على الرغم من أن العديد من الشركات الاستثمارية وكذلك مستثمرين أفرادا جنوا ولا زالوا يجنون أرباحاً شبه خيالية من الطفرة العقارية ومن الانتعاش والتوسع الاقتصاديين اللذين شهدتهما المنطقة على مدى السنوات الخمس الأخيرة، فان المطورين العقاريين في دول مجلس التعاون يجدون أنفسهم اليوم أمام جملة من التحديات.
“يواجه المقاولون العقاريون حاليا العديد من الضغوط السعرية المحلية والخارجية جراء ارتفاع أسعار مواد البناء، خصوصا بعد أن وصلت أسعار النفط إلى مستويات قياسية. كما يواجهون مشكلة النقص في الأيدي العاملة، بعد أن لجأت بعض الدول في المنطقة إلى الاستغناء عن مئات الآلاف من العمال الآسيويين المخالفين لقوانين الإقامة، في محاولة منها لمعالجة مشكلة التركيبة السكانية التي يعاني منها معظم دول المنطقة، وكنتيجة للإضرابات العمالية المتكررة بسبب ارتفاع تكليف المعيشة”. هذا ما أكدته المهندسة سلوى ملحس، نائب الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة المزايا القابضة.
وفقا لشركة المزايا القابضة سجل النشاط العقاري مستويات جديدة من الارتفاعات والانخفاضات على متوسط أسعار المبايعات وأحجامها وقيمها خلال مايو/أيار الماضي. ومن اللافت أن أحجام وقيم المبايعات قد سجلت انخفاضا ملموسا في حين سجل متوسط الأسعار ارتفاعات تكاد تكون قياسية على بعض القطاعات النشطة لدى غالبية دول مجلس التعاون الخليجي. وفي ظل غياب حدود واضحة لارتفاعات الطلب، فان متوسط الأسعار سيشهد المزيد من الارتفاعات خلال الفترة القادمة.
مشكلتان
وعلى الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية إلا أن القطاع العقاري في دول مجلس التعاون يواجه اليوم تحديات متعددة أبرزها، إيجاد المقاولين القادرين على الإيفاء بإلتزاماتهم وتسليم المشاريع في المواعيد المحددة ووفق المواصفات المتفق عليها مع المطور العقاري. هذا من جهة ومن جهة أخرى، تظهر مشكلة توافر اليد العاملة الماهرة والتغير المفاجئ لأسعار مواد البناء وارتفاع معدلات الأسعار بشكل كبير في فترات زمنية قصيرة نسبيا.
تقول المهندسة سلوى ملحس، نائب الرئيس التنفيذي لعمليات المزايا القابضة: « رحّلت دولة الأمارات وحدها العام الماضي أكثر من 300 ألف عامل مخالف، وبدأت البحرين الاستغناء عن العمال الهنود. وتوقع خبراء أن تتضاعف أزمة اليد العاملة في الخليج مع زيادة الحديث في المنطقة عن ضرورة وضع سقف زمني لإقامة ملايين العمال فيها.
فالمنطقة تضم نحو 13 مليون أجنبي، يمثلون نحو 37 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ 35 مليون نسمة. وتتفاقم المشكلة في دولة مثل الإمارات التي تشكل فيها الجالية الآسيوية أكثر من 60 في المائة من إجمالي عدد السكان.
وترتبط مشكلة المقاولين واليد العاملة وارتفاع أسعار البناء بمشكلة أخرى وهي مشكلة التضخم المالي الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بشكل كبير، وأدى بدوره إلى هروب اليد العاملة الماهرة العاملة في قطاع البناء والقليلة الأجر.
وهذا النقص المتزايد على سبيل المثال في مواد البناء والمهارات الحرفية في قطاع الإنشاء، أدى إلى زيادة تكاليف البناء في منطقة الخليج بنسبة نحو 30 % في السنة الماضية وحدها، و50 % خلال النصف الأول من العام الجاري. وحسب تجربتنا في المزايا القابضة، لمسنا زيادة كبرى في أسعار مواد البناء خلال النصف الأول من 2008 تجاوزت في بعض الأحيان حاجز الـ 50 % في بعض المواد».
تفاديا للتأخير
وتضيف ملحس: “تواجه شركات التطوير المزيد من المعوقات في إنجاز المشاريع التي تقوم بتنفيذها حاليا نتيجة ارتفاع أسعار كافة مستلزمات البناء حيث توجه الكثير من شركات التطوير إلى تعديل آليات التعاقد بحيث أصبحت تعتمد نظام الكلفة والتقييم في نهاية عملية البناء وذلك بهدف المحافظة على هوامش أرباحها من التآكل. ونحن تفاديا لأي تأخير ممكن في تسليم مشاريعنا نتيجة هذه الزيادات الكبرى، فإننا نبحث برامج زمنية كفيلة بتدارك أي تأخير. كما أننا ندرس حاليا خططا مستقبلية لتفادي ظاهرة ارتفاع أسعار مواد البناء ونقص اليد العاملة، مثل التوجه نحو تدشين مشاريع لذوي الدخل المتوسط في بعض المناطق، إلى جانب التوسع الأفقي في عدد من الدول في عملية تشابه تأسيس مزايا قطر ومزايا السعودية واستثمارات مزايا في عمان والبحرين وغيرها”.
ويشير تقرير المزايا القابضة إلى ارتفاع مؤشر الأسعار العام لدى دولة الكويت بنسبة 20.8 %، فيما ارتفع بدولة الإمارات العربية بنسبة 7.7 %. كما ارتفع مؤشر الأسعار العام بنسبة 2.3% لدى المملكة العربية السعودية وسجل مؤشر الأسعار العام لدى دولة قطر ارتفاعا طفيفا وبنسبة 1.6 % خلال شهر مايو/أيار الماضي.
تغير الحسابات
واعتبرت ملحس أن مشكلة تأخر إنجاز المشاريع وتسليمها في أحيان كثيرة لا يعود إلى صعوبة إيجاد المقاولين الموثوقين، وإنما يعود في الحقيقة إلى صعوبة إيجاد هؤلاء المقاولين أنفسهم لليد العاملة الماهرة والى ارتفاع أسعار مواد البناء. فحينما يوقع المقاولون على عقود بناء ويلتزمون بها، تأتي التغيرات الكبيرة في أسعار الحديد والاسمنت وسواها من مواد البناء لتغير كل الحسابات التي التزم بها المقاول في البداية، مما يعني تأخرا في التسليم.
وأضافت ملحس :”تسعى العديد من شركات المقاولات إلى إقامة تحالفات مع المطورين العقاريين. ومع ازدهار عمليات الإنشاء التي تضع الصناعة تحت ضغط كبير تمتد من الموارد وحتى التكاليف المرتفعة، فان اتفاقيات الشراكة تتزايد بشكل عام. وهناك بعض العقود التي تولد من الحاجة إلى فهم أفضل وتحكم بالتكاليف. كما انه مع ارتفاع أسعار العمالة ومواد البناء، أصبح من المستحيل تقريباً على المقاولين والعملاء أن يقّدروا بالضبط تكلفة مشاريع بمليارات الدولارات. إن الحل لا يتأتى من إقامة التحالفات بين المطور والمقاول فقط، وإنما يجب أن يكون للحكومات والقطاع الخاص دورا مهما في هذا الإطار، إذ يمكن أن يعملا لإدارة العرض والطلب على المدى الطويل، لان صناعة الإنشاء في منطقة الخليج لا تتصف في نمو الاستثمارات غير المسبوق فقط، وإنما بالمشاريع الطموحة التي هي قيد الإنشاء. وهنا تتجلى أهمية قرار حكومة دولة الإمارات برفع الرسوم الجمركية عن الاسمنت وحديد الفولاذ من اجل تخفيف ضغوط الأسعار المتصاعدة”.
درجة التذبذب
تجدر الإشارة، إلى أن الارتفاع الذي سجلته مؤشرات الأسعار العامة لدى دول مجلس التعاون الخليجي هو نتيجة للارتفاع الحاصل على قطاع الأراضي التجارية والاستثمارية بنسبة 20.3 % لدى دول مجلس التعاون خلال مايو 2008، ذلك أن الطلب على الأراضي التجارية يشهد اختلافا واضحا بين دولة وأخرى فيما يتساوى في درجة التذبذب المسجلة على اتجاهاته الشهرية وذلك اعتمادا على ارتفاع متوسط أسعاره بالإضافة إلى انحسار الاهتمام بمكونات هذا القطاع من قبل الشركات الاستثمارية الكبرى.
ورغم التحديات التي تواجه السوق العقاري، إلا أن هناك آفاقا واعدة لسنوات عديدة مقبلة. فسوق العقار الخليجي وسوق العقار في دبي تحديدا، أثبت أنه دائم التجدد. وكلما ظهرت مخاوف من حدوث تباطؤ أو ركود، فإننا نشهد طفرة جديدة مع أفكار جديدة تنعش السوق وتعطيه دافعاً قوياً للاستمرار في الازدهار والنشاط.