(مهند الحميدي* – خاص أريبيان بزنس) – يعتزم المبتكر والرحالة المغربي يوسف الهواس قيادة دراجة هوائية شمسية في رحلة قاريَّة يمر خلالها من أكثر من 10 دول ليحط رحاله في إمارة دبي بالتزامن مع استضافة الإمارات العربية المتحدة لفعاليات قمة المناخ كوب 28 في مدينة إكسبو دبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وصمم الدراجة الهوائية الشمسية رباعية العجلات وابتكرها المهندس يوسف الهواس، ليشاركه في قيادتها الرحالة سليم غاندي.
وتعمل الدراجة بالطاقة البدنية والطاقة الشمسية، في خطوة عربية طموحة لتسليط الضوء على ضرورة حماية البيئة والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، من خلال التحول المستدام إلى الطاقة المتجددة، فضلاً عن الترويج لضرورة الحفاظ على الصحة الجسدية.
وتنطلق الرحلة من مدينة العيون في الصحراء المغربية، مع احتمال تغيير مكان انطلاقها لتبدأ من أمام قنصلية دولة الإمارات في الصحراء المغربية.
وتمر الرحلة في ثلاث قارات، ومحطات عالمية عديدة سبق أن استضافت قمم المناخ السابقة؛ مثل مراكش كوب 22 في المغرب، ومدريد كوب 25 في إسبانيا.
ويشمل خط سير الرحلة دولاً أوربية عديدة، لتصبح مناسبة للقاء هيئات عالمية عديدة ناشطة في ميدان التصدي للاحترار العالمي والتوعية بأضرار تغير المناخ.
وفي حديث خاص لـ “أريبيان بزنس”؛ قال يوسف الهواس إن “الرحلة تمثل فرصة للتعريف بالدور الذي تلعبه الدول العربية وشعوبها؛ وبشكل خاص في المملكة المغربية ودولة الإمارات وباقي دول الخليج”.
ويُحتمَل أن يشمل خط سير الرحلة فرنسا، وسويسرا، وإيطاليا، وسلوفينيا، ودول البلقان، وكرواتيا، وصربيا، وبلغاريا، وتركيا، وإيران، ثم العراق.
وبعد المرور بالأراضي التركية، ينطلق الهواس وغاندي في جولة تشمل جميع دول مجلس التعاون الخليجي، ليصلا في نهاية المطاف إلى إمارة دبي.
وتصل المسافة الإجمالية للرحلة إلى حوالي 13 ألف كيلومتر بمعدل 200 كيلومتر في اليوم، مع استراحات في حواضر عالمية رئيسة، بهدف المشاركة في تظاهرات بيئية وثقافية تخدم القضايا البيئية.
دراجة ابن بطوطة
وينفذ الهواس رحلته بنسخة معدلة ومطورة من “دراجة ابن بطوطة” التي شارك بها في “رحلة الشمس” في العام 2018، بعد مرور 97 يوماً على انطلاقه من مدينة ليون الفرنسية، وصولاً إلى مدينة كانتون في الصين الشعبية، قاطعاً أكثر من 13 ألف كيلومتر على دراجته في مسار حر دون تلقي المساعدة، في إطار مشاركته في مسابقة سان تريب؛ أكبر فعالية عالمية للدراجات العاملة بالطاقة الشمسية والبدنية.
ويعد الهواس أول مغربي وعربي وإفريقي يشارك بالفعالية الرامية إلى تسليط الضوء على ضرورة حماية البيئة والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، من خلال التحول المستدام إلى الطاقة المتجددة، فضلاً عن الترويج لضرورة الحفاظ على الصحة الجسدية.
وانطلقت الرحلة حينها من مدينة ليون، لتمر بفرنسا، وسويسرا، وإيطاليا، وسلوفينيا، وكرواتيا، وصربيا، وبلغاريا، وتركيا، وجورجيا، وأذربيجان، فكازاخستان، ثم الصين.
آلية عملها
وقال الهواس إن “دراجة ابن بطوطة تمثل نوعاً وتصوراً جديداً لأحد أنواع التنقل المستدام، بالاعتماد على تقنيات بسيطة غير معقدة؛ مركبة خفيفة الوزن لا تستهلك الطاقة، في دمج وتجسد تزاوجاً مثمراً بين أهداف الحفاظ على البيئة واستخدام الطاقة النظيفة، وبين ممارسة الرياضة والحفاظ على الصحة البدنية”.
وعن آلية عملها؛ أوضح الهواس في حديثه لـ “أريبيان بزنس” أن “الدراجة لا تتحرك إلا بعد أن يعمد السائقون إلى تحريك أرجلهم؛ على غرار ممارستهم لرياضة ركوب الدراجات الهوائية، لتبدأ بالاستعانة بالطاقة المجمعة من ألواح الطاقة الشمسية المثبتة على سقفها؛ وبهذا نصل إلى نتيجة جسم سليم في عقل سليم وبيئة سليمة”.
وأضاف: “الدراجة مصممة وفق تصور يُدخِلها في فئة الدراجات، وهي لا تحتاج إلى رخصة قيادة، وتستطيع حمل وزن يصل إلى 300 كيلوغرام بالاعتماد فقط على محرك كهربائي صغير عامل بالطاقة الشمسية إلى جانب القوة العضلية”.
وتصل استطاعة بطاريات الدراجة إلى 1350 واط ساعي، تستمد طاقتها من ألواح شمسية تبلغ مساحتها 3 أمتار مربعة.
وأطلق الهواس على دراجته لقب “ابن بطوطة” لتعريف الغرب بالرحالة العربي محمد بن عبد الله الطنجي المعروف بابن بطوطة.
وقال الهواس إن “دراجة ابن بطوطة كانت الأولى والوحيدة التي وصلت خط النهاية ضمن الدراجات ذاتية الصنع، إذ تحطم معظمها في الطريق، وباقي الدراجات الواصلة إلى خط النهاية كانت دراجات تجارية لماركات عالمية معروفة أضيفت لها الألواح الشمسية. وكذلك كنت المتسابق الوحيد الذي شارك برفقة شخص من أصحاب الهمم حينها”.
وحاز الهواس في نهاية المسابقة على جائزة القلب الذهبي، التي أضافها المنظمون بشكل خاص للهواس تكريماً لمشاركته. ويأمل الهواس في الفوز بالمركز الأول في السباق مستقبلاً، ويقطع المسافة في أقل من 50 يوماً إذا أتيح له الدعم المطلوب.
سيرة ذاتية
يوسف الهواس من مواليد مدينة طنجة المغربية العام 1968، أتم دراسته الجامعية في فرنسا، وحصل في 1990 على دبلوم تقني في الهندسة الميكانيكية.
وعقب عودته إلى المغرب عمل في ميادين عدة متعلقة بمجال دراسته، وتوجه اهتمامه نحو ابتكار الدراجات ثلاثية العجلات وتصميمها وتطويرها، مصممًا نماذج صديقة للبيئة، وأخرى لأصحاب الهمم.
انطلق الهواس في العام 2016 برحلة داخل المملكة المغربية، استغرقت 11 يوماً، قاطعاً مسافة 1250 كيلومتر على متن دراجة من تصنيعه.
مستقبل المركبات الخضراء في العالم العربي
شهدت الأعوام الأخيرة توجهاً رسمياً ملحوظاً لإدخال المركبات المستدامة إلى العالم العربي، إلى جانب مجموعة من المبادرات الشبابية الرامية إلى تطوير المركبات الخضراء الصديقة للبيئة.
ويقوم التوجه الجديد على خطوات طموحة لمجاراة أحدث التقنيات ومواكبة الوعي العالمي بضرورة التصدي للاحترار العالمي والحفاظ على البيئة.
وللمرة الأولى عربياً؛ أطلقت الإمارات مطلع 2019، أول حافلة تعمل بالطاقة الكهربائية بالكامل لنقل الركاب في شوارعها.
وتحتوي الحافلة على 27 مقعداً ومساحة آمنة للوقوف، وأرضية منخفضة لتسهيل الصعود إليها، وهي قادرة على قطع مسافة 150 كيلومترًا قبل إعادة شحنها، إذ يساعد تزويدها بألواح شمسية على إمداد بطارياتها بالطاقة.
واستمرت المدينة المستدامة في دبي أيضاً، بتجربة تشغيل مركبة ذاتية القيادة للنقل الجماعي في شوارعها؛ بمنطقة دبي لاند في شارع القدرة ضمن مسار يبلغ طوله 1250 متراً. وتسير المركبة بالطاقة الكهربائية وهي صديقة للبيئة بنسبة 100%.
ويأتي المشروع في إطار استراتيجية الإمارة الرامية إلى تحويل 25% من النقل الجماعي إلى المواصلات الذاتية القيادة بحلول 2030.
وخلال فترة الأولمبياد الخاص العالمي في 2019، وفرت إمارة أبوظبي سيارات كهربائية للتنقل بين مقرات الأولمبياد، ووضعت الإمارة أسطولاً من السيارات الكهربائية في خدمة المشاركين واللاعبين والجمهور، فضلاً عن حافلة صديقة للبيئة، طوال فترة إقامة الألعاب.
وفي مصر، اختبرت هيئة النقل العام بالعاصمة القاهرة، حافلة كهربائية للنقل العام، تمهيداً لإضافة عدد أكبر من الحافلات الكهربائية بعد ذلك، والتجربة هي الثانية من نوعها في مصر، بعد استخدامها بالإسكندرية، إذ جرى تشغيل حافلة كهربائية بصورة تجريبية عام 2018.
وتتسع الحافلة لتسعين راكباً وتبلغ سرعتها القصوى 80 كيلومتراً في الساعة ومداها 250 كيلومتراً بعد شحنها تماماً، وتحتاج إلى 3 إلى 4 ساعات لذلك.
تصنيع محلي
كشفت مجموعة “سيف سيتي” الإماراتية التي تتخذ من مدينة “مصدر” المستدامة في العاصمة الإماراتية أبوظبي مقراً لها، عن سيارتها الكهربائية الذاتية القيادة المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وصمم السيارة وصنَّعها بالكامل مهندسون وفنيون إماراتيون، وهي تسير مسافة 700 كيلومتر بشحنة كهرباء واحدة، وتصل سرعتها إلى 120 كيلومتراً في الساعة.
وأعلنت مؤسسة الموانئ الكويتية في 2021 عن إنشاء “إي في سيتي” أول مدينة في العالم العربي تقدم جميع الخدمات اللوجستية المناسبة لخدمة مصنعي السيارات الكهربائية.
وسبق أن أعلنت إدارة هيئة تنمية الصادرات السعودية أن المملكة أطلقت بالفعل مشروع صناعة السيارات الكهربائية، وسبق أن أعلنت شركة “ريفولتا” ومجموعة “شل” العالمية، عن إطلاق أول سيارة أجرة كهربائية في مصر.
واعتمدت هيئة الطرق والمواصلات في دبي مبادرة لتحويل 90% من سيارات الأجرة في الإمارة إلى مركبات صديقة للبيئة؛ هجينة وكهربائية، بحلول 2026.
وقطعت الهيئة شوطاً في مبادرة تحويل 50% من مركبات الأجرة في دبي إلى مركبات هجينة (هايبرد) ودشنت التشغيل التجريبي لأول مركبة أجرة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين ضمن أسطول مركبات مؤسسة “تاكسي دبي”.
وبعد أن نفذت دول عربية عدة، خطوات عملية لإدخال المركبات الذكية والمستدامة إلى شوارعها، تبرز الحاجة إلى تنظيم القطاع وإصدار قوانين وتشريعات خاصة به، وتهيئة البنى التحتية له، ومن هنا تنبع أهمية إجراء التجارب والتشغيل الذي يُخضِع المركبات لمراقبة المتخصصين والجهات الحكومية.
ونفذت دول عربية خطوات عملية لتهيئة البنية التحتية لاستقبال السيارات الكهربائية، في حين وضعت دول أخرى خططاً طموحة، ويندرج في هذا الإطار مساعي السعودية الرامية إلى زيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية، وتعزيز الإقبال عليها محلياً.
وسبق أن توقعت شركة “شنايدر إلكتريك” العالمية، أن تفتتح المملكة خمس محطات شحن سريع للسيارات الكهربائية، وعَزَت ذلك إلى تلقيها طلباتٍ لتنفيذ محطات شحن كهربائي للسيارات لعدد من المشاريع التجارية والسكنية. وأعلنت “أرامكو”؛ عملاق النفط السعودي، مطلع 2019، إنشاء أول محطة هيدروجين لتعبئة مركبات خلايا الوقود الهيدروجيني في المملكة أكبر مصدر للنفط الخام في العالم.
ولشركة مصدر الإماراتية، مساهمة في تطوير محطات شحن المركبات الكهربائية في المملكة المتحدة، في إطار استراتيجيتها لدعم مصادر الطاقة البديلة حول العالم والتصدي للاحترار العالمي.
وافتتحت مصر، خلال 2020، في محافظة بورسعيد شمال البلاد، أول محطة خدمة متكاملة لخدمة السيارات، تتضمن بنًى تحتية لشحن السيارات الكهربائية.
وسبق أن دشنت شركة النفط العُمانية للتسويق، أول محطة خدمة صديقة للبيئة بمنطقة الرسيل في محافظة مسقط، في إطار استراتيجية سلطنة عُمان الرامية إلى تحقيق الاستدامة في الطاقة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وأنشأت هيئة كهرباء ومياه دبي، أيضاً، مئات المحطات لشحن السيارات الكهربائية في مختلف أنحاء الإمارة.
وتمول مؤسسة الكويت للتقدم العلمي مشروعاً لتحديد التحديات الرئيسة لتطوير بنية تحتية متينة للسيارات الكهربائية في العاصمة الكويتية.
وتقول شركة التقدم العلمي التابعة لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي: “تريد الكويت، أسوة بالعديد من البلدان الأخرى في المنطقة، ضمان دمج مدنها وطرقها في شبكة السيارات الكهربائية هذه، على الرغم من التحديات الإضافية التي تطرحها قسوة المناخ”.
ويهدف المشروع إلى تحديد الأمور المطلوبة لجعل مدينة الكويت ملائمة للسيارات الكهربائية، إلى جانب تقييم أداء السيارات الكهربائية في ظل الظروف المناخية القاسية.
وأنشأت السعودية أول مجمع سكني ضم محطة شحن للسيارات الكهربائية، وهو مجمع “ديار السلام” في جدة غرب البلاد، بالتعاون مع شركة “شنايدر إلكتريك” الفرنسية.
شحن لاسلكي
أطلقت إمارة دبي، منتصف فبراير/شباط 2020، مشروع الشحن اللاسلكي الآلي للمركبات الكهربائية أثناء سيرها دون توقف، في فترة تجريبية، في واحة دبي للسيلكون، بالاعتماد على تقنية الرنين المغناطيسي الموجه، ضمن مشروع أطلقته هيئة طرق ومواصلات دبي.
وتضمن المشروع في مرحلته الأولى، تجهيز البنية التحتية اللازمة ومسار شحن تحت الطريق بطول 60 متراً.
وعي بيئي عربي
يبدو أن ارتفاع نسبة الملوثات الناتجة عن عوادم السيارات التقليدية وازدياد الازدحام في الحواضر العربية يتطلب من الحكومات التوجه لبدائل مراعية للبيئة؛ ويدخل في هذا الإطار خدمات تأجير السكوتر الكهربائي.
ونفذت مدن عربية عدة تجارب في هذا القطاع؛ ومنها تجربة إمارة أبوظبي، إذ بدأت مجموعة من شركات تأجير الدراجات الكهربائية العديمة المقعد (السكوتر) والتي تعمل بالبطاريات، عمليات التشغيل في أماكن متفرقة من الإمارة، بعد منح الشركات ترخيص مزاولة نشاطها بشكل تجريبي.
وأطلقت إمارة دبي خدمة “كيوي ريد” لتأجير السكوتر في الإمارة، من خلال توفير 600 دراجة في جميع أنحاء المدينة. وصُمِّمت الدراجات لتنفيذ رحلات قصيرة في شوارع المدينة.
وتسبب ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري وتذبذب إمداداته في زيادة الوعي الشعبي حول العالم بأضراره البيئية، وساهم في تنامي الاهتمام العالمي بالبدائل الصديقة للبيئة وتسريع التحول لها، ويبدو أن مؤسسات كثيرة في العالم العربي بدأت بخطوات طموحة للحاق بالركب وتسريع التحول إلى المركبات الذكية والخضراء، بهدف المشاركة في المساعي العالمية للحد من تبعات الاحترار العالمي.
*مهند الحميدي كاتب وصحافي متخصص بالعلوم والتقنية والمركبات الذكية والمستدامة