تعلو أصوات سعوديين كثر، في الآونة الأخيرة، تطالب بالاستغناء عن نحو 50 ألف عامل وافد من العمالة غير الماهرة، يعملون في محطات الوقود المنتشرة في مختلف مناطق المملكة، على أن يتولى الزبون تعبئة الوقود ودفع الحساب بنفسه.
وهذه المطالبات ليست جديدة، إذ قال الكاتب السعودي عبد اللطيف الملحم في مقال نشرته صحيفة “اليوم” السعودية في أغسطس/آب 2017 “قد لا يعرف الكثير بأن عدد محطات البنزين في المملكة يعتبر الأكثر في العالم وتعتبر اليد العاملة في هذه المحطات هي الأعلى فيما يخص نسبة توظيف اليد الأجنبية. فحسب ما هو معروف بأنه من شبه المستحيل أن تجد مواطناً سعودياً يقوم بالعمل في هذه المحطات خاصة في وظيفة من يقوم بتعبئة السيارات بالوقود”.
وتحت عنوان “محطات البنزين.. لماذا العمالة الزائدة؟“، قال الكاتب إن “محطات البنزين تعتبر أحد أهم نقاط جلب اليد العاملة غير الماهرة إلى المملكة. والسؤال الذي يطرحه الكثير هو كيف لدولة مثل المملكة، والتي هي أيقونة صناعة النفط وتكنلوجيا الطاقة، لم تقم بإبدال عامل تعبئة الوقود بمشروع بسيط، يساعد على تخفيض التكلفة على مالك المحطة وكذلك التخلص من تواجد عمالة غير مدربة في المملكة”.
وتابع “كل ما هو مطلوب، أمر بسيط، قد تم تطبيقه منذ زمن في كثير من الدول وخاصة الصناعية. فهناك آلات لتعبئة البنزين يتم فيها استخدام بطاقات الائتمان وبطاقات الصرف الآلي؛ للدفع، ومن ثم يقوم قائد المركبة بتعبئة الوقود بنفسه دون الحاجة للعامل. ومكائن الوقود هذه لها فوائد كثيرة ومنها أنك تحتاج لشخص واحد للتواجد في المحطة كمشرف، وليس وجود أعداد كبيرة من العمال يصل إلى أكثر من خمسة عمال في كل فترة عمل. ووجود مضخات البنزين بواسطة استخدام البطاقات يساعد على عدم وجود أموال عرضة للسرقة أو الضياع في محطة البنزين”.
“إغلاق وقت الصلاة”
قال الكاتب أيضاً “أمر آخر وهو أن أي قائد مركبة يستطيع أن يقوم بتعبئة الوقود في أي وقت، وبهذا لا يوجد تعارض مع ظاهرة إغلاق محطات الوقود وقت الصلاة لأوقات تصل إلى حوالي نصف ساعة. وإغلاق محطات الوقود أوقات الصلاة قد يصادف أمراً طارئاً يحتاج فيه قائد المركبة للتوجه إلى مقصده. وهذا أمر يزداد تعقيداً أيام الجمعة والتي تصل ساعات إغلاق محطات الوقود إلى أكثر من ساعتين في فترة صلاة الجمعة”.
وختم مقاله قائلاً “إن توفير مثل هذه الآلية لتعبئة الوقود باستخدام البطاقات وكذلك قيام قائد المركبة بتعبئة الوقود بنفسه يجعل الأمر أكثر أمانا أيضا فيما يخص أي نوع من التلاعب. وكذلك من الممكن أن يتم إدارة ومراقبة حيز مضخات البنزين وسط المحطة يتم بواسطة موظف واحد فقط، من السهولة أن يقوم بها مواطن دون الحاجة لاستقدام يد غير مدربة عملها فقط أن تملأ خزان وقود”.
محطات الوقود.. من العامل إلى المشرف
تحت عنوان “التحوّل في محطات الوقود.. من العامل إلى المشرف“، قال الكاتب السعودي فراس طرابلسي في مقال نشرته صحيفة “عكاظ” يوم الجمعة الماضي إنه “خلال الأسابيع الماضية، بدأت بعض محطات الوقود في المملكة تطلب من العملاء سداد قيمة الوقود مقدّماً قبل التعبئة، في خطوة تهدف إلى الحد من حالات التهرّب أو الخلاف حول الدفع”.
وأضاف الكاتب إنه على الرغم من “أن هذه الخطوة بدت في ظاهرها إجراءً احترازياً محدوداً، إلا أنها تعكس حاجة أعمق إلى إعادة تنظيم نموذج الخدمة بأكمله داخل هذا القطاع الحيوي، بما يتناسب مع التحوّلات التي تعيشها المملكة في مختلف المجالات التشغيلية والخدمية. فالمشهد التقليدي لمحطات الوقود، حيث يقف عامل تحت الشمس يعبئ المركبات واحدة تلو الأخرى، ويتلقى النقد يداً بيد، لم يعد متّسقاً مع التطوّر التقني الذي يعيشه العالم، ولا مع طبيعة الخدمات الحديثة التي باتت تُبنى على السرعة، والانضباط، والتقنية، والأمان”.
وتابع “في أغلب دول العالم، انتقلت محطات الوقود من كونها نقطة تعبئة إلى أنظمة تشغيل ذكية قائمة على التعبئة الذاتية. ففي الولايات المتحدة وأغلب دول أوروبا، يعبئ السائق وقوده بنفسه عبر أنظمة دفع إلكترونية فورية، ثم يغادر خلال دقائق دون تعامل مباشر مع العامل. بينما في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، يوجد مشرفون محترفون يشرفون على العمليات، ويراقبون كاميرات السلامة، ويتدخلون عند الحاجة، ويضمنون سير العمل بانسيابية واحتراف”.
وقال “تُسهم هذه النماذج الحديثة في تقليل الاحتكاك البشري المباشر داخل المحطات، ما يحد من احتمالات انتقال العدوى أو الميكروبات، خصوصاً في الفصول الحارة أو أثناء موجات الأمراض الموسمية. فمضخة الوقود تُستخدم يومياً من مئات الأشخاص، وبعض الدراسات أشارت إلى أنها من أكثر الأسطح لمساً في المرافق العامة، وهو ما يجعل التحوّل إلى التعبئة الذاتية والإشراف الذكي خياراً أكثر أماناً وصحة للمجتمع”.
وتابع أن “هذه التجارب الدولية تُظهر أن التحوّل من العامل إلى المشرف ليس استغناء عن الوظائف، بل ترقية لها. فبدل أن يكون العمل يدوياً متكرراً ومجهداً، يصبح إشرافياً منظّماً يركز على الجودة والمساءلة. والمملكة اليوم، وهي تمضي في مسار التحوّل الوطني، مؤهلة لتبني هذا النموذج بما يعكس توجهها نحو الارتقاء بنوعية الوظائف، لا عددها فقط”.
وأضاف “ومن هذا المنطلق، قد يكون من المناسب التفكير في إطلاق برنامج وطني لتأهيل مشرفي محطات الوقود، عبر معهد متخصص يُعنى بتدريب السعوديين على إدارة التشغيل، ومتابعة جودة الوقود، وفحص المضخات، والتأكد من الالتزام بمعايير السلامة والبيئة. فوجود كوادر وطنية مؤهلة سيمنح القطاع استقراراً تشغيلياً ويضمن الرقابة الميدانية المستمرة”.
سعودة المهنة
قال الكاتب أيضاً إن “هذا التوجّه سيسهم في خلق آلاف الوظائف اللائقة، بحد أدنى للرواتب يوازي طبيعة المهام الإشرافية ومسؤولياتها. وظيفة تجمع بين الجدية المهنية والكرامة الإنسانية، وتُعد امتداداً طبيعياً لفلسفة (السعودة النوعية) التي تسعى الدولة لترسيخها. فبدل أن تظل المحطات رهينة لعمالة مؤقتة بلا مسار مهني، يمكن تحويلها إلى بيئة عمل سعودية محترفة تقوم على الانضباط، والمساءلة، وتطوير الأداء”.
وأضاف “لن يقتصر الأثر على الجوانب التشغيلية فحسب، بل سيمتد إلى تعزيز الثقة والشفافية في هذا القطاع. إذ سيحد وجود مشرف وطني مدرب من احتمالات التلاعب في نوعية الوقود أو كميات الضخ، ويضمن مطابقة المعايير عبر مراقبة دقيقة للمضخات، والجرد اليومي، والأنظمة الإلكترونية. وهو ما سيعيد الثقة بين المحطة والمستهلك، ويحوّلها إلى نموذج مصغر لإدارة الجودة والرقابة الفورية.
وختم قائلاً “إن محطات الوقود رغم بساطة دورها الظاهري، تمثّل واجهة يومية لمفهوم الخدمة والانضباط. والتحوّل فيها من العامل إلى المشرف ليس تغييراً في الوظيفة، بل في الوعي. هو انتقال من ثقافة التنفيذ إلى ثقافة الإشراف، من اليد العاملة إلى الفكر المنظم، ومن العشوائية إلى المهنية. وهي خطوة صغيرة في ظاهرها، لكنها تعبّر بعمق عن وطنٍ يقرر أن يرتقي حتى في طريقة تعبئته للوقود”.
“زيادة عدد الوافدين”
تحت عنوان “الأعمال الهامشية.. وزيادة عدد الوافدين“، قال الكاتب السعودي علي الشدي في مقال نشرته صحيفة “الاقتصادية” السعودية اليوم الأحد “يدور حديث هذه الأيام حول اقتراح الاستغناء عن عمال محطات البنزين بحيث يقوم الزبون بالمهمة ويدفع الحساب. ويكون هناك عدد محدود من المشرفين السعوديين وهذه الفكرة لو طُبقت ربما يتم بموجبها الاستغناء عن نحو 50 ألف عامل عادي، حيث إن عدد محطات البنزين تصل إلى 10 آلاف محطة بمعدل 5 عمال على الأقل. وفي كثير من دول العالم لا توجد هذه الخدمة الهامشية التي ترهق صاحب المحطة”.
وأضاف أن “الأهم من ذلك الأثر على الاقتصاد الوطني، كما أن هناك جانب مهم وهو تعويد الناس على خدمة أنفسهم بأمانة يعاقب من يخل بها”.