الزيادات المطردة في أسعار الفائدة قوّضت حماسة المضاربة التي كانت تغذي الاستثمار في شركات التكنولوجيا
وضعت الاضطرابات الأخيرة التي شهدها القطاع المصرفي العالمي الشركات أمام مأزق كبير للحفاظ على استقرارها المالي . وقدمت الأحداث المفاجئة في هذا القطاع مؤشرات على تحول كبير في مشهد قطاع التمويل، على غرار انهيار بنك سيليكون فالي، وإغلاق بنك سيجنتشر، ووقوع بنك كريدي سويس فريسة لأزمة ثقة. ونظراً لهيمنة حالة من انعدام اليقين على وسائل التمويل التقليدية، باتت جميع الشركات أمام حاجة ملحة للتكيف مع المعطيات الجديدة عبر استكشاف حلول بديلة للتمويل وقادرة على دعم نموها ونجاحها.
وبينما حصدت مجموعة من الشركات ثمار انخفاض معدلات الفائدة في الفترة القصيرة التي أعقبت الجائحة وما تمخض عنها من ازدهار عام في مشهد الأعمال والتمويل لتتمكن بذلك من تحقيق زيادة في رؤوس أموالها وإعادة تمويل ديونها، واجهت شركات أخرى تحديات جمّة، لاسيما تلك التي تزاول نشاطها في المجالات التكنولوجية. ومع هيمنة التضخم على المشهد العالمي، لم يكن أمام الاحتياطي الفدرالي من مفر سوى رفع معدلات الفائدة بشكل غير مسبوق. وأدت هذه الزيادات المطردة في أسعار الفائدة إلى إعادة تحديد كلية لتكلفة المخاطر، الأمر الذي قوّض حماسة المضاربة التي كانت تغذي الاستثمار في شركات التكنولوجيا. ونتيجة لذلك، وجدت الشركات نفسها أمام صعوبات متنامية في تأمين قنوات التمويل الضرورية، حيث بات المستثمرون يفضلون الشركات الأكثر استقراراً وقدرة على تحقيق التدفقات النقدية على من الاستثمارات الواعدة التي تحتاج وقتاً لتحقيق الأرباح. وتأثرت قطاعات بعينها أكثر من غيرها بسبب هذه المتغيرات، على غرار التكنولوجيا الحيوية، التي تفتقر عملياً لقنوات ناجعة لتمويل الدين، لتشهد بالتالي انخفاضاً في تقييماتها تزامناً مع هيمنة حالة من الحذر والحيطة على مشهد الاستثمار العام. ولحسن الحظ، وُلدت من رحم هذه التحديات حلول التمويل البديل التي تقدم سبلاً مبتكرة لزيادة رأس المال وسط تباطؤ وتيرة التمويل عبر القنوات التقليدية.
ووسط اضطراب أسواق التمويل، شكلت حلول التمويل منقذاً للشركات الساعية نحو صياغة استراتيجيات مبتكرة لزيادة رؤوس أموالها. ويقدم مزودو هذه الحلول الجديدة طيفاً واسعاً من الخدمات المتنوعة التي تتفوق كلياً على المنظومة المصرفية التقليدية، بما يشمل الاقتراض المباشر (P2P Lending) الذي يسمح لطرف ما بالحصول على التمويل من طرف آخر دون تدخل أي بنك، والتمويل الجماعي، وتمويل الفاتورة، ورأس المال الاستثماري / استثمار الملاك، وفي حالة “إي بي أو”، الاستثمارات المهيكلة الخاصة في الأسهم العامة. وفضلاً عن ذلك، استفادت مثل منصات التمويل هذه من التوجه الجديد عبر إتاحة الفرصة للشركات المتخصصة في تقديم البرمجيات كخدمة SaaS لزيادة الديون المضمونة بإيراداتها الشهرية المتكررة. وعبر الاعتماد على إمكانات خيارات التمويل البديل هذه، يكون في متناول الشركات من مختلف الأحجام آفاق أوسع من فرص التمويل المجدية.
على مدار السنوات الست الماضية، نفذت “إي بي أو” أكثر من 100 صفقة استثمار خاص في الأسهم العامة بلغ حجمها الإجمالي ملياري دولار من الالتزامات المالية تجاه الشركات حول العالم. واستجابة لإمكانات النمو الواعدة التي تظهرها الأصول الرقمية وما يبشر به قطاع العملات الرقمية من آفاق واسعة، أطلقت “إي بي أو” ذراع الاستثمار في الأصول الرقمية الخاصة “إي بي أو ديجيتال”. ويهدف الكيان الجديد للاستفادة من خبرات “إي بي أو” في تقديم حلول التمويل البديل، خصوصاً لمشاريع العملات الرقمية. وتقدم “إي بي أو ديجيتال” خيارات تمويل مبتكرة ومرنة للمشاريع التي تحتاج لرأس المال العامل أو لتغطية النفقات الرأسمالية لمساعدتها على الخوض في بيئة تمويل متزايدة التعقيد.
وعبر الشراكة مع “ديلتشين” Delchain، ذراع العملات الرقمية لشركة “ديلتك” Deltec، باتت “إي بي أو ديجيتال” قادرة على دعم مشاريع العملات الرقمية في مختلف المجالات، وليس فقط على مستوى التمويل. وتتمحور رسالة “إي بي أو ديجيتال” حول ربط المشاريع بمزودي السيولة، والمستثمرين الكبار، ومنصات التداول، سعياً لترسيخ دعائم منظومة متينة تتيح ازدهار جميع المعنيين فيها.
مع استمرار قطاع التكنولوجيا بالتطور، بات النمو السريع السمة الأبرز ضمن عدد من قطاعاته الفرعية مثل الويب 3.0 والبلوك تشين، بما يتضمن الرموز غير القابلة للاستبدال، والألعاب، والتمويل اللامركزي وغير ذلك. لذلك تبشر حلول التمويل البديل بإمكانات هائلة لدعم تطور الشركات العاملة ضمن هذه القطاعات الناشئة. ويمكن لمشاريع العملات الرقمية الاستفادة بشكل كبير من مثل قنوات التمويل هذه، لاسيما وأنها غالباً ما تواجه صعوبات في تأمين مصادر التمويل اللازمة عبر القنوات التقليدية. وفي وقت سابق، كانت هذه المشاريع تؤمّن تمويلها من المستثمر الملاك، كشخص ثري يقدم رأس المال للشركات الناشئة مقابل سندات قابلة للتحويل أو حصص في المشروع. ومع ذلك، ومع اختتام العام الماضي بأحداثٍ كبيرة أبرزها انهيار منصة FTX وما تبع ذلك من تداعيات سلبية، انخفضت الرغبة في المخاطرة لدى العديد من هؤلاء المستثمرين. لذلك فإن هذا التحول في مشهد الاستثمار يمنح مقدمي التمويل البديل مثل “إي بي أو ديجيتال” فرصة رئيسية للتدخل وجسر الفجوة الراهنة في قنوات التمويل، وتعزيز نمو ونجاح الشركات في قطاع التكنولوجيا المتطور باستمرار.
يمكن لمشاريع العملات الرقمية الاستفادة من حلول التمويل البديل لتخطي التحديات الراهنة على غرار الغموض الذي يكتنف الجوانب التنظيمية، والتقلبات التي تشهدها الأسواق، والشكوك التي تراود مؤسسات التمويل التقليدي. ويمكن لهذه الحلول مساعدة مشاريع العملات الرقمية على تأمين رأس المال الضروري لتطوير وتوسيع عملياتها، بصرف النظر عن حجم التحديات.
وبالمحصلة، لا يمكن اليوم أبداً التنبؤ بآفاق التمويل التقليدي، لذلك لابد للشركات ومشاريع العملات الرقمية على حد سواء من تبني حلول التمويل البديل لمواصلة نموها والوصول للنجاح المنشود. فمن خلال السعي نحو الدعم المالي بعيداً عن القنوات التقليدية، تتمكن الشركات من تعزيز زخم نموها والمساهمة إيجاباً في نجاح مجتمعاتها والاقتصاد ككل. ومع استمرار مشهد التمويل عموماً بالتطور، تقدم حلول التمويل البديل سبلاً مستقرة وموثوقة للشركات ومشاريع العملات الرقمية للخوض في مشهد أعمال في غاية الاضطراب، لتتمكن في نهاية المطاف من الخروج من المأزق الراهن وتحقيق الازدهار المنشود وترسيخ مكانتها في الأسواق.
أمين نجاي، الرئيس التنفيذي لشركة “إي بي أو ديجيتال”