يفتح فصل الشتاء باب ذاكرة المصري المُغترب على مصرعيه، لتستدعي ذاكرته طبق العدس الساخن، ولمة العيلة في غرفة واحدة لمشاهدة مسلسل أو فيلم فيما يتناولون أبو فروة المشوي والبرتقال واليوسفي، وارتداء الملابس الثقيلة في خارج البيت وداخله، ذلك فضلا عن البطاطا الحلوة المشوية التي تزداد حلاوتها بتناولها على العربة المخصصة لبيعها في الشارع وخاصة على كورنيش النيل، وهذه الأخيرة بالذات ينصح المغترب المصري عادة أصدقاءه من زوار مصر في الشتاء ألا يضيعوا فرصة الاستمتاع بهذه التجربة الممتعة.
البطاطا والكورنيش
وفي الواقع، أنه لتناول البطاطا الحلوة المشوية على كورنيش النيل جاذبية خاصة للعوامل التالية:
- بقعة دافئة: تخيل نفسك تسير وسط الصحراء الجرداء التي لا زرع فيها ولا ماء وأنت متلهف لرشفة ترطب بها فمك، وفجأة تجد نفسك في واحة غناء، لاشك أن هذا هو شعور الإنسان الذي يسير في الشارع في برد الشتاء وفجأة يجد نفسه في بقعة دافئة يوفرها المجال الحيوي لعربة البطاطا المشوية مما يجعلها جاذبة للمتواجدين في الشارع والذين يتطلعون لدفء يسري الدماء في أوصالهم.
- عسلها طبيعي: تذكر وأنت تتناول البطاطا الحلوة على كورنيش النيل أن عسلها طبيعي، دون تدخل صناعي من قبل البشر كما هو الحال في الحلويات الغربية من جاتوهات وما شابه أو حلويات شرقية مثل البسبوسة والكنافة وغيرها، وتقول الدراسات إنها مفيدة للقلب وغنية بالألياف وبالتالي تساعد على تلافي الإمساك، وغنية بالمواد المضادة للأكسدة ومن ثم تقي الجسم من الالتهابات كما أنها مفيدة للحوامل حيث أنها تحوي حمض الفوليك الضروري لنمو خلايا الجنين.
- حرية.. إخاء.. مساواة: لعربة البطاطا عشاقها من كل الطبقات من الغفير إلى الأمير الذين يجدون متعة خاصة في تناولها فيما يستشعرون الدفء ويشمون رائحتها التي تفتح شهيتهم، وهم عادة ما يتناقلون الأخبار ويتبادلون الأحاديث السياسية والرياضية وغيرها في جو من الألفة والتبسط وعدم التكلف قل أن تجده بعيدا عن عربة البطاطا المشوية.
- في متناول الجميع: سعر البطاطا المشوية في الشارع زهيد للغاية لو قارناها بغيرها من الحلويات، كما أنه لا توجد فاتورة تحوي الخدمة والضريبة كما هو الحال لو جلست في مطعم أو كافيه وتناولت قطعة من الحلوى.
مهنة فلكلورية
لاشك أنه باقبالك على عربة البطاطا تساهم في الحفاظ على مهنة أصيلة تضرب بجذورها في تربة مصر، فمع انتشار الكافيهات التي تقدم الحلو، وعربات الآيس كريم، وانتشار المايكروويف الذي يمكن استخدامه في شي البطاطا بسهولة في المنزل باتت هذه المهنة مهددة بالإنقراض، ومن ثم فإن الإقبال عليها يساعد في الحفاظ على هذه المهنة الفلكلورية التي مازالت تحمل عبق الزمن الجميل.