بدأ نشطاء إسبان وعرب فلسطينيين يجمعهما “الشتات” بما آلت إليه أحوالهم منذ العام 1948 للفلسطينيين ومنذ العام 2011 لأشقائهم السوريين، بالعمل على تطوير شخصية “حنظلة” الرمز الذي ابتدعه الفنان الشهيد ناجي العلي في رحلة “التيه” الفلسطيني.
ويمثل حنظلة صبياً في العاشرة من عمره، ظهر لأول مرة في الكويت العام 1969 في جريدة “السياسة” الكويتية، وأدار حنظلة فيما بعد ظهره وعقد يداه خلف ظهره، وأصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي على رسوماته. ولقي هذا الرسم وصاحبه حب الجماهير العربية وخاصة الفلسطينية لأن حنظلة هو رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي توجهه فهو شاهد صادق على ضياع “العرب والعروبة”.
وتحت عنوان “زيتون” يرمي حجراً في أسبانيا” كتب “محمد بيطاري” في صحيفة “السفير” اللبنانية يوم الثلاثاء الماضي موضوعاً يتحدث فيه عن “زيتون” الشخص الجديد لـ “حنظلة” ولكن هذه المرة على يد لاجئين ليسوا كلهم فلسطينيين.
ويقول “بيطاري” إن لحظات النسيان لن تمحي “حنظلة من ذاكرتنا. الشخصية الكاريكاتورية للفنان ناجي العلي مثلت في الفترة الماضية، وحتى الآن، شخص اللاجئ الفلسطيني ومعاناته، في ظل التشرد بعيداً عن أرض الوطن، تحت غمام تجاذبات الحركة السياسية الدولية والعربية، ودورها في إجهاض الحركة الوطنية الفلسطينية. أيضاً لم تُفلِت من نظرتها الثاقبة نقد الفصائل الفلسطينية. وصار حنظلة الطفل الفلسطيني “اللاجئ الصغير”، يدير ظهره للجميع، مشغولاً بما ذاقه من البشر والحجر”.
ربما كانت فكرة أخرى هي التي دارت في ذهن الفنان الراحل، ولم يصرح عنها. لكن البعض أراد أن يستكمل ما قرأه في مشروع ناجي العلي بشكل جديد: شخصية “زيتون” وجه “حنظلة”، أو أن “حنظلة” شكل “زيتون” من الخلف.
ظهرت هذه الشخصية لأول مرة في شوارع مدريد، تزيّنها وتغري المارين، فيخرج السؤال لوحده من أفواههم: من هو “زيتون”؟
ويقول “بيطاري” إن موخا، أحد مؤسسي المشروع، يوضح: “زيتون هو شخصية مزدوجة، هو اللاجئ الفلسطيني القديم، وشقيقه اللاجئ السوري حديث العهد”.
بدأت مجموعة شابات وشبان، عرب وأسبان، بالعمل على شخصية زيتون وتطويرها، في قلب أحياء مدريد الشعبية. يحملون عُدةَ الرسم والألوان، وليلاً يتجولون ويرسمون وجه زيتون، تارةً سورياً، وأخرى فلسطينياً. يرمي حجراً، يتفقد شوارع دمرتها الآلة العسكرية التي لا تحتمل الوصف إلا بكلمة “احتلال”.
بدأ “زيتون” بالتجول أكثر في شوارع مدريد. رَسم وجهه الملثّم بالكوفية البيضاء والسوداء، يأخذ مكانه في الشوارع والساحات الرئيسية، يحصد شهرته بين الـ”غرافيتيين” وفناني الشوارع في العاصمة الاسبانية.
لم تكتف المجموعة العاملة على “مشروع زيتون” بالشهرة التي اكتسبتها الشخصية. باشروا العمل على موقع افتراضي فريد الشكل والمضمون، وواسع المجال والمعرفة.
ويستهدف الموقع عدة فئات، كل فئة تتجول فيما يعنيها. من المدونة إلى لعبة الفيديو. كما يتضمن تقارير عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في البلدان التي يتواجدون فيها.
ويشرح ألمو، أحد مؤسسي المشروع: “الفكرة ما زالت في بدايتها، ولم تكتمل جميع العناوين التي قررنا أن تكون واردة فيه”. أما سارة، وهي عضو في المجموعة، فتتحدث عن المشروع من زاوية مختلفة، وتحديدا باعتباره مشروعاً إعلامياً بامتياز.
فكرة غريبة إلى حد ما، أن تعمل على برمجة لعبة فيديو، تحمل اسم زيتون وشكله، لتستهدف شريحة أخرى، تختلف عن تلك المهتمة بقراءة المدونات والتقارير، وهي مهمة صعبة في الوقت ذاته، لما تتطلبه من كوادر فنّية، إضافة إلى ما يحتاجه الموقع أصلا من تمويل يعزّز مقومات صموده واستمراره ويسمح بتحقيق أهدافه.
يهدف هذا المشروع من ضمن ما يهدف، إلى فهم وضع اللاجئـين/ات، سواء من الفلسطينيين/ات أو السوريين/ات حديثي اللجوء. كذلك إلقاء الضوء على ما يحدث في سوريا، هل هو حرب، أم نزاع، أم ثورة؟ مساءلة هذه المفاهيم والخروج من استقطاب الخطابات. من هُم اللاعبون الأساسيون، وما هي ماهية المشاهد الواردة من الحدث؟
كل ذلك الآن يأتي متناسباً، ومتناسقاً مع الزمان والمكان. أما الأدوات، فهي ملك المجموعة، التي تصر بجهدها على المضيّ قدماً.
طريقة مبتكرة لصناعة المعلومات وتناقلها بأساليب مختلفة، واكتشاف وسائل جديدة للتواصل والتعبير، في واقع شديد التعقيد، وكثير التفاصيل، بعيداً عن الوقوع في مطب الاستخفاف والتبسيط الساذج، من خلال صيغ متحركة وليست جامدة أو ساكنة، عن شخوص تقوم بدور البطولة لوحدها، من دون أن تنتظر أحداً. هي حكاية ممكنة، قد تحدث، أو حدثت بالفعل، والأهم أن إمكانية حدوثها قائمة دائماً.
حكاية لجوء
يوضح موخا: “أن الطفل الفلسطيني اللاجئ في مخيم اليرموك، هو بالنسبة لنا وحي الشخصية”, وما لبث أن انضم إليه الطفل السوري، الذي يعيد تكرار تجربة أخيه الفلسطيني. يتحسس مرارة الحدود والشتات، تحت عنوان قضية باتت سلعة لتجارٍ يتكلمون عنها بشفقة مثيرة للريبة.
تعيش مجموعة “زيتون”، حالة اندماج مع الشخصية، تختلط المعاني، تتوغل الحيرة في أرواحهم وعقولهم، فلا يعرفون من اختار الشخصية. تقول المجموعة عن ذلك: “لا نعرف من اختار الآخر.. الشخصية أم نحن، كانت دائماً هنا، أعطيناها الاسم وانخرطنا في حكاية”. حكاية لجوء ومنفى وإخضاع مصطلحات جافة لتتغير في الحلم الذي أصابه وجع الانتظار، وأنهكته حمولة المنفى. هي مشاركة الحلم والمنفى، هكذا تنظر المجموعة إلى عملها.
ويختم “بيطاري” قائلاً إن “زيتون ملثم بكوفيته، في الحقيقة، لا أحد يريد رؤية وجه طفولته الناعمة. قرر مواجهة الجميع بعينين تشتعلان شراراً وناراً، بحجر يرميه، فيكسر الزيف في تبني الشعارات. لا أحد يستطيع سلبه حرّيته وحياته، هن ملكه في رحلة التصدي وإمكانية المستحيل. زيتون يشبه حنظلة. يحيا فينا، ونموت، ويحيا”.
والفرق بين حنظلة، الذي ولد يوم 5 يونيو/حزيران 1967 وأصبح بمثابة أيقونة تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية، وبين “زيتون” هو أن الأخير وجهه ظاهر ويرمي حجراً.