فتحت وزارة العدل الأميركية تحقيقاً جنائياً ضد شركة بوينغ بعد الانفجار الذي تعرضت له طائرة من طراز “بوينغ 737 ماكس” Boeing 737 MAX لشركة ألاسكا إير لاينز في يناير الماضي، بحسب ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر مطلعة، في وقت كشف فيه برنامج كوميدي ساخر كيف تسرعت بوينغ ببيع طائراتها دون تدريب الطيارين على جهاز التقاط خارجي جديد يكفي أن يصطدم به جسم مثل طائر أو بالون كي يتسبب بخطر قد يؤدي لهبوط الطائرة للأسفل.
وحققت الحلقة التي يقدمها جون أوليفر من برنامجه لاست ويك تونايت (Last Week Tonight) ملايين المشاهدات منذ بثها الخميس. ولم يتضح على الفور ما إذا كان التحقيق الجنائي لوزارة العدل مرتبطًا بمراجعة تسوية 2021 أم بتحقيق منفصل بعد أن أثار أوليفر مخاوف كبيرة حول ما تقوم به الشركة.
ونجح برنامج الكوميدي جون أوليفر بتبسيط الخلل في طائرات بوينغ-«ماكاس» (MCAS)- ودعا إلى إقالة الرئيس التنفيذي للشركة مطالبا بقيادةجديدة لشركة بوينغ بعد أن سادت ثقافة الهوس برفع أسهم الشركة في البورصة على حساب جودة العمل.
وكشف جون أوليفر ما عجزت عنه عشرات التقارير الصحفية في تفسير الخلل في بعض طائرات الشركة ومشاكل مثل الاستهتار بالسلامة والثقافة السائدة في الشركة التي تحرص على الربح وأداء الأسهم والتي ابتليت بها كبرى الشركات المصنعة للطائرات الأمريكية.
ولفت أوليفر إلى كارثة جوية كانت وشيكة قائلا أنه كان من حسن الحظ عدم وجود مسافرين لا يرتدون الأحزمة ولم يكن هناك مسافر قرب باب الطوارئ الذي سقط وأن الطائرة الجديدة لم تكن تحلق على ارتفاع عال وإلا لكانت الإصابات كارثية. كانت الطائرة جديدة أيضًا، فقد سلمتها الشركة المصنعة قبل شهرين. وأوضح مضيف البرنامج قائلا : “ستنزعج كثيرا عند تلف حذاء رياضي جديد اشتريته، لكننا نتحدث هنا عن خلل في طائرة جديدة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات”.
ووفقاً للتحقيق الأولي، فقد فقدت أربعة مسامير كان من المفترض أن تثبت الباب في مكانه؛ بعد ذلك، عثرت خطوط ألاسكا الجوية على مسامير مفكوكة في “العديد” من طائراتها من طراز ماكس 9.
ذكر أوليفر أن نظام «ماكاس» (MCAS)-ما هو إلا وسيلة لتفادي تأثير المحرك الجديد، فهو ثقيل الوزن وأضافته الشركة لخط انتاج طائرات طراز قديم ليعوض عن الوزن الزائد الذي يتسبب بهبوط الجزء الخلفي للطائرة بسبب وزن المحرك ليحافظ على توازنها للتحليق أفقيا بصورة آمنة. لكن الشركة لم تخبر الطيارين التجاريين به لتفادي كلفة ووقت التدريب بحسب ما ذكره.
ولفت إلى أن بعض منصات البحث عن الرحلات أضافت ميزة إقصاء الرحلات الجوية التي تكون فيها الطائرة من طراز بوينغ ماكس 737 في مؤشر على مخاوف حتى لدى المسافرين من هذا الطراز.
قال أوليفر: “لقد بدأنا نشعر بأن هذه قد تكون مشكلة أوسع بكثير داخل شركة بوينغ، لأنها تأتي في أعقاب سلسلة من الحوادث المثيرة للقلق استمرت لسنوات”، من الحرائق على متن الطائرة إلى زوج من حوادث الاصطدام المدمرة التي تم تدميرها. إلقاء اللوم على طائرات بوينغ. منحت إدارة الطيران الفيدرالية الشركة مؤخرًا 90 يومًا لمعالجة مشكلات السلامة، نظرًا لتقارير تفيد بأن الموظفين شعروا بالخوف من الإبلاغ عن أي مخاوف. وأضاف قائلا إنه تحول مثير للقلق بالنسبة لشركة أمريكية كانت مرادفة للسلامة والحرفية، فقد اشتهرت شركة بوينغ بإحداث ثورة في مجال الطيران التجاري، وقد حافظت على مدى عقود على سمعة ممتازة في التميز. لكن في عام 1996، اندمجت شركة بوينغ مع شركة ماكدونيل دوغلاس، وهي شركة معروفة ببناء طائرات عسكرية ذات سجل سلامة رهيب. “هل كان الاندماج مع شركة ماكدونيل دوجلاس للطيران والفضاء هو أسوأ قرار يتخذه الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ؟
واستشهد أوليفر بتقرير أجراه صحفيو الجزيرة بالخفاء عام 2014 حين قاموا بأخذ رأي الموظفين في مصنع للشركة حول رأيهم بجوانب السلامة وأكدوا أنهم لن يسافروا أبدا على متن طائرة ماكس التي يقومون بتصنيعها بأنفسهم في إشارة إلى مخاوفهم من سلامة الطائرة.
وسيطرت الثقافة القائمة على الربح؛ وفي غضون سنوات قليلة، قدمت الشركة برنامج إعادة شراء الأسهم، حيث تحولت الأولويات من السلامة والمنتج إلى أسعار الأسهم. وأوضح أوليفر كيف أثرت هذه العملية على تطوير طائرة 787 دريملاينر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي نال تطويرها أقل من نصف ميزانية تطوير الطائرات السابقة، وتم الاستعانة بمصادر خارجية للإنتاج أي التوكيل الخارجي من 50 موردًا مختلفًا. تم إيقاف الطائرة دريملاينر، التي تم إطلاقها متأخرة ثلاث سنوات وانتهى الأمر بتجاوز الميزانية المقررة بمبلغ 25 مليار دولار، بسبب عدة حرائق على متنها في غضون أيام من بعضها البعض، نتيجة البطاريات المعيبة التي صنعها مقاول من الباطن ولم يتم تدقيقها من قبل شركة بوينغ. وحاولت الشركة استعادة مكانتها بطراز 737 ماكس تحت شعار “الأكثر أقل”. وفي الوقت نفسه، من عام 2014 إلى عام 2018، قامت الشركة بتحويل 92٪ من التدفق النقدي التشغيلي إلى توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم لصالح المستثمرين، وهو ما يتجاوز بكثير استثماراتها في البحث والتطوير.
ثم وقع حادثان كارثيان ــ تحطم طائرة ليون إير عام 2018، الذي أسفر عن مقتل 189 شخصا، وتحطم الخطوط الجوية الإثيوبية عام 2019، والذي أسفر عن مقتل 157 شخصا ــ وهو ما سلط الضوء على مخاوف كبيرة تتعلق بالسلامة. ولخص أوليفر المشكلة بنظام MCAS في طراز ماكس من شركة بوينغ، والذي غيّر زاوية الطائرة ويمكن تعطلها حين يتعرض جهاز استشعار واحد لاصطدام بسيط من طائر أو بالون. والأسوأ من ذلك أن شركة بوينغ لم تخبر الطيارين عن نظام MCAS ، الذي يتطلب إعادة التدريب واعتبار ذلك غير ضروري. ويتساءل “كيف تكون المعلومات حول النظام الذي يمكن أن يتسبب في تحطم الطائرة غير ضرورية؟ ” بعد تحطم طائرة ليون إير، وعدت شركة بوينغ بإجراء إصلاح برمجي لنظام MCAS في غضون ستة أسابيع. هذا لم يحدث. وبدلاً من ذلك، سمحت الشركة ببرنامج قياسي لإعادة شراء الأسهم بقيمة 20 مليار دولار. قال أوليفر متعجبًا: “من الواضح أنهم كانوا قلقين بشأن السلامة – وعلى وجه التحديد، سلامة سعر أسهمهم “.
أوقفت إدارة الطيران الفيدرالية تحليق طائرة 737 ماكس بعد ثلاثة أيام من تحطم الخطوط الجوية الإثيوبية. أثناء إيقاف الطائرة لمدة عامين، وجد تحقيق أجراه الكونجرس رسائل بريد إلكتروني دامغة من موظفين على علم بقضايا نظام MCAS – “تم تصميم هذه الطائرة من قبل مهرجين، والذين بدورهم تشرف عليهم القرود”، كما كتب أحدهم. الأمر الذي دفع أوليفر إلى التساؤل: “أين هي الجهات التنظيمية؟” فمن ناحية، اعتمدت إدارة الطيران الفيدرالية بشكل كبير على موظفي شركة بوينغ لضمان سلامة الطائرة، لأنها كانت تفتقر إلى القدرة على تحليل ما تشاركه شركة بوينغ بشكل فعال. كما قامت شركة بوينغ بتعيين مفتشين خاصين بها يعملون لدى الشركة.
قال أوليفر: “كانت بوينغ تدفع لموظفي بوينغ لتنظيم عمل بوينغ”. ولخص أوليفر الأمر قائلاً: “في كل نقطة على طول الطريق، كانت إدارة الطيران الفيدرالية إما تفوض المسؤولية إلى شركة بوينغ ، أو تمنحها فائدة الشك، وهو ما نأمل ألا تفعله مرة أخرى أبدًا”.
واختتم قائلا”لأنه يبدو أن شركة بوينغ، مثل العديد من الشركات الأمريكية، شرعت باستغلال السمعة التي اكتسبتها على مدى عقود من الزمن، وهي هي تضييعها مرة تلو الأخرى”.
وردد أوليفر صدى المبلغين عن مخالفات شركة بوينغ في دعوتهم إلى قيادة جديدة للشركة، على الرغم من وعودها العلنية بمزيد من الشفافية والمساءلة، وطالب بتبديل الرئيس التنفيذي للشركة.