Posted inمقالاتآخر الأخبارأخبار أريبيان بزنسسياسة واقتصاد

الاقتصاد الاجتماعي خارطة الطريق لاقتصاد مستدام

الاقتصاد الاجتماعي يمثل نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ويساهم في زيادة فرص العمل

اقتصاد

يعد الاقتصاد الاجتماعي محركاً قوياً للاقتصاد ومكوناً أساسيا لبناء اقتصاد مستدام وذلك من خلال مساهمته في رفع الناتج المحلي الإجمالي للدول بمعايير التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة جميعها – الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، ويُقدِر تقرير للأمم المتحدة أن الاقتصاد الاجتماعي يمثل نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ويساهم في زيادة فرص العمل.

وسجل الاقتصاد الاجتماعي نمواً في نسبة تشغيل العمالة من 12% إلى 20% خلال الأزمة المالية في عام 2008، على النقيض من الخسائر الحادة في الوظائف الذي حدث في القطاعين الخاص والعام.

الاقتصاد الاجتماعي

الاقتصاد الاجتماعي أولوية الدول

يحظى الاقتصاد الاجتماعي باهتمام الدول وبأولوياتها، فلقد حققت الولايات المتحدة الأمريكية 10 % تقريباً نسبة مشاركة الاقتصاد الاجتماعي في الناتج المحلي الإجمالي، فيما تفوقت عليها أستراليا وبلجيكا بنفس النسبة لكيلهما والبالغة 12%، أما فرنسا فلقد شارك الاقتصاد الاجتماعي بنسبة 9% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بناءً على دراسة أجرتها جامعة جونز هوبكنز.

فيما أولت دول المنطقة العربية الاهتمام الاستثنائي للاقتصاد الاجتماعي من خلال جاهزية البنية التحتية وسن الأطر التشريعية للاقتصاد الاجتماعي التضامني والعمل على منظومة عمل تشغيلية مستدامة توحد جميع أصحاب المصلحة ضمن أهم المعايير الداخلية والدولية ودعم القطاع الثالث لتبني أهم الممارسات الناجحة العالمية وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار الاجتماعي والمسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص وتبني ممارسات الاستدامة جميعها بما يعزز فاعلية وكفاءة الاقتصاد الاجتماعي.

وفي دراسة أجرتها الشبكة العالمية للاستثمار الاجتماعي لعام2020، قدرت من خلالها حجم السوق الحالي العالمي للاستثمار الاجتماعي بـ 715 مليار دولار أمريكي ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الاستثمارات الاجتماعية العالمية لعام 2030 إلى 3 تريليونات دولار.

يعد الاقتصاد الاجتماعي نموذجا اقتصاديا يهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في نفس الوقت من خلال التوازن بين العوائد المالية على الاستثمار (ROI) والعوائد الاجتماعية على الاستثمار (SROI)، وذلك من خلال المشاريع والمبادرات التي تعمل على حل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتحسين حياة الناس والمجتمعات والاقتصاد.

يتم تحقيق الاقتصاد الاجتماعي عبر تكامل مجموعة متنوعة من العناصر التشغيلية لهذا القطاع وتشمل أولاً التعاونيات والجمعيات والشركات غير الربحية والمؤسسات التعاونية المالية والمؤسسات الاقتصادية الأخرى، وثانيا المساهمات التطوعية الطوعية سواءً كانت للأفراد أو الشركات وأخيراً مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار في الاقتصاد الاجتماعي عن طريق الاستثمار الاجتماعي والاستدامة لتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل والمسؤولية المجتمعية للشركات.

ومن الناحية التشريعية فتتولى الحكومة إقرار الإطار التشريعي الذي ينظم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من ناحية قانونية الكيانات التشغيلية، والقوانين التشريعية والتنظيمية وحوكمة المصادر والأصول والنتائج إلى قياس الأثر، وتوفير الدعم المالي والتقني من خلال منظومة عمل متكاملة لتشجيع نمو واستدامة الاقتصاد الاجتماعي.

تختلف مسميات الاقتصاد الاجتماعي من مُشرع إلى آخر ومن هيئة أو منظمة أو مركز بحث إلى آخر أو حتى من دولة إلى أخرى وذلك بناءً على الاعتماد التشريعي في تشكيل البنية التحتية الأساسية للاقتصاد الاجتماعي، فمفهوم الاقتصاد الاجتماعي قد يعرف في دولة على أنه القطاع الثالث وفي دولة أخرى على أنه القطاع غير الربحي وفي دولة ثالثة على أنه الاقتصاد التعاوني، الجدير بالذكر على أن المكون الأساسي لجميع تلك التسميات هي التعاونيات أو المنظمات غير الربحية إلى جانب القطاع التطوعي.

ومن جانب آخر فإن الاقتصاد الاجتماعي يتشابه مع القطاع الخاص من كونه يعمل في كافة النشاطات التجارية ولا يقتصر فقط على الجمعيات الخيرية، فمثال على ذلك جامعة هارفرد، فتعتبر الجامعة كيانا غير ربحي تعمل في التعليم والبحث العلمي ،حيث بلغت قيمة عوائدها 42 مليار دولار وتضم أيضا 12 ألف صندوق استثماري تصرف عوائدها بطريقة مستدامة على تطوير التعليم والخدمات الجامعية.

وبنك جرامين (Grameen Bank) يعد مثالاً جيداً على الاستثمار الاجتماعي، حيث تأسس بنك جرامين في بنجلادش لتوفير خدمات مالية وتمويل للفقراء، حيث بلغ المبلغ التراكمي لقروض بنك جرامين منذ إنشائه حوالي 38 مليون دولار أمريكي إلى أكثر من 10 ملايين عضو مقترض، 97% منهم من الأعضاء الإناث، وذلك بعد تطبيق ممارسة حوكمة مصرفية استثنائية، ضمنت معدل استرداد مربح بنسبة 97%.

ومؤسسة مايو كلينك التي تهدف إلى تعزيز التطوير الطبي وتحسين رعاية المرضى من خلال نشاطاتها في تطوير البحث الطبي والتعليم الطبي والرعاية الطبية والتوعية الصحية، حيث تقوم بصرف أكثر من 660 مليون دولار سنوياُ على تطوير البحث العلمي الطبي من خلال أكثر من 3000 باحث.

يتضح لدينا لماذا تولي الدول الاهتمام في الاقتصاد الاجتماعي، فهو نهج اقتصادي يجمع بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وقادراً على تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والابتكار الاجتماعي وتحسين جودة الحياة للفرد والمجتمع، وذلك إذا ما حددت له خارطة طريق واضحة تدعمها قوانين تشريعية مرنة وقوانين تشغيلية ومحاسبية محوكمة وقوانين إدارة مخاطر استشراقية وذلك لمضاعفة الأثر ولزيادة الكفاءة.

نستعرض فيما يلي الركائز العشرة المقترحة لبناء منظومة الاقتصاد الاجتماعي والتي تساعد المُشرع في بناء هيكلية مستدامة ومتحدة مع جميع عناصرها ومتكاملة مع الاقتصاد الوطني ككل.

الركيزة الأولى – تحديد معايير الأهداف

تنبثق دعائم الاقتصاد القوي من تصديه لحل ثلاث مشاكل أساسية وهي إما اقتصادية، أو اجتماعية، أو بيئية، من تحديد هذه المشاكل الثلاث تنتج الأهداف الثلاثة التي يتكاتف القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع الثالث في إيجاد حلول مناسبة لحلها من خلال الاستثمارات أو المشاريع والأعمال والمبادرات والخدمات المختلفة.

وتندرج تحت هذه الركائز الثلاثة وهي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية قدرة الاقتصاد الاجتماعي على العمل في القطاعات المختلفة المكونة للاقتصاد فهي قد تعمل في القطاع الصحي والقطاع الصناعي والقطاعي الخدمي والقطاع التكنولوجي والقطاع البيئي والقطاع الزراعي والقطاع التنموي وهكذا في مختلف القطاعات المكونة للاقتصاد.

الركيزة الثانية – تعريف أصحاب المصلحة

منظومة الاقتصاد الاجتماعي المستدام تربط أصحاب المصلحة الثلاث، وهم القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع الثالث لمصلحة الفرد والأسر المعيشية ضمن علاقات تفاعلية متبادلة تسهم في تحديد معايير الأدوات القياسية للاقتصاد الاجتماعي ضمن مدخلات ومخرجات محددة تتوافق مع النظم والتشريعات الداخلية للاقتصاد الواحد وقد يندمج أصحاب المصلحة مع منظمات وقطاعات خارجية في حال تم تحديد هدف إقليمي أو دولي خارج حدود الاقتصاد الاجتماعي داخلياً.

الركيزة الثالثة – تعيين منظمة موحدة للاقتصاد الاجتماعي

نظراً لتشعب الاقتصاد الاجتماعي فإن تحديد منظمة أو هيئة مستقلة بقراراتها تحفز وتسرع نهوض الاقتصاد الاجتماعي، على أن يكون من وظائفها سن التشريعات والقوانين ومشاركة أصحاب المصلحة داخلياً وخارجياً، ؟ إلى جانب استقطاب الكفاءات، وتسهيل التمويل، ونشر الوعي والتثقيف وتجهيز البنية التحتية للاقتصاد الاجتماعي ودمج القطاعات المكونة للاقتصاد الاجتماعي ضمن منظومة موحدة، إلى غيرها من المهام الأصلية والفرعية.

الركيزة الرابعة – الجغرافية والفترة الزمنية

تحديد جغرافية الاقتصاد الاجتماعي تعمل على تنظيم المعايير الأساسية خلال فترة زمنية محددة، فالأساس في التشغيل هو التشغيل الداخلي لمنظومة الاقتصاد الاجتماعي ضمن اقتصاد الدولة الواحدة، ولكن قد يندمج الاقتصاد الاجتماعي الداخلي مع الاقتصاد الاجتماعي إقليمياً أو دوليا، فدول الاتحاد الأوروبي تعمل كل دولة على حدا وتعمل مجتمعة تحت مظلة الاقتصاد الاجتماعي الأوروبي وذلك كنموذج موحد يمثل إقليما واحدا.

ويمكن أيضاً للاقتصاد الاجتماعي أن يندمج تحت هدف موحد دولي أو تحت منظمة موحدة دولياً كمبادرة التغيير المناخي، يسهم تحديد جغرافية والفترة الزمنية لتشغيل الاقتصاد الاجتماعي على رسم آليات عمل واضحة وتحديد جميع الركائز الأخرى المترابطة فيما بعضها، مما يعطي الدقة والمرونة والكفاءة لأصحاب المصلحة في وضع أطر تشغيلية تتوافق وتلبي معايير الأداء الرئيسية ضمن منطقة محددة وبمدة زمنية محددة، كما تتيح للمشرع على سن تشريعات واعتماد أطر تشغيلية تتناسب مع جميع أصحاب المصلحة سواء داخليا أو إقليما أو دوليا.

الركيزة الخامسة – سن التشريعات واعتماد الأطر القياسية

بعد تحديد الركائز السابقة للاقتصاد الاجتماعي يتوجب على المشرع اعتماد التشريعات والأطر القياسية، وقد تكون ضمن معايير داخلية، أو إقليمية، أو دولية، أو الاندماج فيما بينها بما يتناسب مع اقتصاد الدولة، ويجب أن يتم التركيز حين صياغة القوانين على التوازن ما بين خصوصية كل اقتصاد اجتماعي وبين مرونته ليتماشى من التشريعات والأطر الدولية، فمثلاً قد يكون هنالك نموذج عمل عالمي ناجح لاقتصاد اجتماعي في مكان ما، ولكنه لا ينجح حين تطبيقه في مكان آخر.

الركيزة السادسة – إشراك أصحاب المصلحة

يتوجب على المشرع نشر التوعية والتثقيف بمفهوم الاقتصاد الاجتماعي وأهدافه وذلك من خلال الحملات التوعوية وفعاليات تواصل مع الجمهور المستهدف وتسهيل سبل الاشتراك على أصحاب المصلحة وخصوصاً على دعم القطاع الخاص في المشاركة بالاستثمار الاجتماعي وتعزيز الشركات المحلية والدولية والإقليمية لتحديد الاحتياجات وتطوير الحلول المشتركة، إضافة إلى تعزيز العمل التطوعي من خلال الأفراد والشركات بانتهاج نهج تثقيفي وتوعي وشفاف قادر على إشراك أصحاب المصلحة والتأكد من مشاركة تجربتهم وتقيمها ومشاركة آرائهم ومخاوفهم وتوجيهاتهم.

الركيزة السابعة – التمويل المستدام

من أكثر التحديات التي تواجه الاقتصاد الاجتماعي ضمان وجود تمويل مستدام لتحقيق العوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وهنا يتوجب اتحاد أصحاب المصلحة لتحقيق تلك العوائد وهم الحكومة والقطاع الخاص والقطاع الثالث والمنظمات الدولية والإقليمية، فالحكومة يجب أن تعمل على ثلاثة محاور في التشجيع والتسهيل والمكافآت من خلال التشريعات المرنة أو تسهيل القروض والتمويل التعاوني وتحفيز الاستثمار الفاعل لجذب المستثمرين على الاستثمار الاجتماعي سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات أو صناديق استثمارية اجتماعية، وقد تكون تندمج بعض المنظمات الدولية أو الإقليمية في تمويل الاستثمار الاجتماعي في حال كانت أهداف الاستثمار الاجتماعي دولية مثل العمل على مشكلة التغير المناخي.  

الركيزة الثامنة – المنظومة التقنية

يتميز الاقتصاد الاجتماعي المستدام في أنه يرتكز على التوازن ما بين العوائد المالية على الاستثمار والعوائد الاجتماعية، واستدامة هذه العوائد، وتتفاوت العوائد المحققة على الاقتصاد الاجتماعي بحسب تفاوت المدخلات والمخرجات وطريقة قياسها وتفعيلها وغيرها من العوامل مثل بناء منظومة تقنية سحابية تعمل على استخدام التكنولوجيا المالية (الفنتك) والتمويل التشاركي (كرودد فاندينج) والذكاء الاصطناعي وغيرها. 

الركيزة التاسعة – الاستدامة

تكامل أبعاد الاستدامة الثلاث وهي استدامة الأصول والموارد واستدامة التشغيل واستدامة الأهداف في منظومة الاقتصاد الاجتماعي توفر بنية تحتية راسخة وثابتة للاقتصاد الاجتماعي، فاستدامته الأصول والموارد تعمل على ضمان فاعلية الاقتصاد الاجتماعي لمدة زمنية أطول، كما وان استدامة التشغيل تعمل على زيادة كفاءات الاستثمارات الاجتماعية وذلك باعتماد أطر تشغيلية مستدامة مختلفة، أما استدامة الأهداف فهي تعمل على ضمان استمرارية الاقتصاد الاجتماعي على التصدي للتحديات المنوطة بأهداف التنمية المستدامة.

الركيزة العاشرة – التقييم وقياس الأثر

وجود نظام اقتصاد اجتماعي راسخ يعتمد على وضع منظومة اقتصاد اجتماعي تحمل ثلاث ميزات أساسية وهي كونها رقمية، واضحة، ومرنة، مما يتاح للمشرع من وضع الأهداف وشفافية قراءتها وسهولة تشغيلها وقراءة معايير الأداء الرئيسية لكل مرحلة تشغيلية مع مرونة المنظومة في التعديل على العمليات المصاحبة لكل ركيزة، مما يضمن فعالية قياس الأثر وتبادل أفضل الممارسات ما بين نماذج العمل المختلفة سواءً كانت ضمن المنظومة الواحدة داخلياً أو من خلال النماذج المبتكرة للاقتصاد الاجتماعي المستدام دوليا.

ختاماً نؤكد على أن تحديد هوية الاقتصاد الاجتماعي من أهم عناصر نجاح وتميز هذه المنظومة وان خصوصية الركائز الأساسية للنظام الاقتصادي الاجتماعي هي ما تميز دولة عن أخرى وذلك وفقاً لخصوصية كل دولة على حِدة ووفقاً للسياق الاقتصادي والاجتماعي الخاص بها، وان منظومة الاقتصاد الاجتماعي تعتبر القوة الاقتصادية والسلاح الفعال لتحديث خارطة الطريق في تحقيق تنمية مستدامة وتعزيز اقتصاد فعال وذا أثر قادر على التصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وأيضاً قادراً على استشراف التحديات المستقبلية الممكنة.

للاطلاع على  أحدث الأخبار  و أخبار  الشركات من السعودية والإمارات ودول الخليج تابعنا عبر تويتر  و  لينكد إن وسجل اعجابك على فيسبوك واشترك بقناتنا على يوتيوب  والتي يتم تحديثها يوميا
رولا حجاوي

رولا حجاوي

الدكتورة رولا عادل حجاوي المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة فيذا المتخصصة في التسويق المستدام وشركة لوانا للاستشارات...