Posted inأخبار أريبيان بزنس

دول مجلس التعاون الخليجي والنظام التجاري الجديد

رصد لتبعات التعرفة الجمركية على دول مجلس التعاون الخليجي

أليكسي بانكوف، شريك قطاع ممارسات الطاقة والمرافق بشركة آرثر دي ليتل الشرق الأوسط

أليكسي بانكوف، شريك قطاع ممارسات الطاقة والمرافق بشركة آرثر دي ليتل الشرق الأوسط

لم تلبث أن مرت المئة يوم الأولى من رئاسة دونالد ترامب في عهدته الرئاسية الثانية، حتى تصدرت مواقف الإدارة الأمريكية من الهجرة والبيروقراطية الحكومية ومستقبل الطاقة عناوين الصحف، إلا أن ملف التعرفة الجمركية كان هو العنوان الأبرز الذي دفع الشركات وصانعي السياسات إلى العمل بمقتضاه.

ففي أبريل الماضي، فرضت الولايات المتحدة رسوم تعرفة جمركية أساسية بنسبة 10% تقريباً على جميع واردات البلاد، ووفقاً للبيت الأبيض، فقد كان الهدف من هذه الخطوة حماية الوظائف والصناعة والاقتصاد الأمريكي ككل، وهو ما أثار بدوره موجه عالمية بين الحكومات بغية إعادة تقييم الوضع لحماية مصالحها الوطنية.

أما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فُيعد التأثير المباشر للتعرفة الجمركية الجديدة ضئيلاً نسبيًا، حيث تراوحت حصة الولايات المتحدة من صادرات دول المجلس بين 3% و6%[1] فقط في الفترة من 2014 إلى 2022. وعلاوة على ذلك، فإن استقرار المنطقة وقوة صادراتها من الطاقة وثرواتها السيادية سيحد من أي أضرار محتملة. ومع ذلك، وفي خضم التحولات العالمية الكبرى، فقد آن الأوان لدول مجلس التعاون الخليجي للبحث عن فرص جديدة للتعاون والاستثمار والنمو.

وهذه التحضيرات تستدعي منهجية شاملة، تمزج بين التفكير الاستراتيجي، وإعادة هيكلة الأعمال، ودعم السياسات، وتقييم المخاطر والفرص المستقبلية.

التفكير الاستراتيجي

طُبقت التعرفة الجمركية الأمريكية الجديدة وخضعت للتعديل والتعليق مراراً وتكراراً منذ الإعلان عنها. ولكن هذه التقلبات تكمن خلفها حقيقة دامغة وهي طبيعة التجارة في تغيرها المستمر، وأنها لن تعود إلى سابق عهدها قط. حيث بدأت الترتيبات الدولية القائمة في الزوال لتحل محلها صفقات ثنائية، مع إعادة توزيع الاستثمارات عالمياً، وتفكيك سلاسل الإمداد وإعادة بنائها. وعلى ضوء هذا، فيجب على صناع القرار في القطاعين العام والخاص بدول مجلس التعاون الخليجي التفكير بمنهجية استراتيجية، وتسخير استقرارهم ونقاط قوتهم للاستعداد لمستقبل جديد المعالم.

بالنسبة لصناع السياسات: من المهم إبرام اتفاقيات تجارية ثنائية جديدة مع الجهات المعنية، والانتهاء من المفاوضات الجارية، على نحو يصون الصناعات المحلية ويضمن لدول مجلس التعاون الخليجي ترسيخ موقعها على سلاسل الإمداد العالمية.

وفي سياق متصل، تشكل الاتفاقية الثنائية التي أبرمت في الآونة الأخيرة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مثالا جيدًا على ذلك ففي الثامن من مايو، كشفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عن صفقة جديدة، خُفضت من خلالها بشكل كبير التعرفة الجمركية المفروضة على السيارات المصدرة إلى الولايات المتحدة من المملكة المتحدة، مع إلغاء رسوم التعرفة البالغة 25% على منتجات الصلب والألومنيوم البريطانية بالكلية. وفي المقابل، ستحظى الولايات المتحدة بامتياز الوصول إلى منتجات صناعة الفضاء البريطانية، وتجدر الإشارة، مع ذلك إلى أن نسبة التعرفة الأولية البالغة 10% المفروضة على المملكة المتحدة لا زالت سارية.

بالنسبة للشركات: حانت الفرصة لاستكشاف آفاق جديدة للأسواق، وتحديد طرق الاندماج في سلاسل الإمداد العالمية المتغيرة، وكذلك متابعة الشراكات والاستحواذات الدولية، أو الاستثمار في الأصول بالخارج تحت شروط حديثة أو محسنة.

وفي غضون ذلك، يمكن للشركات والحكومات على حد سواء الاستفادة من الفوائد متوسطة الأجل الناجمة عن تحول ديناميكيات التجارة لتمكين الحصول على التقنيات وشراء المنتجات بتكلفة أقل.

لا مجال للتراخي

تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمكانة جيدة تمكنها من تحقيق النمو في ظل نظام تجاري عالمي متغير، ولكن ينبغي عليها أن تظل متيقظة للمخاطر والفرص المستقبلية، حيث يعد قطاع الطاقة محور اهتمام واضح، مع تسبب حالة الاضطراب الحالي في حركة التجارة في الضغط على أسعار النفط على المدى القريب، وفي ظل انخفاض الأسعار، من المرجح أن تعيد حكومات دول التعاون النظر في خطط إنفاقها، مع بقائها مستعدة لاغتنام الفرص فور ظهورها. وبالمثل، فقد يتعين على شركات المنطقة تكييف خطط أعمالها وفقًا لهذه المستجدات.

وفيما يخص الإنفاق العام، فقد تسفر إعادة تقييم العملات وانخفاض سعر صرف الدولار عن تراجع في القوة الشرائية – إلا أنه قد يعزز أيضاً من القدرة التنافسية لدول مجلس التعاون الخليجي. كما يمكن أن يتحسن الوضع التجاري للمنطقة من خلال تخفيف حدة المنافسة الدولية، وإن كان لفترة وجيزة، مما قد يثمر عن صفقات مغرية في هيئة عقود ميسرة أو سلع أقل تكلفة.

وفي الوقت الذي تدرس فيه المنطقة السيناريوهات المحتملة، سيغدو من الأهمية بمكان للمؤسسات في القطاعين العام والخاص أن تقيّم المشهد بعناية.

بالنسبة لصناع السياسات: يعد رصد المخاطر التجارية وتفعيل سبل الحماية الضرورية من المهام الجوهرية، ويمكن أيضاً أن تسهم مراجعة السياسات النقدية وسياسات العمل في موازنة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن ديناميكيات التجارة والاقتصاد العالميين المتجددة.

بالنسبة للشركات: يعد التقييم الشامل للمخاطر والفرص على المدى المتوسط، المدعوم بتحليل متطور قائم على سيناريوهات المحاكاة المعقدة، أمراً ضرورياً، حتى يكشف هذا التقييم عن إمكانية زيادة حدة المنافسة وجاذبية الأسواق الجديدة على حد سواء، ويقدم إجابات عن الأسئلة الجوهرية عبر سيناريوهات محتملة ومختلفة لطرح الأسئلة من عينة: ما الصفقات الأفضل التي يمكننا إبرامها؟ وما الفرص التي يجدر بنا الاستثمار فيها؟ وما التكاليف التي قد تظهر في أثناء التنفيذ؟

اغتنام فرصة التحول

تنطوي التعرفة الجمركية الأمريكية الجديدة المفروضة على الواردات- مثلها مثل أي زعزعة للوضع الراهن- على تحديات جمة أمام اقتصادات العالم أجمع. إلا أن هناك أيضاً فرصاً سانحة بانتظار من يستغلها. حيث إن هذه المرحلة ستخلق بالنسبة للشركات العاملة في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، من التحولات فرصة مواتية لبناء مرونة استراتيجية وتعزيز إمكانات النمو.

واغتنام هذه الفرص بالنسبة للكثير من المؤسسات يتطلب ما هو أبعد من التغيير السطحي، بل يستدعي تحولاً جذرياً، أي تطوير قدرات حديثة، وإبرام شراكات جديدة، ومواكبة التغيرات الميدانية، لتكون على أهبة الاستعداد لاقتناص الفرص الجديدة. حيث أصبح التحليل المعتمد على السيناريوهات (مع مراعاة مختلف الاحتمالات المستقبلية والتفكير متعدد الخيارات)، إلى جانب سرعة اتخاذ القرار، ومرونة التنفيذ، وسرعة استجابة المؤسسة، عناصر أساسية ضمن أدوات العمل الاستراتيجي.

أما الآن، فإن تلك الفرص قد تظهر من العدم، لا سيما وأن جميع القطاعات أو المناطق الجغرافية عرضة لأمواج التغيير العاتية، فقد تلوح في الأفق فرص استثمارية جديدة في الخارج وعمليات دمج واستحواذ، وفي غضون ذلك، من المرجح أن تبحث الكفاءات المتميزة عن فرص عمل مختلفة أكثر استقراراً محلياً ودولياً، مما يتيح للشركات في دول مجلس التعاون الخليجي فرصة ثمينة للارتقاء بقدراتها، بدءًا باستقطاب المواهب وانتهاء بإبرام الصفقات، ومن يبادر يفز.

التركيز على السياسات

وفي الوقت الذي تتخذ فيه الشركات العاملة بالمنطقة خطواتها الجريئة نحو هذا المستقبل الواعد، فإن صناع السياسات هم أيضًا سيلعبون دورًا حيويًا داعم لهم، سيكون فيه إبرام الصفقات الدولية في غاية الأهمية، وهي المهارة التي برهنت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على إتقانها على مر السنين، كما يتضح من تحالفاتها واتفاقياتها التجارية الثنائية، والتدفق المستمر للاستثمار الأجنبي المباشر. كما يمكن لصناع السياسات توفير الدعم للشركات في جميع القطاعات من خلال حزم الحوافز الموجهة واللوائح التنظيمية الهادفة إلى تعزيز حركة التجارة العالمية بفاعلية ومنح شركات دول مجلس التعاون الخليجي أفضلية تنافسية.

على الرغم من مرور قواعد التجارة العالمية بطور من إعادة الصياغة والتشكيل، وما يتبع ذلك من تحديات مرتقبة، إلا أن مجلس التعاون الخليجي أمامه فرصة استثنائية لكتابة فصل جديد من فصول التميز والريادة.


[1] المركز الإحصائي الخليجي
https://www.gccstat.org/images/gccstat/docman/publications/USA_1.pdf

فريق التحرير

فريق التحرير

فريق تحرير أربيان بزنس يمثل مجموعة من المحترفين. يجمع الفريق بين الخبرة الواسعة والرؤية الابتكارية في عالم الصحافة...