وصف تقرير حديث أصحاب الأراضي البيضاء في السعودية بالراكب المجاني، وجاء في منصة “ثمانية” السعودية، حديثاً، تقريراً مطولاً تناولت فيه القطاع العقاري في السعودية والذي وصفته بأنه يمر “بأكبر حراك تنظيمي في تاريخه” من خلال قوانين جديدة من أهمها التعديلات الجديدة على نظام رسوم الأراضي البيضاء الحديث التي وصفت أصحابها بـ “الراكب المجاني”. وعزا تقرير المنصة -التي تنشر تقاريراً معمقة- أكبر مشكلات العقارات في السعودية إلى الأراضي البيضاء غير المطورة ومعظمها مملوك لرجال أعمال وشركات وأفراد أثرياء، يحتفظون بها دون تطوير ربما للرغبة في ارتفاع أسعارها لاحقاً أو لصعوبة تطويرها سريعاً. وقالت المنصة إن القطاع العقاري الذي يمر حالياً بأكبر حراك تنظيمي في تاريخه، يواجه “تحديات لإصلاح الأعراض المتمثلة في أراضٍ فضاء وسط المدينة وشحٍ مصطنع من الأراضي، فضلًا عن كسر منظومة عقارية تتجاوز الخمسين عاماً”. وأضافت “ليس سرّاً حتى أن غالبية كبار التجار، مهما اختلفت مجالاتهم من وكالات السيارات إلى المقاولات إلى التجزئة، قد تكونت غالبية ثروتهم في المحصلة النهائية من القطاع العقاري؛ وأقصد تحديداً تملك الأراضي وارتفاع قيمتها لاحقاً، وليس امتلاك أصول عقارية عاملة ومدرّة للدخل. فكل نشاطاتهم الأساسية ما هي إلا وسيلة للحصول على رأس مال بغرض تحويله إلى أراضٍ. وأما إعادة الاستثمارات في نشاطاتهم فمحدود؛ نظراً لبساطة تلك النشاطات وعدم استيعابها رؤوس أموال ضخمة”. وقال التقرير إن “أحد ملامح اقتصادنا النفطي وجود فائض من رأس المال لا يقابله تنوع اقتصادي يستوعب هذه الفوائض. فحين تُصرف متحصلات بيع النفط، سواء عن طريق عقود حكومية رأسمالية في البنية التحتية وتتحول إلى المقاولين والمتعهدين، أو عن طريق مصاريف تشغيلية مثل الرواتب، تتراكم تلك الفوائض عند عدد كبير من الأشخاص. وبحكم أن المصدر الأساس لتلك الفوائض هو القطاع النفطي المتركّز في شركة واحدة، فإن الفرص المتنوعة لإعادة استثمار هذه الفوائض في شركات وأصول منتجة تبقى محدودة”.
وأوضح أن من بين تلك الفرص المتاحة قطاع الخدمات العامة، الذي يغذي الاستيراد أو الاستهلاك، وهو لا يستوعب كامل تلك المدخرات. وحتى سوق الأسهم، بشركاتها، حجمها أصغر ومجالها محدود، فقليل منها لديه قدرة على التصنيع أو التصدير، ولديه جدوى لعوائد مجزية على رؤوس الأموال تلك.
وأضاف “أما مجالات الاستثمار التي تحتوي على المخاطر العالية أو المعرفة النوعية فهي صعبة على الغالبية، وفي حال توجهت المدخرات للأسواق الخارجية (وهذا ما كان يحصل وما زال جزئيّاً) فهذا مما يضر بالميزان التجاري، فضلاً عن تعرض المستثمر إلى مخاطر تتعلق بالاستقرار السياسي ومخاطر العملة وغيرها”.
وقال “عليه، تلجأ تلك المدخرات إلى القطاع العقاري.. فيمكن لموظف يمتلك مدخرات من سنوات قليلة أن يشتري قطعة أرض، حتى في مدينة مختلفة أقل تكلفة، بما يتناسب مع ما لديه. كما يمكن لمقاول يملك مليارات من الأرباح من عقود حكومية أن يعثر على أراضٍ ضخمة يوقِف أرباحه ويحفظها فيها. وبذلك كان القطاع العقاري الأكثر جذباً تاريخيّاً للجميع”.
وتحت عنوان “الأرض بلا تكلفة”، قال كاتب التقرير إن أحد أكبر مصادر الخلل هو عدم وجود تكلفة على امتلاك الأراضي الفضاء غير المستخدمة، خاصة في النطاق العمراني أو على حدوده مباشرة. وقد أكون من الأشخاص الذين لا يشجعون على التوسع في الرسوم والضرائب عموماً، ولكن في هذه الحالة هناك خلل جوهري، وهو وجود تكلفة يتحملها الجميع في مقابل فائدة محصورة لشخص لا يساهم في دفع هذه التكلفة. ويمكنك أن تراها من مبدأ الراكب المجاني أو الأثر المتعدي أو كليهما”.
الراكب المجاني
يستخدم مصطلح الراكب المجاني في الاقتصاد لأجل الدلالة على الفرد الذي يستفيد من المصادر أو البضائع أو الخدمات دون أن يدفع أجراً لهذه المنفعة، واستخدم هذه المصطلح أول مرة في نظرية اقتصاد البضائع العامة، ولكن مبادئ مشابهة جرى تطبيقها في سياقات أخرى منها المساومة الجمعية وقانون منع الاحتكار antitrust law والعلوم النفسية والسياسية. الركوب المجاني يصبح بنفس دلالة مشكلة الراكب الحر عندما توزع مخصصات بضائع أو عمل بشكل سيئ أو عندما يقود إلى مبالغة أو تواكل في المصادر ذات الملكية المشتركة.
هذه المشكلة التي يطلق عليها: مشكلة الراكب الحر هي عندما تتوزع الآثار السلبية لأحد الأفعال على نطاق واسع، بينما تؤول الآثار الإيجابية بشكل كبير إلى القائم بهذا الفعل.
وعلى الرغم من أن هذا المصطلح نشأ ضمن النظرية الاقتصادية إلا أن مبادئ مشابهة قد جرى استخدامها في العلوم السياسية وعلم النفس الاجتماعي واختصاصات أخرى. بعض الأفراد في الفرق أو المجموعات قد تخّفض من مساهماتها أو ادائها إذا شعروا أن هناك شخص أو أكثر من أعضاء الفريق قد يركبون مجاناً.
وتعمد الحكومات إلى عدة أدوات للتخفيف من الآثار السلبية التي تخلفها هذه الظاهرة كالحزم في تحصيل الضرائب ورفع الدعم عن بعض السلع والخدمات وفرض تشريعات صارمة تحد من الاستهلاك العشوائي للموارد العامة واستهداف فئات محددة معوزة بالدعم العام وعدم إتاحة هذا الدعم للجميع.
وكانت وزارة البلديات والإسكان السعودية قد أعلنت خلال الشهر الماضي عن النطاقات الجغرافية لرسوم الأراضي البيضاء في مدينة الرياض التي اعتادت أن تكون المحرك الرئيسي للنمو العقاري في المملكة على مدى السنوات الماضية.
وبدأت السعودية يوم الخميس الماضي في تطبيق قرار إيقاف الزيادة السنوية لقيمة الأجرة الإجمالية في عقود إيجار العقارات داخل مدينة الرياض لمدة خمس سنوات، وذلك في وقت تستجيب فيه المملكة لارتفاع الأسعار في ظل التحول الاقتصادي الطموح الذي تشهده.
وجاء ذلك بعد توجيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود وجه “بإيقاف الزيادة السنوية لقيمة الأجرة الإجمالية في عقود إيجار العقارات السكنية والتجارية (القائمة أو الجديدة) في العقارات الواقعة داخل النطاق العمراني لمدينة الرياض لمدة 5 سنوات بدءاً من تاريخ” الخميس 25 سبتمبر/أيلول 2025.
وتنفذ المملكة خطة تحول معروفة باسم رؤية 2030 تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن عائدات النفط، والاستثمار في قطاعات مثل السياحة والرياضة.
وتتضمن الخطة التي يقودها صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادي للمملكة الذي تبلغ قيمة أصوله حوالي تريليون دولار، استثمارات ضخمة في البنية التحتية بما في ذلك مشاريع في الرياض ساهمت في زيادة الطلب، مما أدى إلى زيادة أسعار العقارات السكنية والتجارية.
ووفقاً لشركة جيه.إل.إل، قفزت إيجارات المنازل المستقلة في العاصمة 13.9 بالمئة على أساس سنوي في الربع الثاني من العام الجاري، في حين ارتفعت إيجارات الشقق 6.9 بالمئة.
وذكرت شركة نايت فرانك في تقرير لها هذا العام أن أسعار الشقق في الرياض ارتفعت 82 بالمئة تقريبا منذ 2019، في حين قفزت مبيعات المنازل المستقلة 50 بالمئة تقريبا خلال الفترة نفسها.