Posted inعلوم

كيف يمكن لقطاع التقنية تعزيز التحول إلى الاقتصاد المستدام؟

يبدو أن التطوّر التقني والتغيّر المناخي يحظيان بقوّة مؤثرة وتأثير متسارع في العالم، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن كيفية تفاعل الاثنين أحدهما مع الآخر. قد يتفاجأ المرء بأن ما يُعرف بـ “الرأسمالية المسؤولة”، التي نوقشت على نحو موسّع في منتدى دافوس هذا العام، يجب أن تشمل قيادة الشركات المؤثرة في المناخ، التي تستفيد من وتيرة التغيّر الحاصل في القطاع التقني.

كيف يمكن لقطاع التقنية تعزيز التحول إلى الاقتصاد المستدام؟

لقد سلّط تقرير الأمم المتحدة الذي صدر العام الماضي بشأن المناخ، الضوء على المخاطر المحدقة بالبشرية، مبيّناً أن أمامنا 11 عاماً فقط لمنع ارتفاع درجات حرارة الأرض بأكثر من درجة مئوية واحدة ونصف بحلول نهاية هذا القرن، فإن لم نفعل ذلك فسنواجه عواقب وخيمة، وفق التقرير؛ إذ يتنبأ العلماء بأن الشعاب المرجانية سوف تختفي من البحار بالكامل، وسنشهد عدداً أكبر من موجات الحر التي تتسبب بحدوث وفيات مرتبطة بارتفاع درجات الحرارة واندلاع المزيد من حرائق الغابات.

وإذا ارتفعت درجة حرارة كوكب الأرض بمقدار درجتين مئويتين، فإن عشرة ملايين شخص إضافي سيتأثرون بارتفاع مستويات سطح البحر عما لو كان الارتفاع محدوداً بدرجة ونصف الدرجة.لقد بدا جلياً من أحوال الطقس المتطرفة في العام الماضي مدى سرعة التغير المناخي، فقد تجاوزت درجات الحرارة بصورة لا تصدق الثلاثين درجة مئوية في الدائرة القطبية الشمالية، وشهدت جميع أنحاء الدول الإسكندنافية اندلاع حرائق في الغابات، كما شهدت إفريقيا تسجيل أعلى درجات الحرارة في تاريخها على الإطلاق، إذ بلغت 51 درجة مئوية في الجزائر، وهي أرقام قياسية يمكن أن يتواصل تحطيمها ما لم نتخذ الإجراء المناسبة.

إذاً ما الذي يعنيه أن تكون قائداً في مجال محاربة التغيّر المناخي؟ المعنى بكل بساطة يتمثل في أن تضبط نموذج أعمالك بطريقة تراعي عالماً ينبغي ألا ترتفع درجات الحرارة فيه عن درجة مئوية ونص. بكلمات أخرى، يمكن القول إن هذا الأمر يعني أن ينصبّ تركيز الجهود في عالم الأعمال التجارية على الحدّ من انبعاثات الكربون. وفي هذا السياق، فقد أفضت حساباتنا في “بي تي”، إلى أنه ينبغي لنا خفض انبعاثاتنا من الكربون بنسبة 87 بالمئة بحلول العام 2030، وبنسبة 100 بالمئة بحلول العام 2045، ما سيضعنا على المسار الصحيح باتجاه أن نصبح “شركة خالية من الانبعاثات” قبل العام 2050، وهو ما يرى العلماء أنه الطريقة الوحيدة لتجنّب الآثار الكارثية المترتبة على التغيّر المناخي.

وهنا تماماً يأتي الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه التقنيات الحديثة بطريقة مدهشة؛ إذ يمكننا استغلال التحوّلات التقنية الواسعة التي نشهدها على كل صعيد لدعم أهدافنا المتمثلة في محاربة التغيّر المناخي. ومن المهمّ الإشارة إلى أن قطاع تقنية المعلومات والاتصالات يختلف عن القطاعات الأخرى من ناحيتين رئيستين؛ أولاهما أنه يقلل من بصمته الكربونية سنوياً، فقد التزمت شركات التقنية والاتصالات الرائدة في العالم مثل “جوجل” و”أبل” و”أمازون” وهنا في “بي تي”، بأن تكون الطاقة المستهلكة لديها متولدة بنسبة 100 بالمئة من مصادر متجددة بحلول العام 2020. وقد وصلت “بي تي” إلى هذه النسبة في المملكة المتحدة، بما يشمل شركة “إي إي”، كبرى شركات الهاتف المحمول في البلاد، والتي تخدم 30 مليون عميل.

ويمكن ملاحظة النتائج على أرض الواقع؛ إذ انخفض إجمالي الانبعاثات في القطاع الرقمي بنحو 15 بالمئة بين العامين 2010 و2015 . وتشير التوقعات إلى أن الانبعاثات في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات ستكون أقل من اثنين بالمئة من الانبعاثات الكربونية العالمية بحلول العام 2030، وهو ما يُعتبر كذلك أمراً محموداً على مستوى الإنتاجية، فقد استطاعت “بي تي” أن توفّر جرّاء التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة المقترن بكفاءة استخدام الطاقة، 250 مليون جنيه إسترليني خلال العقد الماضي.

أما الناحية الرئيسة الثانية، ولعلّها الأهم، فتتمثل في قدرة القطاع الرقمي على مساعدة القطاعات الأخرى على أن تكون أكثر استدامة. فلو أخذنا الطاقة المتجددة على سبيل المثال، نجد أننا سوف نكون بحاجة، في ظلّ إمداداتها المتقطعة، إلى شبكة ذكية تعمل على تحقيق التوازن بين إمدادات الطاقة والأحمال الاستهلاكية، وهو ما أصبح ممكناً بفضل التقنيات المتصلة.

وينطبق الشيء نفسه على قطاع النقل؛ فيمكن للمسافرين المتوجهين إلى الوجهات نفسها على متن أسرع وسائل النقل، وفي الوقت المناسب، أن يساعدوا في تجنّب الاختناقات المرورية في المدن. وفي هذا السياق، نجد أبحاثاً حديثة تشير إلى أن التقنيات المتصلة قادرة على خفض أعداد السيارات بنحو 20 مليون سيارة بحلول العام 2025 ، إذ ستجعل التقنيات الحديثة المركبات الكهربائية والمركبات ذاتية القيادة وسيلة المواصلات الاعتيادية، ما يساهم في الحدّ من تلوث الهواء وجعل شوارعنا أكثر سلامة وأماناً.

أظهرت دراسة حديثة أجرتها منظمة GeSI العالمية غير الحكومية التي تركّز جهودها على تعزيز الاستدامة في قطاع التقنية، ما يمكن للتقنيات المتقدمة تحقيقه على نطاق واسع في هذا الصدد. وبيّنت الدراسة أن كل طنّ من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من قطاع التقنية، يمكنه توفير ما يصل إلى 10 أطنان في قطاعات الاقتصاد الأخرى.

كذلك أورد الصندوق العالمي للطبيعة في تقرير حديث  ما مفاده أن الدور الأكبر الذي يمكن أن يلعبه القطاع الرقمي يتمثل في المساهمة بتقديم حلول فعالة لغيره من القطاعات، والتأثير في سلوك المستهلكين والمنتجين، ودفع عجلات التحوّل في أنظمة الطاقة. إن التقنية كفيلة عبر الابتكار بمساعدتنا على تمهيد الطريق نحو الاقتصاد المستدام.

ولا يقتصر الأمر بطبيعة الحال على استخدام التقنيات الحديثة في أماكن العمل، إذ يمكن لمعظم الشركات فعل المزيد على امتداد سلاسل التوريد التي تتعامل معها، وقد يساعد توضيح أهداف الاستدامة للموردين في تسريع عملية التحوّل المنشودة.

ونحن في “بي تي” ندعو موردينا الرئيسين إلى الدخول في منافسات نسميها “تحدي تغيير قواعد اللعبة”، لتشجيعهم على الابتكار في سبيل أن تصبح منتجاتنا أكثر استدامة، وهذا الأمر من شأنه إرسال رسائل إلى الموردين بأهمية الاستثمار في حلول جديدة، تساهم بالتالي في خلق أسواق جديدة مستدامة، وخير مثال على هذا الأمر هو التركيز العالمي الراهن على البلاستيك وبدائله.

لقد بدأ الوقت يداهمنا مع اقتراب العام 2020، ولن يتولى قيادة الرأسمالية المسؤولة سوى الشركات التي تعدّ نفسها من خلال التكيّف مع التقنيات الجديدة المبتكرة، واستخدامها لإحداث التغيير المطلوب في نماذج أعمالها بما يتلاءم مع المستقبل المستدام الذي ننشد الوصول إليه. لذلك فإننا بالتعاون فيما بيننا وبين موردينا، مثلاً، سنجد أن التكيّف يصبح أسرع وأسهل وأكثر نفعاً لأعمالنا التجارية.

للاطلاع على  أحدث الأخبار  و أخبار  الشركات من السعودية والإمارات ودول الخليج تابعنا عبر تويتر  و  لينكد إن وسجل اعجابك على فيسبوك واشترك بقناتنا على يوتيوب  والتي يتم تحديثها يوميا