تشهج الأسواق انخفاضاً تاريخياً ومستمراً في أسعار الألواح الشمسية، الأمر الذي يُعيد رسم خريطة توليد الكهرباء العالمية، ويضع دول الشرق الأوسط، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، في صدارة المستفيدين والمُخططين لهذه الطفرة. وتتجه المملكة العربية السعودية بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفها الطموح بتوليد 130 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وهو ما يتطلب إضافة نحو 20 جيجاوات سنوياً. وتعتمد المملكة على برنامج وطني ضخم للطاقة المتجددة، تحت إشراف وزارة الطاقة وصندوق الاستثمارات العامة، لتنفيذ مجموعة من المشاريع العملاقة التي تُشكل الركائز الأساسية لهذه القفزة النوعية في قطاع الطاقة الشمسية. يأتي ذلك مع استمرار أسعار الألواح الشمسية بالانخفاض الدراماتيكي من الإنتاج الصيني الهائل الذي يغرق الأسواق العالمية بمنتجات رخيصة، مع تحسينات التصنيع من خلال خفض النفقات بفضل الأتمتة والمواد الخام الأقل تكلفة، فضلا عن وفورات الحجم مع نمو الطلب العالمي الكبير من الشرق الأوسط، والهند مما يعزز الإنتاج بكميات أكبر.
أصبحت الألواح الشمسية الآن أرخص من أي وسيلة أخرى لتوليد الكهرباء تقريباً في أجزاء واسعة من العالم. وخلال العقد الماضي، انخفضت أسعار الألواح الشمسية بنسبة تقارب 90%، مدفوعة بالدرجة الأولى بالإنتاج الضخم من الصين، التي تُسيطر على نحو 80% من الإمدادات العالمية.
يبلغ متوسط أسعار العديد من الصفقات الكبيرة لوحدات الطاقة الشمسية القياسية (سواء الأغشية الرقيقة أو البلورية) ما بين $0.10 و $0.20 دولار أمريكي للواط الواحد. وهذا النطاق السعري ($0.10-$0.20/واط) هو عادةً ما يدور حوله سعر الشراء لمشاريع المرافق العامة الكبرى.
في أوروبا، وبسبب تكاليف الشحن والتوصيل، تكون الأسعار أعلى قليلًا. حيث يتراوح سعر التوصيل للواط الواحد بين €0.11 و €0.13 يورو، وهو ما يعادل تقريبًا ما بين $0.12 و $0.14 دولار أمريكي للواط.
تأثير التكلفة المُتدنية في الشرق الأوسط
هذا الانخفاض الحاد جعل التكلفة الإجمالية لبناء مشروع طاقة شمسية واسع النطاق (بما في ذلك التركيب والهيكل والأسلاك) تنخفض بنحو 70% منذ عام 2014. وابتداءً من عام 2025، يمكن لمزارع الطاقة الشمسية الضخمة في البلدان المشمسة أن تولد الطاقة بتكلفة لا تتجاوز 1-2 سنت للكيلوواط/ساعة، وهو ما يقل بكثير عن تكلفة الغاز الطبيعي (4-6 سنتات) أو الفحم (6-10 سنتات).
الميزة التنافسية تلك تجعل الطاقة الشمسية أرخص مصدر للطاقة الجديدة في معظم البلدان، وتُمكن الدول النامية من تجاوز مرحلة محطات الوقود الأحفوري والانتقال مباشرةً إلى المزارع الشمسية. وفي منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، تُعدّ أنظمة الطاقة الشمسية الصغيرة أقل تكلفة بمرتين من الاعتماد على مولدات الديزل لتوليد الطاقة.
السعودية: طموح 130 جيجاوات واستغلال الثروة الشمسية
تستغل دول المنطقة هذا الواقع الاقتصادي الجديد بفاعلية. ففي قلب الشرق الأوسط، أعلنت المملكة العربية السعودية عن هدف طموح لزيادة قدرتها على توليد الطاقة الشمسية إلى 130 جيجاوات بحلول عام 2030. وتهدف المملكة إلى استغلال صحاريها الغنية بأشعة الشمس لتحرير المزيد من النفط والغاز للاستخدامات ذات القيمة الأعلى والتصدير، مما يعزز أمنها الاقتصادي واستدامتها البيئية.
كما يشهد الشرق الأوسط وأفريقيا تحولاً متسارعاً؛ حيث تتيح أنظمة الطاقة الشمسية الأصغر، التي غالباً ما تُستورد من الصين، بديلاً لمولدات الديزل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتُمكن الشركات البعيدة من العمل بكفاءة.
مشكلة التخزين
لم يعد الحاجز الرئيسي أمام الاستفادة الكاملة من هذه الطاقة الرخيصة هو تكلفة الألواح، بل يكمن في الافتقار إلى بطاريات التخزين الكافية والبنية التحتية للشبكة القادرة على التعامل بكفاءة مع التقلبات الكبيرة في إمدادات الطاقة الشمسية. وبينما تُخفض هذه الطفرة العالمية أسعار الكهرباء وتُوسع نطاق الوصول إلى الطاقة بأسعار معقولة، يظل التحدي هو التأكد من أن مصادر الطاقة المتجددة تحل محل الوقود الأحفوري فعلياً، بدلاً من مجرد إضافة إمدادات جديدة إلى مزيج الطاقة الحالي، لضمان تباطؤ حقيقي في ارتفاع درجة الحرارة العالمية.
البطاريات: الحاجز الجديد
القيود الزمنية للطاقة الشمسية: تولد مزارع الطاقة الشمسية الكبرى الطاقة بكفاءة قصوى خلال النهار. لكن طبيعتها المتقطعة تتطلب حلولاً لتخزين الفائض لاستخدامه ليلاً، أو لسد الفجوات في الإمداد.
لم تعد تكلفة توليد الكهرباء هي العائق الأكبر، بل أصبح الأمر يتعلق بكيفية التعامل مع الطاقة المولدة بعد غروب الشمس أو في الأوقات التي يقل فيها الإشعاع الشمسي.
وتبرز تكلفة التخزين فعلى الرغم من انخفاض تكلفة الألواح بشكل كبير، لا تزال أسعار بطاريات تخزين الطاقة (خاصة بطاريات الليثيوم أيون المستخدمة على نطاق واسع) مرتفعة نسبياً مقارنة بتكلفة الألواح نفسها. هذا يرفع التكلفة الإجمالية لمشاريع الطاقة الشمسية واسعة النطاق التي تتطلب قدرات تخزين كبيرة لضمان موثوقية الإمداد على مدار الساعة.
تعتمد دول مثل السعودية على الطاقة الشمسية لتحرير النفط للتصدير، لذا فإن ضمان الإمداد المستمر والموثوق به للشبكة المحلية يتطلب استثمارات ضخمة في حلول التخزين.
تحديات البنية التحتية للشبكة في المنطقة
يُشكل دمج الكميات الهائلة من الطاقة الشمسية المتوقع توليدها في شبكات الكهرباء القائمة تحدياً تقنياً ولوجستياً كبيراً:
مرونة الشبكة (Grid Flexibility): تحتاج شبكات الكهرباء الإقليمية إلى أن تكون أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع التغيرات السريعة في إنتاج الطاقة الشمسية. هذا يتطلب استثمارات في تحديث الشبكات وتطوير أنظمة تحكم ذكية.
نقل الطاقة (Transmission): يتم إنشاء مزارع الطاقة الشمسية العملاقة في مناطق نائية (غالباً في الصحاري الغنية بالشمس) بعيداً عن مراكز الاستهلاك الرئيسية. هذا يستلزم بناء خطوط نقل جديدة واسعة النطاق لنقل الطاقة بكفاءة من مواقع الإنتاج إلى المدن، وهو ما يضيف تكاليف رأسمالية كبيرة ويواجه أحياناً تحديات في استملاك الأراضي.
الاستبدال وليس الإضافة: لا يزال التحدي الأكبر عالمياً، بما في ذلك في الشرق الأوسط، هو ضمان أن الطاقة الشمسية الجديدة تحل محل الوقود الأحفوري فعلياً بدلاً من أن تُضاف إليه، الأمر الذي يزيد من الضغط على الشبكات لإدارة مزيج طاقي أكثر تعقيداً.
التركيز على الابتكار والتنويع
على الرغم من أن الطاقة الشمسية تُعد حالياً أرخص مصدر للطاقة الجديدة، فإن تحقيق هدف المملكة العربية السعودية (130 جيجاوات بحلول 2030) والنمو الإقليمي المستدام يتوقف على تجاوز هذه العقبات التقنية والمالية.
تتجه المنطقة نحو استكشاف تقنيات تخزين بديلة، مثل تخزين الطاقة بالهيدروجين الأخضر والمضخات الحرارية، بالإضافة إلى ضرورة تسريع الاستثمار في تحديث الشبكات الذكية لضمان أن تبقى الطاقة الشمسية الرخيصة موثوقة ومتاحة على مدار الساعة.

