Posted inأخبار أريبيان بزنسمقالات

نحو مستقبل من النمو المرتكز على الابتكار في دول مجلس التعاون الخليجي

بقلم: فيصل حمادي، مدير مفوض وشريك في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب
نمو

توفر الثورة الرقمية فرصاً استثنائية لتمكين الدول والمدن من الوصول إلى مصادر جديدة للنمو القائم على الابتكار. وفي الإطار ذاته، اكتسبت أعمال البحث والتطوير الناجمة عن انتشار جائحة كوفيد-19، زخماً إضافياً باعتبارها إحدى أهم العناصر المساهمة في تعزيز القدرة على مواجهة التحديات الحقيقية وتحقيق الازدهار على المدى الطويل.   

التحول لتبني نموذج نمو أكثر اعتماداً على الابتكار

استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي تحقيق إنجازات اقتصادية استثنائية خلال العقود القليلة الماضية، إلا أنها ما زالت في طور نامٍ يدفعها لمواجهة مجموعة من التحديات المتنوعة للحفاظ على المستوى المتطور من الأداء، وضمان استمرارية النمو على المدى الطويل. ومما لاشك فيه أن الأزمة المالية العالمية وانتشار جائحة كوفيد-19 تسببا بانخفاض حاد في مستويات نمو الانتاجية، ما أدى إلى تنامي الحاجة لتطوير أنماط جديدة من الإنتاجية وأساليب خلق القيمة على نحو متسارع. وتعتبر القضايا ذات الصلة بالتوترات الجيوسياسية، والأجندات المهتمة بالتغيرات المناخية، والتحولات التي تشهدها التجارة العالمية وتزايد الاعتماد على التقنيات الناشئة، من أهم التحديات التي تواجهها محركات النمو الرئيسية على مستوى المنطقة. ومن الأهمية بمكان أن تتطلع دول مجلس التعاون الخليجي لتبني نماذج نمو أكثر اعتماداً على الابتكار، للحفاظ على أعلى مستويات الأداء الاقتصادي. والجدير بالذكر، أن الاقتصادات الرئيسية في المنطقة تمتلك مستوى عال من الوعي، يدفعها للارتكاز على هذه الرؤية للانطلاق في مسيرتها التنموية عبر وضع خطط جريئة لدفع أجندة الابتكار عبر مجموعة من المجالات، ومنها: وضع أهداف طموحة والالتزام بنهج الاستثمار وتطوير حوكمة مخصصة تركز على الابتكار، بالإضافة إلى تفعيل الخطط التفصيلية عبر القطاعات ذات الأولوية.

وتعد المملكة العربية السعودية مثالاً بارزاً على هذا الواقع، حيث أطلقت في الفترة الأخيرة برنامجاً جديداً في مجال البحث والتطوير والابتكار، لزيادة حجم الناتج الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 60 مليار ريال سعودي (16 مليار دولار أميركي) بحلول العام 2040[1].ومن المتوقع أن توفر هذه المبادرة مجموعة من الوظائف ذات “القيمة العالية” في قطاعات العلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى تعزيز مكانة المملكة كإحدى أكبر اقتصادات العالم العربي في مجالات الصحة والعافية والاستدامة البيئية وتوريد الاحتياجات الأساسية والريادة على مستوى الطاقة والصناعة واقتصادات المستقبل. ومن المتوقع أن يساهم هذا الواقع في الارتقاء بالقدرات التنافسية للمملكة، بالإضافة إلى تعزيز ريادتها على المستوى العالمي وتأكيد مكانتها كأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، بما يتماشى مع توجهات رؤية السعودية 2030.

وعلى صعيد موازٍ، تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة تطوير منظومة العمل الحكومي، عبر وضع خارطة طريق متكاملة، واتباع نهج جديد ومتكامل للحوكمة بهدف توجيه التطلعات للاستثمار على نحو واسع في مجالات البحث والتطوير (>1٪ من الناتج المحلي الإجمالي) بناء على استراتيجيتها الوطنية للابتكار. وتهدف الاستراتيجية إلى تحفيز الابتكار وتمكينه في 7 قطاعات وطنية رئيسية، وهي الطاقة المتجددة والنقل والصحة والتعليم والتكنولوجيا والمياه والفضاء، وذلك عبر تطوير الإطار التنظيمي المثالي، وتوفير خدمات تمكينية شاملة مع تعزيز البنية التحتية للتكنولوجيا وضمان توافر الاستثمارات والحوافز على نحو مستمر[2]. وشهدت دبي في الفترة الأخيرة، تطوير برنامج مستحدث للبحث والتطوير عبر أربع مجموعات ذات أولوية استثنائية وهي الصحة والرفاهية، والتكنولوجيا البيئية، والبنية التحتية الذكية، والفضاء والذكاء البشري-الآلي المعزز، وذلك في إطار أهداف محددة للتحكم في عمليات التمويل والاستثمارات، وزيادة الإنفاق على أعمال البحث والتطوير في دبي، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص على نحو أوسع.

مسار النجاح      
تتضمن الخطط الجريئة والأهداف الطموحة على المستوى الوطني، مجموعة من الفرص والإمكانات المساهمة في تعزيز النمو، ويعتبر الدور الحيوي للقطاع الخاص أساسياً للمساهمة في تحقيق الأهداف المرجوة. ويظهر الواقع الحالي لهيكلية السوق، ضرورة العمل على نحو جدي ومستمر لسد الفجوة على مستوى الابتكار، والناجمة عن غياب التوازن بين الخطط الحكومية ورؤى الجهات الفاعلة في القطاع الخاص من زاوية التنفيذ. وتحتاج الأسواق في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لمنظومة من الشركات الابتكارية الرائدة التي تساهم في دفع جداول الأعمال، على نحو يحاكي الواقع الطموح الذي تشهده أسواق الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.

وعلى الحكومات اتخاذ تدابير وإجراءات حاسمة لضمان نجاح منظومة الابتكار على نحو متكامل، ومن ضمنها:

  • اتباع نهج المنظومة المتكاملة لاستخدام البحوث الأساسية والتطبيقية خلال مرحلة التطوير والنشر، على نحو يشمل كافة المؤسسات والجهات المعنية (الأوساط الأكاديمية والمختبرات الوطنية  والشركات الناشئة  ورأس المال الاستثماري والأسهم الخاصة والشركات الفاعلة، وغيرهم من أصحاب المصلحة).
  • الاطلاع على احتمالات المخاطر وإثبات القدرة على مواجهة التحديات الناجمة عن حالات عدم اليقين (تحمل المخاطر المحسوبة، والتعلم من ” حالات الفشل السريع”).
  • إيجاد الحلول بطريقة مرنة عبر مجموعة من الرؤى الثاقبة، من خلال تعديل مساعي الابتكار بفاعلية لمواكبة التحولات الرئيسية لاحتياجات المستهلكين والتغيرات الناجمة عن التطورات التكنولوجية المتسارعة.
  • التركيز بشكل أوسع على مجالات التكنولوجيا العميقة باعتبارها العامل المحرك للمشهد التكنولوجي، تزامناً مع تنامي أهمية بيانات الذكاء الاصطناعي التي ستساهم، باعتماد أدوات السياسات المخصصة، في تمكين التجارب المبتكرة وإطلاقها عبر القطاعات المختلفة، وتحويلها لبنى تحتية أساسية يمكن الارتكاز عليها لاستشراف المستقبل.
  • تضمين العمل المناخي والتنمية المستدامة (C&S) في الأولويات العليا للأجندة الوطنية على نحو متكامل، وتنفيذ الاستراتيجيات ذات الصلة على أرض الواقع. وتكتسب هذه المواضيع أهمية استثنائية، باعتبارها إحدى الأولويات الثلاث للرؤساء التنفيذيين في أكثر من 50% من الشركات (وفقاً لتقرير بوسطن كونسلتينج جروب: الشركات الأكثر ابتكاراً لعام 2022)، ما يؤكد فعالية الإجراءات والاستثمارات المساهمة في تحسين هذا المجال.

وبناءً على ما تقدم، يستمر الابتكار في المحافظة على مكانته كمحرك رئيسي للنمو الاجتماعي والاقتصادي، حيث يساهم المبتكرون في خلق مستويات أعلى من القيمة (على سبيل المثال، يتفاوت إجمالي عائد المساهمين بين رواد السوق ورواد الابتكار بنسبة 3.8% سنوياً). كما أكدت القدرة على مواجهة التحديات المحلية والعالمية، وتعزيز القدرات السيادية أهميتها لتحسين المرونة خلال  فترات التراجع في مستويات النمو. وتحتاج الدول إلى تكييف أدوات السياسات بسرعة والعمل على إحداث تحول ثقافي حقيقي على المستوى الوطني لتعزيز تنافسيتها خلال العقد المقبل، في ظل الإطار الزمني الطويل لتحقيق الأهداف، وارتفاع احتمالية الفشل، والحاجة لتنفيذ الرؤى والتطلعات في إطار من المرونة الاستثنائية.

للاطلاع على  أحدث الأخبار  و أخبار  الشركات من السعودية والإمارات ودول الخليج تابعنا عبر تويتر  و  لينكد إن وسجل اعجابك على فيسبوك واشترك بقناتنا على يوتيوب  والتي يتم تحديثها يوميا