لطالما أثارت نظرية “الإنترنت الميت”، الجدل على مدى ما يقرب من عقد، لكنها اليوم تبدو أقرب إلى الواقع أكثر من أي وقت مضى.
ويؤكد مؤيدو نظرية “الإنترنت الميت”، أن غالبية المحتوى والنشاط على الإنترنت لم يعد من إنتاج البشر، بل أصبح نتيجة لأنشطة روبوتات الذكاء الاصطناعي.
وحاليا تُستخدم روبوتات الذكاء الاصطناعي، لإنشاء منشورات مصممة خصيصًا لتعزيز التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، مثل “فيسبوك“، و” إنستقرام”، و”تيك توك”، إلا أن المفارقة تكمن في أن التفاعل مع هذه المنشورات يتم غالبًا عبر روبوتات ذكاء اصطناعي أخرى، وفقًا لتقرير نشره موقع vice.com.
أسباب انتعاش نظرية “الإنترنت الميت”

انتعشت نظرية “الإنترنت الميت”، وأصبحت في أولويات مناقشات المتخصصين حول مستقبل الإنترنت، وذلك مع التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، بات التمييز بين الحقيقي، والمزيف على الإنترنت أكثر تعقيدًا.
وقد أدى ذلك إلى تصاعد عمليات الاحتيال في التسوق الإلكتروني، مدعومة بالصور المولدة بالذكاء الاصطناعي وتقنيات التزييف العميق، إلا أن هذا ليس التهديد الأكبر.
إغراق الفضاء الرقمي بمعلومات مضللة

وتُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، في إغراق الفضاء الرقمي بمعلومات مضللة ودعاية موجهة، بهدف التأثير على الرأي العام لصالح الجهات الأكثر قدرة على الإنفاق، أو حصر الأفراد داخل فقاعات فكرية، تمنعهم من التعرض لوجهات نظر متنوعة، في بيئات إلكترونية تبدو حقيقية تمامًا.
لكن التأثير لا يقتصر على انتشار المعلومات المغلوطة، فمع الاعتماد المتزايد على نماذج الذكاء الاصطناعي التي تميل إلى “الهلوسة”، مثل “شات جي بي تي“، تتراجع قيمة الخبرة البشرية المتاحة على الإنترنت، ما يزيد من مخاطر استهلاك معلومات غير دقيقة دون خضوعها للمساءلة.
وفي ظل تنامي دور وكلاء الذكاء الاصطناعي، على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الوصول إلى آراء وتجارب إنسانية حقيقية، أكثر صعوبة وسط الكم الهائل من المحتوى الاصطناعي.
الاقتصاد الرقمي مهدد في ظل انتشار “الإنترنت الميت”
قد يؤدي الارتفاع المستمر في تفاعل روبوتات الذكاء الاصطناعي، وانتشار ما يطلق عليه “الإنترنت الميت”، إلى تشويه الأسواق، حيث يمكن أن تخلق هذه الأنظمة إشارات زائفة عن سلوك المستهلكين، مما يدفع الشركات لاتخاذ قرارات استنادًا إلى بيانات غير دقيقة.
كما أن منظومة الإعلانات الرقمية، التي تعد المصدر الرئيسي للإيرادات في الشركات التكنولوجية الكبرى، قد تواجه اضطرابًا كبيرًا إذا أصبح معظم التفاعل على المنصات غير بشري، ورقمي.
ومع إدراك المعلنين، أن إعلاناتهم لا تصل إلى جمهور حقيقي، قد تنهار قيمة التكلفة لكل ألف ظهور إعلاني، مما يؤدي إلى تدمير نموذج الإيرادات القائم على الإعلانات الذي يدعم بدوره توفير الإنترنت المجاني.
إلى أين نتجه في ظل انتشار “الإنترنت الميت”؟

مع تراجع الوعي الرقمي، حتى بين الأجيال الشابة التي نشأت في عصر الإنترنت، تزداد الحاجة إلى تعزيز مهارات التمييز بين المحتوى الذي يتم إنشاؤه عبر الذكاء الاصطناعي، والمحتوى الأصلي.
ومن الضروري أيضًا تطوير مهارات التحقق من المعلومات، وتمييز المصادر الموثوقة، عن المحتوى الزائف.
فرصة الإنقاذ من انتشار “الإنترنت الميت”
ربما، يمكن إنقاذ الإنترنت، لكن المهمة صعبة.. حيث إن آليات التحقق التقليدية مثل كابتشا لم تعد كافية لمكافحة الروبوتات، في حين أن تقنيات إثبات الهوية البشرية المتقدمة قد تشكل تهديدًا للخصوصية.
وتحتاج المنصات الرقمية، إلى إعادة تصميم خوارزمياتها بحيث تركز على التفاعل البشري المنتج، مما يشجع على إنتاج محتوى أصيل، وبناء مجتمعات إلكترونية حقيقية.
وقد تساعد آليات التحقق المجتمعي في تحسين جودة المحتوى دون اللجوء إلى الرقابة الآلية، لكنها لن تحل المشكلة من جذورها.
ربما يكمن الحل في تحميل مزودي خدمات الإنترنت (ISPs) مسؤولية أكبر بشأن تأمين الشبكة، كما يوصي تقرير “هارفارد بيزنس ريفيو”.