يبدأ رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي، أولى تجارب مهمته العلمية على متن محطة الفضاء الدولية، بإجراء أبحاث متخصصة عن رقائق الأنسجة الخاصة بوظائف القلب والدماغ، تليها اختبارات «علم ما فوق الجينات»، الذي يتطرق إلى عملية التغيير في نشاط الجين، والتي سيتم إجراؤها في مختبر كولومبوس، وصولاً للاختبار الثالث الخاص بـ«بيولوجيا النبات»، الذي يساعد في فهم نمو النباتات بالفضاء، بينما سيتم ذلك في مختبر «حديقة فيجي»، وهي وحدة بناء حياة النبات بالمحطة الدولية.
وتفصيلاً سيجري النيادي مع رواد فضاء طاقم «سبيس إكس كرو 6» أكثر من 200 تجربة علمية خلال مهمتهم، فضلاً عن 19 دراسة علمية خاصة به سينفذها سلطان بالتعاون مع وكالات الفضاء العالمية، وتستهدف الأبحاث العلمية التحضير للاستكشاف البشري خارج مدار الأرض المنخفض، ومن ثمّ الاستفادة من نتائجها في مختلف علوم الحياة على الأرض، وتشمل التجارب دراسات حول كيفية احتراق مواد معينة في الجاذبية الصغرى، وأبحاث رقائق الأنسجة حول وظائف القلب والدماغ والغضاريف، واستقصاء سيجمع عينات ميكروبية من خارج المحطة الفضائية.
واستعداداً لهذه التجارب أجرى رائدا الفضاء هزاع المنصوري وسلطان النيادي، خلال السنوات الماضية، تدريبات متعلقة باختصاصيي وحدة «كولومبوس»، على متن محطة الفضاء الدولية، وشمل التدريب المكثف فئات مهمة، شملت حمولات البعثة 69، والتجارب العلمية للبعثة، واستخدام المعدات، والصيانة الروتينية، والتعامل مع حالات الطوارئ، حيث قضى رائدا الفضاء ساعات في ممارسة جميع المهارات المكتسبة خلال جلسات نظرية وعملية، خاصة أن جميع أجهزة المحاكاة الموجودة في مركز التدريب هي نسخة طبق الأصل من الموجودة في محطة الفضاء الدولية، وتضمن فهماً شاملاً للمهمة قبل إطلاقها في منتصف فبراير من العام المقبل.
أمراض القلب
وتبدأ أولى تجارب سلطان النيادي التي سينفذها في مختبر «كولومبوس» بأبحاث عن جهاز القلب والأوعية الدموية، حيث إن نظام القلب والأوعية الدموية يضمن استمرار إمداد الدماغ والجسم بالدم المحمل بالأكسجين، فيما تعد أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الأول للوفاة على وجه الأرض، حيث ربطت الأبحاث الخمول البدني بتطور عوامل الخطر، إلى جانب تصلب الشرايين ومقاومة الأنسولين.
وسيكون الغرض من هذه التجربة توفير دراسة علمية لجهاز القلب والأوعية الدموية في المهمة، لتصبح منصة لاستكشاف الآليات المحتملة والمساعدة في تطوير التدخلات لإبطاء شيخوخة الأوعية الدموية، وتحسين الصحة وجودة الحياة لكل شخص على وجه الأرض.
علم الجينات
وتتضمن ثانية تجارب النيادي العلمية أيضاً أبحاثاً تخص «علم ما فوق الجينات»، حيث يتضمن علم التخلق، أي عملية تغيير في نشاط الجين دون تغير تسلسل الحمض النووي الفعلي، والتي تؤدي إلى تعديلات يمكن أن تنتقل إلى النسل، فيما يشمل الهدف من هذه التجربة فوائد كوكب الأرض من أبحاث علم التخلق على متن محطة الفضاء الدولية، فضلاً عن أمور عديدة، كالإسهامات في الفهم الأساسي للظواهر اللاجينية، مع تطبيقات في تطوير التدابير الاحترازية للظروف الطبية الحيوية، إلى جانب توليد استراتيجيات متكاملة للطب الشخصي على أساس الاستجابات الفسيولوجية الفريدة.
مختبر علمي
ويتبع «مختبر كولومبوس»، الذي سيتم إجراء الاختبارات به لوكالة الفضاء الأوروبية، وهو إحدى الوحدات الرئيسية المأهولة لمحطة الفضاء الدولية، فيما تم إطلاقه في 2007 ليلتحق بالمرافق والمختبرات العلمية بالمحطة، حيث يعمل رواد الفضاء في هذا المختبر المضغوط في بيئة مريحة طبيعية، أي لا تحتاج إلى بدلة ضغط، ويستوعب التجارب الخاصة بعلوم الحياة وعمليات المواد وتطوير التكنولوجيا، وعلوم السوائل، والفيزياء الأساسية، وغيرها من التخصصات، وتم تصميمه بحيث يتم إجراء ما يصل إلى 500 تجربة فيه كل عام من عمره التشغيلي، الذي يزيد على 10 سنوات، ويبلغ طول وحدة مختبر كولومبوس المكونة من قطعة واحدة، 6.7 أمتار، وقطره 4.5 أمتار، ويزن 9.9 أطنان بدون معداته البحثية البالغة 5 أطنان.
نمو النباتات
وتأتي ثالثة تجارب سلطان النيادي التي تبحث في علم «بيولوجيا النبات»، التي سيتم إجراؤها في «حديقة فيجي» على متن المحطة الدولية، وهو مشروع نظام إنتاج الخضار، الذي أطلقته وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، إذ يساعد على فهم جوهر كيفية نمو النباتات من خلال اختبار وحدات بناء حياة النبات وصولاً إلى المستوى الجزيئي، فيما الهدف من التجربة التي ينفذها النيادي أنه يمكن تطبيق المعلومات الجديدة المكتسبة من الأبحاث المقامة على متن محطة الفضاء الدولية، لتزويد رواد الفضاء بالغذاء خلال مهماتهم الفضائية، كما تعلمنا المزيد حول كيفية تكيف النبات في بيئات معينة، ويمكنها التوصل لنتائج علمية أخرى متقدمة في ما يخص الإنتاج الزراعي على الأرض، وتأمل «ناسا» أن يستخدم هذا المختبر لتنمية أنواع متعددة من الخضراوات، حتى تستخدم لمشاريع أكثر طموحاً مثل توفير الغذاء للشخص العادي على الأرض.
أبحاث المنصوري
وبالعودة إلى هذه الأبحاث الخاصة بعلوم النبات فقد أجرى رائد الفضاء هزاع المنصوري عدداً من هذه التجارب المتخصصة خلال مهمته «طموح زايد.. المهمة الأولى» على متن محطة الفضاء الدولية، وتضمنت «تجربة استحلاب زيت النخيل»، وتهدف إلى دراسة تفاعل الزيت مع الماء تحت ظروف الجاذبية الأرضية المنخفضة على متن المحطة الدولية، ما يمكننا من تحقيق فهم أفضل لخواص الموائع وتصرفاتها في الفضاء، إضافة إلى «تجربة بذور النخيل»، واختصت بفحص بذور النخيل في الجاذبية الصغرى لتحديد أفضل الظروف لتوليد عينات من الأنسجة للبحث، وتم إطلاق هذه التجارب إلى محطة الفضاء الدولية في يوليو 2019، وأجريت من قبل رائد الفضاء هزاع المنصوري.
العمود الفقري
وتتنوع أبحاث المهمة العلمية، حيث تستهدف أبحاث «ألم الظهر»، التي سينفذها النيادي، موضوعاً عن «ألم الظهر»، حيث أوضحت الدراسات الحديثة أن 52 % من رواد الفضاء يعانون من آلام بالظهر خلال أول يومين إلى خمسة أيام من سفرهم إلى الفضاء، إضافة إلى أن دراسة أخرى وجدت أن ما يقارب نصف طياري المروحيات العسكرية وأفراد الطاقم يعانون من آلام أسفل الظهر إثر تقلبات قوى الجاذبية، وتستهدف هذه التجربة الدراسات المتعلقة بآلام الظهر، كونها مهمة ليس لغاية الإبلاغ عن التدابير الوقائية لتقليل مخاطر الانزلاق الغضروفي لدى رواد الفضاء، ولكن لتوفير رؤى ثاقبة حول استقرار العمود الفقري المتعلق بتحسين صحة الظهر لدى عامة الناس.
ويختص بحث «تحليل النوم» بشكل كبير بفهم الوظائف السلوكية العصبية للدماغ والجسم وتأثيرها على رواد الفضاء، حيث نجح تطبيق العديد من طرق دراسة النوم في الأرض، بعدما تم إنشاؤها للاستخدام على محطة الفضاء، بينما الغرض من التجربة أن تساعد الدراسات حول تحليل النوم على متن محطة الفضاء الدولية في معرفة المزيد حول كيفية ضبط نوم رواد الفضاء وصحتهم العامة.
مقاومة العدوى
ويتركز بحث «جهاز المناعة» في أهميته بخصوص مسؤولية مقاومة الجسم للعدوى، ويعد مهماً للحفاظ على سلامة وظائف أعضاء الجسم. ويمكن أن يتأثر الجهاز المناعي سلباً بالعديد من العوامل المرتبطة برحلات الفضاء، بينما الغرض من التجربة أن الدراسات حول كيفية تأثير رحلات الفضاء على الجهاز المناعي قد توفر فوائد للطب القائم على الأرض، الذي يتضمن معلومات عن كيفية تسبب الإجهاد في تغيرات في الجهاز المناعي لدى البالغين الأصحاء، والتغيرات التي قد تسبق المرض.
من جهته يدرس علم السوائل كلاً من الخصائص وكيفية تفاعل الرغوة والسوائل والمواد الحبيبية الأخرى في الأماكن الخالية من الجاذبية، بينما الغرض من هذه التجربة البحث حول هذا الموضوع في الفضاء، بما يمكن أن يساعد في فهم السوائل بدون جاذبية، ويمكن أن يكون له تطبيقات صناعية مصحوبة بنظرة علمية حول الظواهر الديناميكية بدون قوى الجاذبية. ويمكن أن تساعد هذه المعلومات مصممي المركبات الفضائية مستقبلاً على التفكير في كيفية تفاعل السوائل في الفضاء.
استدامة الأرض
ويدرس «علم المواد» خصائص المواد الصلبة وكيف يتم تحديد تلك الخصائص من خلال تكوين المادة وبنيتها، فيما الغرض من التجربة مساعدة تحسين فهمنا لمعالجة المواد وخصائصها، حيث سيتم تطبيق النتائج لاحقاً على العناصر الصناعية القائمة على الأرض، التي يمكن أن تؤدي إلى المساعدة في صنع تصميمات أرخص وأكثر استدامة على الأرض، وهذا بدوره سيساعد العلماء على توضيح دور التأثيرات المختلفة على عمليات المواد.
ويعد «الإشعاع الفضائي» مصدراً أساسياً لتعرض صحة رواد الفضاء للضرر خلال قيامهم بالمهمات الفضائية طويلة الأمد. وتختلف طبيعة الإشعاع الذي تتم مواجهته في الفضاء عن ذلك الموجود على الأرض، ويتكون في الغالب من أيونات عالية الطاقة من البروتونات إلى الحديد، ما يؤدي إلى مستويات إشعاع تتجاوز بكثير تلك التي يواجهها العاملون في مجال الإشعاع المهني.
ويستهدف الغرض من هذه التجربة أن يساعد المزيد من البحث والتقدير الكمي الأكثر تفصيلاً للبيئة الإشعاعية على متن محطة الفضاء الدولية في تطوير وتعزيز القدرات للتنبؤ بالتعرض للإشعاع الفضائي لمهمات الاستكشاف المستقبلية.
تطوير
تشمل الأبحاث العلمية «العروض التقنية»، حيث يمكن أن تساعد المعرفة المكتسبة من العروض التقنية في تطوير التقنيات المستقبلية لاستكشاف الفضاء الواسع، وتتيح البيئات الخارجية والداخلية لمحطة الفضاء الدولية التحقق من صحة التقنيات الخاصة بالمركبات الفضائية واختبار المواد المتسارعة. والغرض من التجربة أنه لن يؤدي البحث والتطوير التكنولوجي القائم على علوم الفضاء إلى زيادة الاستفادة من محطة الفضاء الدولية فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى تمهيد الطريق للبحث والتطوير المتقدم على متن منصات الفضاء المستقبلية، ومعالجة فجوات تطوير منتجات الأجهزة، والتصنيع المتقدم، ونشر التكنولوجيا الناشئة.