تكتسب إدارة الموارد البشرية أهمية غير مسبوقة اليوم، فخلال جائحة “كوفيد-19″، تعاون مديرو الموارد البشرية مع كبار المسؤولين التنفيذيين لوضع استراتيجيات هدفها الحفاظ على استمرارية المؤسسات وسط حالات الاضطراب والخلل الكبير.
وذكر بيان خاص بأريبيان بزنس أن ذلك اقترن بتغيرات في بيئة العمل تميزت باعتماد نماذج العمل الهجينة، وتفاقم مخاوف الصحة والسلامة، وبروز متطلبات جديدة لتحقيق توازن أكبر بين الحياة المهنية والشخصية. وهذا ما فرض على خبراء الموارد البشرية اتخاذ قرارات حاسمة يومياً لضمان استمرارية الأعمال، مع السعي للحفاظ على طابع إيجابي لمشاركة الموظفين.
وفيما اعتمد ذوو المناصب القيادية على تكنولوجيا الموارد البشرية لتسهيل هذه العملية ومواكبة تغيرات العمل المستقبلية، فإن ديناميكيات مكان العمل المتنامية وتغيير سلوك المستخدم يستدعيان ترقب الاتجاهات القادمة دوماً.
وفيما يلي ستة توجهات بارزة لقطاع الموارد البشرية ستغير مشهد الأعمال في العام 2023.
1- تجربة الموظف تكتسب أهمية استثنائية
تشير بيانات حديثة إلى أن أكثر من نصف الموظفين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد فكروا بترك وظائفهم في مرحلة ما خلال العام الماضي لتحقيق توازن أكبر بين حياتهم المهنية والشخصية. وهو ما يستوقف قادة الأعمال بلا شك للتفكير ملياً ببعض الجوانب، وأبرزها التركيز على مسألة الاحتفاظ بالموظفين للحدّ من معدل دورانهم ورفع معنوياتهم وتحسين إنتاجيتهم، فضلاً عن توفير الأموال. ومن المؤسف حقاً أن العديد من المؤسسات ما زالت تعتمد أساليب غير دقيقة ومؤقتة لمشاركة الموظفين، تبعاً للأهواء الشخصية مع تغييب العمل على الخطط طويلة الأمد.
ويساهم تبني نظام حديث لإدارة الموارد البشرية بإزالة الالتباس والشك حول مشاركات الموظفين، وتحويلها إلى عملية دقيقة وقائمة على البيانات ومحددة الأهداف، ولا سيّما إذا اقترن ذلك مع استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتحليل التنبؤي. وتعمل مثل هذه المنصات على رصد استجابات فورية مدعومة باستطلاعات وتقييمات أداء في الوقت الفعلي، وبالتالي تعزيز شعور الموظفين بالتقدير والاندماج. كما أنها تحدد بدقة الموظفين الأفضل أداءً والتقنيات المثلى لتنفيذ برامج المكافآت والتقدير بأسلوب فعال.
2- صقل وتطوير المهارات أداتان جديدتان لتمكين الأعمال
تواجه كافة الشركات خطر انقطاع الأعمال، وهذا ما يجعل توظيف الكفاءات العالية حاجة ملحّة اليوم أكثر من ذي قبل. ومع تضاؤل العمر الافتراضي للمهارات وارتفاع الأصوات المطالبة بالموازنة بين الحياة المهنية والشخصية ونشر بيئات العمل الهجينة؛ بات من الضروري توجيه جهود تطوير المهارات لتواكب أساليب العمل الجديدة. ويجب أن تركز استراتيجية صقل وتطوير المهارات على تمكين الموظفين من التكيف مع مشهد الأعمال الحالي المتغير واستشراف توجهاته المستقبلية.
وتُعنى غالبية المنصات التي توفرها أنظمة إدارة الموارد البشرية اليوم بتكريس حيز خاص للتعلم والتطوير يتيح لإدارة الموارد البشرية إمكانية إضافة أو إزالة المحتوى عند اللزوم، إلى جانب تخصيص هذا المحتوى وفقاً لمجموعات المستخدمين أو ما يفضله المتعلم. ويمكن للموظفين اختيار ما يناسبهم من تدريبات في أي زمان ومكان. كما يمكن إعداد الدروس على شكل جلسات مقتضبة للحفاظ على حماس الموظفين، مع إمكانية تقديم مزايا مبتكرة مثل استخدام تقنيات الألعاب.
3- جيل الألفية والجيل زد سيرسمان ملامح بيئة العمل
يشكل جيل الألفية والجيل زد الآن شريحة كبيرة من القوى العاملة. وتعدّ التكنولوجيا أداة أساسية لهؤلاء المواطنين الرقميين، ومثلها تجارب استخدام الهاتف المحمول. ويميل هؤلاء إلى ممارسة أعمالهم أثناء التنقل والاتصال الدائم بشبكة الإنترنت عبر هواتفهم الذكية. ووفقاً لأحدث استطلاعات “يوجوف”؛ فإن سكان المنطقة، كما في دولة الإمارات والسعودية على سبيل المثال؛ يقضون بين 3 و6 ساعات يومياً أمام أجهزتهم المحمولة. فيما ترى المؤسسات التقدمية في الهواتف الذكية وتطبيقات الهاتف المحمول أدوات مشاركة فعالة وواعدة. ويساهم تحميل منصّة إدارة الموارد البشرية بأكملها على تطبيق واحد، وتزويدها بتجربة وواجهة مستخدم بسيطة وسلسة في تسريع عملية اتخاذ القرارات، والحصول على تغذية راجعة فورية، وتقليل الفاقد المرتبط بالعمليات اليدوية.
4- بيئات العمل الهجينة ترسم ملامح الواقع الجديد
تحولت بيئة العمل الهجينة إلى نمطٍ دائم في أماكن العمل. وبات لزاماً على خطط الطوارئ التي تعالج انقطاع الأعمال نتيجة الجائحة، أن تمهد الطريق أمام تبني استراتيجيات ملموسة لتمكين ودعم القوى العاملة المشتتة في 2023. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا اللازمة لتمكين القوى المستقبلية العاملة باتت متطورة اليوم، إلا أن التحدي أمام العديد من الشركات يكمن بكيفية دمج هذه التكنولوجيا في العمليات اليومية دون تعطيلها. كما يشكل جانبا الأمن السيبراني والامتثال اعتبارات إضافية بالنسبة للشركات الراغبة في تمكين العمل أثناء التنقل.
وتعتبر منصات برامج الموارد البشرية التقليدية مرهقة وغير مرنة وسيئة التصميم، على عكس أنظمة إدارة الموارد البشرية الحديثة والتي تبدأ من الهواتف المحمولة، مثل “داروين بوكس” التي توفر للمستخدمين واجهة بسيطة وسهلة الاستخدام دون المساومة على جوانب أمن البيانات والامتثال والخصوصية.
5- إقبال كبير على منصات الموارد البشرية غير المحدودة
يزيد إقبال الشركات الإقليمية للتوسع بعملياتها التشغيلية عبر الحدود، ولا سيما الشركات الرقمية حديثة العهد. لذا، يجب أن تقدم منصات تكنولوجيا الموارد البشرية المثلى تجارب منسجمة مع البيئة تأخذ بعين الاعتبار الثقافة وأجندة العمل وقوانين العمل وقضايا الامتثال والضرائب وغيرها. وعليه، يجب أن يكون برنامج الموارد البشرية الأمثل شاملاً بمعايير عالمية، وأن يقترن بأدوات تكنولوجية متقدمة، إلى جانب البساطة لتتمكن جميع الشركات من تبنيه في معالجة عمليات الموارد البشرية بطريقة تلائم الاعتبارات الإقليمية بالشكل الأمثل.
6- البيانات … “الذهب الجديد”
يتمتع قادة الأعمال اليوم بإمكانية الوصول إلى مجموعات ضخمة من البيانات بفضل جهود الرقمنة المتنامية في مجالات الموارد البشرية. ويمكن للمؤسسات التي تتمتع برؤية استشرافية أن تستخدم هذه البيانات في مجالات التوظيف والاحتفاظ بالموظفين وحفزهم وترقيتهم، بشكل موضوعي وبعيداً عن التقييم الذاتي. فعلى سبيل المثال، يمكن لمديري الموارد البشرية تكريس برامج الإدارة لتحديد مواطن الضعف في المواهب، ورصد التوجهات المتعلقة بالموظفين مثل معدلات الاستنزاف. عندها يمكن للشركة أن تعطي الأولوية للمشاركة والتدريب والتطوير وأن توفر حوافز لهذه الأدوار بالتحديد.
لقد شهد عالم الأعمال في السنوات القليلة الماضية تغيرات جذرية يبدو أنها مستمرة. وستحتاج الشركات إلى الاعتماد على الموارد البشرية ومواهب وخبرات فرقها بشكل كبير للتعامل مع التحديات المقبلة. ومن أجل الاستعداد لهذه التوجهات الجديدة في عالم الموارد البشرية، ولمواكبة موجة التغيير المستمرة؛ بات من الضروري دمج تكنولوجيا الموارد البشرية والأتمتة في آلية سير العمل، إلى جانب تنفيذ استراتيجيات متنوعة لبناء قوى عاملة مرنة.
بقلم: شيتانيا بيدي المؤسس المشارك لشركة داروين بوكس