يترقب الكثير الحوار الخاص لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عبر قناة “فوكس نيوز”، اليوم الأربعاء، وهو الأول الذي يجريه مع شبكة إخبارية أمريكية منذ 2019.
وتهتم النخب السياسية، والمستثمرين في المنطقة، بمتابعة مقابلات ولى العهد السعودي مع شبكات الأخبار العالمية، لما تحمله عادة من مفاجآت وقرارات، مثل الإصلاحات التي شهدتها المملكة خلال الست سنوات الماضية، فضلا عن دورها المؤثر سياسيا واقتصاديا في العالم، لمكانتها الإسلامية، وثروتها الاقتصادية، وتأثيرها في أسعار النفط، وإمداداته العالمية.
ويغطي الحوار الذي يجريه الإعلامي الأمريكي بريت باير، كبير المذيعين السياسيين بشبكة “فوكس نيوز”، عدداً من المواضيع حول مستقبل المملكة، والعلاقات مع الولايات المتحدة، وسبقه على مدار يومين تقارير خاصة من السعودية، تتضمن مقابلات مع مسؤولين، ونظرة لما وراء كواليس صنع القرار في البلد الخليجي.
كما يتابع المهتمون بالمنطقة، المقابلات الصحفية الخاصة التي يجريها ولي العهد السعودي، باعتبارها مؤشرات لسياسات المملكة المستقبلية، حيث عادة ما تشهد إعلانات عن إصلاحات اقتصادية أو جيوسياسة أو مشروعات عملاقة، أو توضيحات بشأن موقف المملكة العربية السعودية السياسي في قضية ما، أو مستقبل علاقة المملكة بدولة ما.
ويرى المراقبون، أن ولي العهد السعودي، يستغل هذه المقابلات الصحفية الخاصة، على فترات متقاربة، وهو أمر غير معتاد في تاريخ السياسة السعودية، في تهيئة المجتمع السعودي، لما سوف يجريه من إصلاحات، أو ما سوف ينفذه من مشروعات كبرى.
باير مذيع فوكس نيوز، اشتهر بمحاورة قادة وزعماء العالم طوال فترة عمله التي استمرت 27 عامًا، من بينهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والرئيس الأسبق باراك أوباما، والرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والدالاي لاما، وآخرون.
لماذا يجب أن ينصت العالم لتصريحات محمد بن سلمان؟
في 21 يونيو/حزيران 2017، أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز أمرا ملكيا يقضي باختيار محمد بن سلمان وليا للعهد وتعيينه نائبا لرئيس مجلس الوزراء مع استمراره وزيرًا للدفاع.
ومنذ ذلك الحين، حرص ولي العهد السعودي، خلال مقابلاته الصحفية الخاصة على الإعلان عن عدد من الموضوعات المهمة، والتطورات التى تمت في تلك الموضوعات، مثل “رؤية 2030″، وصندوق الاستثمارات السعودي، وتطوير استثمارات، وإدارة عملاق النفط السعودي “أرامكو”، ومكافحة الفساد.
التقرير التالي يلقي الضوء على بعض التصريحات المهمة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، التي تحولت إلى قرارات ومشاريع على أرض الواقع.
رؤية المملكة 2030
كشف الأمير محمد بن سلمان في حوار مطوّل أجراه في 16 أبريل/نيسان 2016، مع مجلة “بلومبرغ” الاقتصادية عن موعد إطلاق رؤية المملكة العربية السعودية، وما تتضمنه من برامج، ومن ضمنها برنامج التحول الوطني.
وبعدها بأيام في 25 أبريل/نيسان 2016 أطلق الأمير محمد بن سلمان “رؤية المملكة 2030″، وهي خطة اقتصادية اجتماعية ثقافية شاملة، تؤسس لدخول المملكة إلى عصر ما بعد النفط.
وتتزامن الرؤية مع التاريخ المحدد لإعلان الانتهاء من تسليم ثمانين مشروعًا حكوميا عملاقا، يكلف أقل واحد منهم ما يعادل أربعة مليارات ريال، بينما بعض المشاريع تفوق كلفتها المائة مليار ريال سعودي، كما في مشروع مترو الرياض.
ويهدف الأمير محمد بن سلمان، من خلال هذه الخطة، والبرامج المتصلة بها، إلى زيادة الإيرادات غير النفطية السعودية 6 أضعاف من نحو 43.5 مليار دولار سنويًا إلى 267 مليار دولار سنويًا، إضافة إلى زيادة حصة الصادرات غير النفطية السعودية من 16% من الناتج المحلي السعودي في عام 2016 إلى 50% من الناتج المحلي السعودي في عام 2030.
ثم عاد ولي العهد السعودي، في مقابلة مع مجلة “التايم” الأمريكية في 6 أبريل/نيسان 2018، وشرح طريقة وضع “رؤية 2030″، فكشف عن مكامن القوة غير المستغلة في الاقتصاد السعودي إلى الآن، وذلك بعد أن نفى اعتزام السعودية إنشاء “وادي سيليكون”، على غرار الموجود في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية.
وأفاد ولي العهد في حواره مع “التايم”، بأن مكامن القوة هي تكرير النفط والمعادن والغاز والنقل والمواد والحركة، مؤكداً تمحور “رؤية 2030” حول الاستفادة منها في تحقيق نهضة كبيرة في المملكة.
وأضاف:” نحن نرسم اقتصادنا بناءً على مكامن القوة لدينا: تكرير النفط، والمواد، والحركة، والنقل، والمعادن، والغاز. فلدينا عديد من اكتشافات الغاز في البحر الأحمر، ولدينا محتوى محلي وميزان مدفوعات. وننفق 230 مليار دولار سنوياً خارج السعودية، وإن لم نفعل شيئاً؛ فإن هذا الرقم سيرتفع في عام 2030 ليصل إلى ما بين 300 و400 مليار دولار ستصرف خارج السعودية”.
كما أوضح في مقابلة صحفية مع مجلة “ذا أتلانتيك” في 3 مارس/آذار 2022، عن مستهدفات “رؤية 2030″ من قطاع السياحة، قائلا:” نحاول إقناع المواهب بالمجيء إلى هنا، ونحاول إبقاء الموهبة السعودية في السعودية نفسها، وإبقاء المستثمرين السعوديين في السعودية، وإقناع المستثمرين الأجانب، ونحاول الوصول إلى هدف مئة مليون سائح بحلول 2030، حيث ارتفع العدد من حوالي ستة ملايين في عام 2016 إلى 17.5 مليون سائح في 2019″.
وأضاف:” يجب علينا أن نوفر لهم جميع البُنى التحتية كالمشاريع والفنادق والمتنزهات وغير ذلك، والبرامج والفعاليات المتنوعة، بغض النظر عن كونها في الرياضة، أو الثقافة، أو الموسيقى، أو أيًّا كانت، فعلى المرء أن يجلب أفضل ما هو موجود ليتأكد من أن يصل إلى هذا الهدف السياحي، والهدف الرياضي، والهدف الثقافي، إذ يجب أن نعمل على هذه الأهداف جميعًا، لتحقيق ما يعادل 10% إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية في 2030″.
صندوق الاستثمارات العامة
كان أول حديث للأمير محمد بن سلمان، عن صندوق الاستثمارات العامة، وتعظيم أصوله واستثماراته ومضاعفة رأس ماله أكثر من 377 مرة، وكذلك تعظيم دوره في مضاعفة الإيرادات غير النفطية للحكومة، في حوار مطوّل له أجري في 16 أبريل/نيسان 2016، مع مجلة “بلومبرغ” الاقتصادية.
فقد كشف الأمير محمد بن سلمان، عن أن السعودية ستمتلك قريباً أكبر صندوق للاستثمارات السيادية في العالم، وستكون قيمة أصوله تريليوني دولار، وسوف يكون استعداداً لعصر ما بعد النفط، فضلاً عن أن المملكة تعتزم إجراء عدد من “الإصلاحات السريعة” التي سترفع الإيرادات غير النفطية للحكومة.
وأعلن الأمير محمد بن سلمان، بعد ترؤسه “صندوق الاستثمارات العامة” في 23 مارس/أذار عام 2015، عن استهدافه لأن يكون أكبر صندوق ثروة سيادية على مستوى العالم وأكثرها تأثيرا، بقيمة تتجاوز تريليوني دولار، وذلك بحلول عام 2030، حيث قام بمراجعة استراتيجيته الاستثمارية لدعم التنوع بعيدا عن النفط.
وأوضح ولي العهد السعودي، في مقابلة مع مجلة “التايم” الأمريكية في 6 أبريل/نيسان 2018، كيفية ضم الأصول، وضخ المبالغ لمضاعفة رأس مال صندوق الاستثمارات العامة، قائلا:” لدينا الخصخصة، ويأتي على قمة الهرم طرح أرامكو، ضخّ هذه المبالغ وتقديم الأصول الحكومية وغيرها من الأصول والاحتياطيات النقدية الأخرى في صندوق الاستثمارات العامة، ودفعه ليصبح أكبر صندوق على مستوى العالم، بقيمة تتجاوز تريليونَي دولار”.
وتابع: “قبل عامين، كان حجم صندوق الاستثمار العام 150 مليار دولار أمريكي، أما اليوم فحجمه 300 مليار دولار أمريكي، وفي نهاية عام 2018 سيبلغ نحو 400 مليار دولار، وفي عام 2020 سيصل إلى ما بين 600 – 700 مليار دولار، وفي عام 2030 سيكون أعلى من تريليونَي دولار”.
وأضاف:”سنستثمر نصف هذه الأموال لتمكين المملكة العربية السعودية، والـ 50 % المُتبقية سنستثمرها في الخارج لنضمن أن نكون جزءاً من القطاعات الناشئة في جميع أنحاء العالم”.
عملاق النفط السعودي “أرامكو”
في 4 يناير/كانون الثاني 2016، كشف الأمير محمد بن سلمان، لمجلة ذي إيكونوميست البريطانية، عن مقترح طرح نسبة من أسهم شركة أرامكو، كجزء من خطة الإصلاح الاقتصادي لرؤية المملكة 2030، بهدف استحداث أسلوب الإدارة ونظام التدقيق الغربي في عملاق النفط العالمية، إضافة إلى توفير سيولة مالية تساهم في الحد من العجز في ميزانية السعودية.
ثم أوضح الأمير محمد بن سلمان في حوار مطوّل له أجري في 16 أبريل/نيسان 2016، مع مجلة “بلومبرغ” الاقتصادية، أن طرح “أرامكو” سوف يؤدي إلى تحويل أسهمها إلى صندوق الاستثمارات العامة، وهو ما يجعل تقنياً الإيرادات منوعة بالنسبة للحكومة السعودية ويقلل من اعتمادها على النفط.
وأضاف، أن أغلب الاستثمارات في النفط، وأنه يسعى لتنويع الاستثمارات، بحيث تكون المملكة خلال عشرين سنة ذات اقتصاد لا يعتمد بشكل رئيسي على النفط، وهذا سيتم من خلال عوائد صندوق الاستثمارات العامة، وكذلك من مصادر أخرى للدخل.
ثم أكد ولي العهد السعودي، في مقابلة مع مجلة “التايم” الأمريكية في 6 أبريل/نيسان 2018، أنه لا يتم تأخير طرح أرامكو للاكتتاب الأولي، موضحاً أن الموضوع يختص باختيار الوقت المناسب.
وطرحت أرامكو بالفعل في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، نسبة 1.5% من إجمالي أسهم الشركة للتداول العام، ومع انتهاء فترة الاكتتاب، أصبح اكتتاب أرامكو، أكبر طرح أولي عام في التاريخ، حيث جمع أكثر من 25.6 مليار دولار أمريكي، مُتجاوزًا الرقم القياسي المُسجّل في عام 2014 لمجموعة علي بابا الصينية البالغ حينها 25 مليار دولار.
مكافحة الفساد
وشرح الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في مقابلة صحفية مع مجلة “ذا أتلانتيك” في 3 مارس/آذار 2022، ما حدث في الريتز كارلتون، ومكافحة الفساد، قائلا:” ما حدث في لم يكن اعتقال أشخاص، بل كان من أجل منحهم خيارين، الأول: أننا سنعاملهم وفقًا للقانون تمامًا، ومن ثم ستقوم النيابة العامة بإعداد لائحة الاتهام، والخيار الثاني لهؤلاء الأشخاص: كان سؤالهم ما إذا كانوا يرغبون بأن يسلكوا طريق المفاوضات، وقد اختار 95% منهم طريق المفاوضات، لذا لم يكونوا مجرمين، ولم يكن بإمكاننا وضعهم في السجن، لقد وافقوا على البقاء في الريتز كارلتون لإجراء المفاوضات وإنهائها، وأعتقد أن 90% من المفاوضات قد انتهت، أما البقية، وهم من رفضوا التفاوض، فقد أحيلوا إلى النيابة العامة وفقًا للقانون السعودي، وهناك نسبة جيدة اتضح أنهم بريئون، سواء عبر المفاوضات أو في المحاكم”.
وأكد:” لقد كانت وبوضوح محاولة إيقاف مشكلة ضخمة في السعودية، ففي كل ميزانية، هناك نسبة عالية تذهب للفاسدين، لن يكون لدينا نمو بنسبة 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ولن تكون لدينا زيادة 50% من الاستثمار الأجنبي في السعودية في 2021 لو استمر الفساد، ولن يكون هناك وزراء ولا أشخاص بارزون أكفاء يعملون في الحكومة، ويكافحون ليل نهار، ويعملون على مدار اليوم، ما لم يعتقدوا أنهم يسلكون طريقًا قويمًا ومشروعًا، وهذا لن يحدث طالما كان هناك فساد في السعودية”.
وأضاف:” لقد كانت رسالةً قوية، لقد اعتقد البعض أن السعودية كانت تحاول اصطياد الحيتان الكبيرة والمحترفة، لكنهم بحلول عام 2019 إلى 2020، أدركوا أنه،حتى لو سرق أحدهم 100 دولار فسيدفع الثمن”.
وصدر أمرًا ملكيًا في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بتشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد، برئاسة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، إثر ذلك بدأت اللجنة بحملة ملاحقات قانونية، لعدد من مسؤولي الدولة في السعودية، كان على رأس هؤلاء شخصيات من العائلة الحاكمة، وأخرى اقتصادية شهيرة، حيث وجهت لهم تهمًا بالفساد.
وفي 30 يناير/كانون الثاني 2018، أُعْلِنت الحكومة السعودية نجاحها في جمع أكثر من مئة وسبعة مليارات دولار، تتضمن مختلف أنواع الأصول، وتشمل عقارات، وكيانات تجارية، وأوراق مالية، ونقد، وغيرها، من خلال تسويات مالية مع رجال الأعمال والمسؤولين الذين جرى استدعاؤهم في إطار التحقيقات في حملة مكافحة الفساد.
وأعلن الأمير محمد بن سلمان، في عام 2020، أن متحصلات تسويات مكافحة الفساد ما بين عامي 2017، و2020، قد بلغت 247 مليار ريال سعودي، ومثّل ذلك ما نسبته 20% من إجمالي الإيرادات غير النفطية السعودية، مشيرًا إلى أن وزارة المالية تعمل على تسييل أصول أخرى بعشرات المليارات نُقِلت إليها، لتُسجل لاحقًا في إيرادات الدولة.
ويرى خبراء، أن السعودية بهذه الحملات تضع أقدامها نحو الانتقال لاقتصاد السوق الحر، والعمل على تشجيع وجذب الاستثمارات التي تعد عصب الاقتصاد السعودي لمرحلة ما بعد النفط وفقًا لرؤية المملكة 2030.
وفي التقرير السنوي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، تقدمت السعودية سبعة مراكز عالمية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد لعام 2019، إذ ارتفعت إلى المركز الـ51 عالمياً من أصل 180 دولة، متقدمة بذلك في مركزها بين دول مجموعة العشرين لتحقق المركز العاشر.