات، والمضخات، والصمامات، عن طريق برامج أنظمة تشغيل.
محاربة الفساد ضربة البداية
لا شك أن استخدام التقنية الحديثة في عمليات التعقب والمراقبة لوقف عمليات تهريب النفط في العراق يضع حل الازمة في المسار الصحيح، ولكن ضربة البداية حتما تكون بقرار سيادي مؤسسي يتعلق بمحاربة الفساد بشقين: اقتصادي وأمني يمثل ضربة البداية امام نجاح باقي وسائل الحماية الاقتصادية والمجتمعية.
وبنظرة متفائلة للحكومة الجديدة التي يقودها محمد شياع السوداني يشير الخبير الاقتصادي العراقي فيصل ريكان إلى جدية الحكومة في مكافحة الفساد بشتى أسمائه ، لاسيما مسألة تهريب المشتقات النفطية و تأثيره السلبي على الاقتصاد العراقي، وإضعافه لقيمة العملة العراقية طيلة الفترات الماضية .
وتأكيدا لما ذهب إليه الخبير الاقتصادي غرد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على “تويتر” عن توجيهه بتعقب شبكات تهريب النفط وتنفيذ أوامر القبض بحق من وصفهم بالعصابات الذين تجرأوا وتغولوا لسرقة حق العراقيين.
وأكد السوداني أنه لن يدخر جهداً في متابعة ومعاقبة الفاسدين ليل نهار .
وكشف ريكان أن حجم تهريب الوقود في العراق يبلغ 7 ملايين لتر شهريا، خصوصا وأن بعض المحطات الأهلية تفتقد إلى عدادات مصححة حرارية، تستخدم لقياس حجم مخرجات من المحطات وكذلك عمليات التسريب والنضح غير الشرعي.
المواجهة اقتصاديا
عملياً يملك العراق أدوات مؤسسية لمكافحة الفساد، لعل أبرزها هيئة النزاهة العراقية.
ويكشف علي بويول ممثل المركز الاعلامي في الهيئة أن المؤسسة رصدت وخلال الأشهر القليلة الماضية: - · 140 مشروعاً متلكئاً في المحافظات العراقية المختلفة، والتي تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من 4 مليارات دينار عراقي الأمر الذي جعلها أمام حراك مكثف ومكوكي، حيث فتحت بحق هذه المشاريع 76 قضية جزائية بعضها ما زال قيد التحقيق.
- لا يزال هناك 30 مشروعاً قيد المتابعة والتحري والتدقيق بعد ورود أخبار إلى الهيئة بخصوص حالات فساد تشوبها، يضيف بويول.
- فتح 56 ملفا لتسليم مُدانين وهاربين متهمين بالفساد، إضافة إلى استردادها ملايين الدولارات من خارج العراق خلال الأشهر القليلة الماضية والتي توزعت على النحو التالي:
• 2,329,521 جنيه استرليني
• 23,582,725 يورو
• 954,178,193,311 دينار عراقي
• 721,002 دينار أردني
• 3651 فرنكاً سويسرياً.
وضمن المواجهة مع الفساد التي تباشرها هيئة النزاهة قال بويول إن مئات العقارات والسيارات تم وضع اليد عليها لمتهمين بملفات فساد مختلفة بعضهم بدرجة وزير والبعض الآخر بدرجات خاصة.
وأشار إلى أن أكثر من 8877 بلاغاً عن ملفات فساد وصل الى هيئة النزاهة خلال الفترة القليلة الماضية، ونسبة الإنجاز والتحقق فيها وصلت الى 100%.
الأزمة والمواجهة الأمنية
ويسعى العراق لمواجهة العصابات المنظمة وشبكات تهريب النفط ومشتقاته، ومؤخرا نجح جهاز الأمن الوطني العراقي والجهات الأمنية الساندة في تفكيك شبكة كبيرة لتهريب المنتجات النفطية في المحافظات الجنوبية.
اللافت أن شبكة التهريب المضبوطة كان يقودها أكثر من تسعة ضباط تابعين لشرطة الطاقة يتاجرون بالمنتجات النفطية بطريقة غير قانونية مما أسهم في انخفاض مؤشرات الاستهلاك اليومية.
وتعقيباً على تلك العملية يؤكد الدكتور جمال الأسدي الخبير القانوني والمفتش العام السابق في وزارة الداخلية العراقية أن سرقة النفط الخام مستمرة من سنين طويلة، وستستمر مستقبلاً إن لم نعالج الأسباب الرئيسة لهذا الموضوع.
واعتبر الأسدي أن العملية الأمنية الأخيرة بمواجهة عصابات التهريب كانت رادعة، لكنه استدرك أن شبكات التهريب ستعود بعد أيام قليلة للتهريب كالسابق، معتبراً أن سرقة النفط أو مشتقاته كان ومازال وسيستمر بالحلول الترقيعية التي تحصل .
أزمة تهريب النفط
وشخص الخبير الأمني العراقي أزمة تهريب النفط ومشتقاته في أمرين أساسيين:
• ثقب الأنابيب الناقلة للنفط أو مشتقاته .
• قطوعات النفط الأسود أو المشتقات النفطية .
وعن علاج الأمر الأول يرى الأسدي أن ثقب الأنابيب موجود منذ سنوات طويلة قد تصل إلى خمسين عاماً، واستفحلت بعد 2003 بسبب ضعف الردع والتجاوزات على الأراضي بدافع السكن، إضافة إلى المسافات الطويلة التي تمتد فيها الأنابيب بأراضي صحراوية ، وهنا يفترض أن تتحمل شرطة الطاقة حماية الأنابيب وهو ما لم تقم به .
أما السبب الأكبر لاستمرار هذا الخلل، بحسب الأسدي، فهو وزارة النفط نفسها لأنها كان يفترض أن تستشعر بأن هناك تسريباً في الأنابيب وبالضبط من أي منطقة بواسطة المستشعرات الموجودة في الأنابيب والتي تدعي الوزارة دقتها .
أما الشق الثاني للأزمة فهو قطوعات النفط الخام أو المشتقات النفطية وهي الأساس المهم الذي يستخدمه المهربون بتحريك السيارات الحوضية إما بتزوير هذه القطوعات (أوراق ثبوتية وتراخيص تحريك النفط والمشتقات) أو أن تكون هذه القطوعات صحيحة لكن تستخدم بالتوأمة والتكرار لنفس الحمولة .
وينتظر العراق التوأمة بين مختلف جوانب الحل سواء اقتصادية أو أمنية مع دمج الوسائل التقنية الحديثة في عمليات المراقبة والسيطرة، ليشعر بانعكاس حقيقي على اقتصاده وحياة المواطنين من وراء وقف عمليات تهريب النفط ومشتقاته.