يحكى أن إحدى محاكم نيويورك، شهدت في غابر الأزمان، أحداث قصة مؤثرة ومعبرة جداً.
فقد كان فيها على ذمة الراوي، حاكم يدعى «لاجارديا» وكان مشهوراً بالحزم والعدل، وبالإنسانية أيضاً. وذات يوم وقف أمامه رجل عجوز متهم بسرقة رغيف خبز، وكان العجوز يرتجف خوفاً، وهو يقول مدافعاً عن نفسه، أنه أضطر لسرقة رغيف الخبز، لأنه كان سيموت جوعاً.
عندها قال له الحاكم “أنت إذاً، تعترف أنك سارق ولذلك فأنا أعاقبك بغرامة 10 دولارات”.
بعدها ساد المحكمة صمت مليئ بالدهشة، قطعة الحاكم بأن أخرج من جيبه 10 دولارات أودعها فى خزينة المحكمة نيابة عن المتهم بالسرقة، ثم خاطب الحاضرين وقال: هذه الـ10 دولارات لا تكفي، بل لابد أن يدفع كل واحد منكم (من أعضاء المحكمة) 10 دولارات لأنه يعيش فى بلدة يجوع فيها رجل عجوز، ويضطر أن يسرق رغيف خبز ليأكل.
وبعد ذلك خلع القاضى قبعته، وأعطاها لأحد المسئولين، فمر بها على الموجودين وجمع من كل واحد منهم غرامة 10 دولارات، دفعوها عن طيب خاطر، وبلغ مجموع الغرامات، وفقاً للرواي، 480 دولار أعطاها الحاكم للعجوز، مرفقة بوثيقة اعتذار من المحكمة. هذا ما حدث في أمريكا، في سالف العصر والزمان.
أما في اليابان، فهناك “الرغيف العجيب” وهو مسلسل رسوم متحركة ياباني مقتبس من سلسلة مانغا للمؤلف الياباني تاكاشي ياناسي. الرغيف العجيب هو اسم النسخة العربية من المسلسل، واسمه في المسلسل الياباني الأصلي هو: سوريكي! أنبانمان.
وقد بدأ المؤلف في كتابة سلسلة المانغا منذ عام 1968، أما المسلسل فبدأ عرضه في اليابان عام 1988 وهو يعتبر من أكثر مسلسلات الرسوم المتحركة شعبية هناك، واستنادا إلى إحصائية أجرتها شركة بانداي (بالإنكليزية: Bandai) عام 2005، فإن «أنبانمان» هو الشخصية الخيالية الأكثر شعبية بين الأطفال اليابانيين حتى عمر 12 عاماً. أما الشخصية الرئيسية في المسلسل، فهي مصنوعة من الخبز ونقطة ضعفها هي الماء!.
اسمحوا لي أن أذهب بعيداً عن أمريكا واليابان، وأن افتش عن قصص الخبز في بلادنا العربية.
في الواقع، وجدت قصصاً تحكي عن طوابير الخبز، أكثر مما تحكي عن الخبز، وعن رغيف الخبز بحد ذاته.
ولعلمكم، فإن هذه الطوابير ترعرعت ونمت في الدول العربية أكثر من غيرها من دول العالم. وهي لا زالت موجودة في الكثير الكثير من الدول العربية، من الحديدة جنوباً في اليمن، إلى القامشلي والرقة شمالاً في سورية، مروراً إلى المدن السودانية والمصرية.
وقد مات كثيرون في تلك الطوابير، إما نتيجة التعب أو الأزمات القلبية، أو نتيجة للاشتباكات والخلافات التي كانت تحصل بين الحين والآخر بين الواقفين فيها، لدرجة أن الدكتور خالد حنفى وزير التموين المصري اندفع قبل أشهر للقول “أن القضاء على طوابير الخبز، سيكون أهم أولوياته في المرحلة المقبلة”.
وقد فاجأنا الوزير قبل أيام عندما أعلن أن بلاده حدّدت 150 رغيفاً شهرياً للمواطن المصري من الخبز المدعوم، وذلك بالتزامن مع بدء العمل بمنظومة جديدة لتوزيع الخبز بالبطاقات التموينية الذكية بهدف الحد من تهريب الدقيق المدعوم من جانب الحكومة. ويبلغ متوسط عدد الأرغفة للمواطن المصري يومياً الآن قبل تنفيذ النظام الجديد حوالى 3 أرغفة. وقد اعتبر الوزير حنفي “أن النظام الجديد لبيع الخبز سيحفظ للمواطن كرامته”.
أتمنى من كل قلبي أن تحفظ كرامة المواطن المصري والسوري واليمني والسوداني، وكرامة كل المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج، ليس فقط في ما يتعلق بالرغيف، بل بكل مسائل الحياة الأخرى وما أكثرها.
بقي أن أقول أن طوابير الخبز هي ماركة عربية بامتياز، لم أشاهدها إلا عند العرب الأشاوس، في تاريخهم الحديث… إحفظوا كرامتنا، حفظكم الله!.