Posted inمجتمع

كيف همست “نادين لبكي” بعلاقات الحب في “كاراميل”

يبدو أن المخرجة اللبنانية “نادين لبكي” قد تعمدت عنونة فيلمها الروائي الأول بـ “سكر بنات” أو”كراميل” في نسخته الفرنسية، فـ “السكر” في الفيلم يحضر منذ لحظات الفيلم الأولى.

كيف همست "نادين لبكي" بعلاقات الحب في "كاراميل"

يبدو أن المخرجة اللبنانية المتخصصة في إخراج الفيديو كليب المصاحب للأغاني “نادين لبكي” قد تعمدت عنونة فيلمها الروائي الأول بـ “سكر بنات” أو”كراميل” في نسخته الفرنسية، فـ “السكر” في الفيلم يحضر منذ لحظات الفيلم الأولى، والكاميرا تركز على مشاهد بعينها منذ بداية نزول التتر، حيث يظهر السكر في المقدمة وفي سياق الفيلم في عدة مشاهد.
منها : كيفية حرق السكر وصناعة الكراميل المستعمل في إزالة الشعر والتي لا تستغني عنها النساء، وأيضاً يظهر عندما تضعه بطلات الفيلم في الشاي أو العصير، و تنكشف أيضاً أهمية سكر البنات/الكراميل عند الرجال “لنتف” الشعر الزائد ،كما ظهر في إحدى مشاهد الفيلم، ومع هذا وذاك فالبنات في الفيلم يتلذذن بأكل الكراميل ومصه قبل استعماله في عمليات إزالة الشعر، في إشارة أيروتيكية موحية بما وراء استعماله في تنعيم أجساد النساء ليبدون أكثر إثارة، وفوق ذلك استخدامه للانتقام من الحبيب، أن لزم الأمر، عقاباً له إذا ما تأخر عن موعد غرامي(!) هكذا هو سكر البنات التي تكشف عنه “ليال” بطلة فيلم سكر بنات.

تأتي المخرجة الشابة “نادين لبكي” التي كانت قد حققت فلماً سينمائياً قصيراً بعنوان “11 شارع باستور”، وبعد ما صورته من أفلام “فيديو كليب” لنانسي عجرم، ما جعل الكثيرين يعتقدون بأن حلمها السينمائي تحقق كمخرجة (كليب) وحسب . لكنها في “كاراميل” تثبت مقدرتها في قيادة دفة فيلم روائي طويل وبحرفية عالية ، إذا ما تجاوزنا عن خنق المشاهد باللقطات “الكلوز أب” ، التي كونت شخصية الفيلم الصورية، فلم تظهر سوى لقطة واحدة واسعة “بانوراما” ، وما يزيد الغرابة في نهاية الفيلم حيث ينزل على الشاشة عبارة إهداء :”إلى بيروت” . فأين هي بيروت في اللقطات القريبة جداً . لا شوارع ، لا مارة ، لا بنايات ، لا بحر ، لا ضجيج بيروت .. أين هي بيروت في هذا الفيلم الخانق (صورياً) الجميل(طرحاً) ؟

في كفة مقابلة تميز الفيلم بإتقان فن التفاصيل والاختصار، والإيحاء من دون التصريح، والتلميح بلا تشريح ، ذلك أن الوعي بحرفيات الواقع القاسي الذي تعيشه المرأة إنما هو كذلك واقع خفي تحسه بالتأمل الدقيق، الذي يتطلب الوقوف على وجود الحب كأساس يكشف ذلك الواقع، وهذا ما فعلته المخرجة في الفيلم الذي كتبته ومثلت فيه الدور الرئيس. ليس دوراً رئيساً تماماً، بل هو دور واحدة من فتيات يماثلنها سناً، يعملن معاً في صالون للتجميل. حيث يتابع المشاهد يوميات فتيات منذ فتح الصالون صباحاً حتى إغلاقه مساء، ليجد الحياة تسير بالفتيات هادئة أحياناً صاخبة في حين آخر.

كل التفاصيل يتلمسها المشاهد بشفافية موحية وغير مصرحة،  تدور أمامه وكأنها نمط حياة وأسلوب معيشة: غراميات عابرة، رغبات مكبوتة، شجارات صغيرة، ضوابط اجتماعية صارمة، ضحكات ودموع ، خطبة وزواج، وصولاً إلى عملية ترقيع غشاء البكارة لواحدة من الفتيات (ريما) كانت فقدته في علاقة جنسية سابقة ..والآن تريد استرجاعه وقد اقترب عرسها .

تصور أحداث الفيلم يوميات ثمانية نساء، أربعة منهن رئيسات : “ليال” أو (نادين لبكي) فتاة مسيحية في الثلاثينات من عمرها، وعلى علاقة سرّية برجل متزوج لا يظهر في الفيلم نهائيا يلتقيها في أوقات فراغه ويمارس معها الحب، بينما تكرس هي حياتها لحبه وتترك عملها للقاءاته المتكررة، إلى الحد الذي تغامر بسمعتها في استئجار غرف في فنادق العاهرات للاحتفال معه بالحب، موقنة بأنها في حالة انتظار للفوز بقلب الحبيب، وتفصح عن ذلك بقولها (لك ياعمي أنا حياتي كِلاّ متوئفي على زموّر) في إشارة إلى انتظار بوق سيارة حبيبها .. ثم “نسرين” (تجسدها ياسمين المصري (فتاة مسلمة في نهاية العشرينات على وشك الزواج من شاب تحبّه، ولا يعرف أنها غير عذراء، “ريما” (تجسدها جوانا مكرزل) في العشرينات أيضاً، منغلقة على ذاتها، وتعيش صراعاً مع هويتها الجنسية، فهي لها صفات ذكورية أنثوية ترفض إقامة علاقة مع رجل بينما تميل إلى مغازلة حسية لفتاة جميلة .. والفتاة/أو السيدة الرابعة “جمال” (تؤديها جيزيل عواد (تطمح لتكون ممثلة، وتعني بجمالها بشكلٍ خاص، غير أن لديها مشكلة مع تقدّمها في السن، وأخيراً “روز” الخياطة (سهام حداد) التي تعمل في محل بالقرب من الصالون، امرأة في الستينات، متحفظة، ضحت بحياتها لأجل شقيقتها الكبرى “ليلى” المختلة عقلياً، بسبب صدمة حب قديم، (تمثل الدور عزيزة سمعان المدهشة في تلقائيتها وطرافتها) التي تقدم باعتبارها (مبروكة) أو (مجنونة) تلملم الأوراق من الشوارع، وتعامل هذه الأوراق باعتبارها رسائل حب أرسلها حبيبها إليها وضلت الطريق.. وهكذا تجسد ليلى الشخصية الأكثر وضوحا وتعبيرا في الفيلم عن نساء بيروت الباحثات عن الحب والحياة. 

 

ويحدث أن تغرم روز بزبون عجوز يأتي لتحيك له الملابس، ولكنها تكتشف بحسرة أنها كبرت على الحب. . هؤلاء النسوة يجتمعن في منطقة أنوثتهن، ومشكلاتهن الشخصية، ويتباين تماماً في خلفياتهن العقائدية والطائفية والثقافية، ولكن عندما يلتقين تذوب هذه الفوارق، ويصبحن كتلة نسوية واحدة في مواجهة المجتمع والحياة. بالتأكيد لكلٍ منهن طريقتها الخاصة في التعامل مع مشكلتها الشخصية، لكن بفضل وحدتهن، تصبح غربتهن أكثر ألفة حين يجتمعن، وحين تنضح النكات والقفشات، فتصدح ضحكاتهن الجذلى، ويصبح السكر شريكاً يحلي لهن الليالي الداكنة .

 

غير أن الفيلم لا يحول أياً من هذه التفصيلات إلى أحداث درامية حادة. حتى واقعة ترقيع غشاء بكارة “نسرين” أو قصة حب “ليال” و الرجل المتزوج ، أو علاقة “ريما” بالفتاة المثلية ،كلها ستنتهي بهدوء، وستنتقم “ليال” (عن طريق “النتف” بكاراميل السكر) من زوجة حبيبها. ستنتهي لتستبدل بحكاية غرام أخرى مع شرطي مرور لا يتوقف عن ملاحقتها. ولذلك ستنتقم منه أيضاً بأن «تنتف» له شاربيه بالكاراميل الساخن وتؤلمه جسدياً ونفسياً.

عالم فيلم «كاراميل» هو عالم قاسي في الظاهر لكنه ليس فجائعياً. وقد آثرت مخرجته ألا تصور الأشرار، فالناس كلهم طيبون. لأن كل شيء عابر وسوف يعدي، كما الحياة نفسها. والجنون هنا جنون “ليلي” ليس تراجيدياً ، وإنما قد يكون نوعاً من الدراما الكوميدية السوداء الخفيفة. وأيضاً قرار “روز” بأن تتخلى عن أملها برجل عجوز بعد أن ضحت من أجل “ليلي” طويلاً، سيقابل بدمعة، لتهتف ليلى بصوت مبحوح، متهدج ومؤثر (أنا بحبك ياروز) ، ثم تسير الحياة كما هي. وجمال صديقة الصالون، لن تنهزم حتى وإن اضطرت إلى إخفاء عمرها المتقدم وسقوطها في تجربة تمثيل بعد الأخرى، ستجد هؤلاء النسوة الحب من حيث يحلمن. فيما تقرر الفتاة الجميلة الغامضة (المثلية ربما) والتي تلاحق ريما في تلميحات جنسية خاطفة ستقص شعرها في النهاية من دون خوف من الأهل، وستخرج إلى الشارع طائرة بفرحتها ونشوتها عبر مشهد شديد الحساسية وكأنه لحظة انعتاق وحرية وخروج طائر من حبسه.

للاطلاع على  أحدث الأخبار  و أخبار  الشركات من السعودية والإمارات ودول الخليج تابعنا عبر تويتر  و  لينكد إن وسجل اعجابك على فيسبوك واشترك بقناتنا على يوتيوب  والتي يتم تحديثها يوميا