الاقتصاد المصري يواصل مسيرة التعافي رغم التحديات الجيوسياسية التي تواجه المنطقة، بالإضافة إلى التداعيات الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها على مدخلات الإنتاج والاستهلاك. هذا بجانب التحديات الناتجة عن إغلاق البحر الأحمر أمام حركة الملاحة، مما يضيف عبئًا إضافيًا على الاقتصاد.
في هذا السياق، أعلن البنك الدولي عن تثبيت توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال الأعوام 2024 و2025 و2026 بمعدلات تصل إلى 2.8% و4.2% و4.6% على التوالي. ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل، أبرزها العوائد المتوقعة من مشروع تنمية منطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي، والذي أبرمته مصر مع الصندوق السيادي لدولة الإمارات. المشروع يمثل استثمارًا أجنبيًا مباشرًا بقيمة 35 مليار دولار، تشمل 11 مليار دولار كودائع إماراتية لدى البنك المركزي المصري، يتم تحويلها لصالح المشروع، بالإضافة إلى 24 مليار دولار كسيولة نقدية تسلمتها مصر بالفعل.
إلى جانب ذلك، تلقت مصر حزمة من التمويلات الدولية لدعم اقتصادها، بلغ إجماليها 58 مليار دولار، بما في ذلك مليار دولار من الاتحاد الأوروبي مؤخرًا. هذه التدفقات المالية دفعت وكالات التصنيف الائتماني العالمية مثل “فيتش”، و”موديز”، و”S&P جلوبال” إلى تحسين نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من “مستقر” إلى “إيجابي”.
وفي تقريره، أشار البنك الدولي إلى أن القطاع الخاص يمثل حجر الزاوية لتحقيق الازدهار الاقتصادي في مصر، خاصة مع التغيرات السريعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي والمحلي. وقد اتخذت مصر خطوات أولية نحو خلق بيئة أعمال أكثر دعمًا لنمو القطاع الخاص.

وشدد التقرير على أهمية الحفاظ على وتيرة عمل سريعة من خلال شراكة فعّالة بين الحكومة والقطاع الخاص وأصحاب المصلحة، لتمكين المؤسسات الاقتصادية وتعزيز دور القطاع الخاص في الابتكار وزيادة الإنتاجية.
وأشار التقرير أيضًا إلى أهمية دور القطاع الخاص في خلق فرص العمل، حيث نما عدد السكان في سن العمل بمعدل 1.2 مليون نسمة سنويًا خلال السنوات الخمس الماضية. ومع ذلك، يواجه القطاع الخاص تحديات ناجمة عن الصدمات الاقتصادية العالمية، حيث بلغ متوسط الاستثمار الخاص في مصر خلال العقد الماضي 6.3% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يعادل خُمس المتوسط في الدول ذات الدخل المتوسط.
لكن مصر وضعت أهدافًا طموحة لتحقيقها بحلول عام 2030، تشمل رفع نسبة مساهمة الاستثمار الخاص إلى 65% من إجمالي الاستثمارات، وجذب 60 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة سنويًا، وزيادة حجم الصادرات إلى 145 مليار دولار سنويًا.

ولتحقيق هذه الأهداف، اتخذت مصر مجموعة من الإجراءات منها توحيد سعر الصرف، وإصلاح اختلالات سوق النقد الأجنبي، وإصدار قوانين جديدة لتحسين البيئة التشريعية لأنشطة الأعمال. كما تواصل تنفيذ سياسة ملكية الدولة، التي تهدف إلى تنظيم دور الدولة في الأنشطة الاقتصادية، مما يسهم في خلق بيئة أكثر انفتاحًا ودعمًا لنمو القطاع الخاص.