من محلات التجزئة والمصانع الصغيرة وحتى قطاع الإعلان وغيره، تتكشف مخاطر تهدد شركات عديدة أمام صعود منصات التجارة العالمية التي تقتحم الأسواق بقدرات تكنولوجية هائلة. ويحذر عاصم حجازي خبير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مما يسميه الاستيلاء الصامت وكيف تختطف منصات التجارة الإلكترونية العالمية الاقتصادات الوطنية. ويقول إن منصات التجارة الإلكترونية المركزية، المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تُعيد تشكيل الاقتصادات الوطنية بوتيرة متسارعة، حيث تُزيل السيطرة بهدوء من الحكومات والمجتمعات المحلية، وتُعطيها للشركات العالمية الخاصة. لا تقتصر هذه المنصات على بيع المنتجات فحسب؛ بل تُراقب شعوبًا بأكملها، وتُؤثر على الطلب، وتستخدم خوارزميات تُراعي مصالحها الخاصة، مما يُقمع المنافسة ويُؤثر على تنوع السوق في كثير من الأحيان. والنتيجة هي تحول كبير: تفقد الحكومات رقابة السوق، وتنهار الشركات المحلية، وتُصبح الاقتصادات معتمدة على التكنولوجيا الرقمية – في حين يجهل معظم الناس هذه التغييرات. تواجه الحكومات تحديًا كبيرًا بسبب المنصات الرقمية العملاقة تلك والتي تتحكم في التجارة العالمية. تستخدم هذه المنصات خوارزميات الذكاء الاصطناعي لترويج منتجات معينة، مما يهمش الشركات المحلية والصغيرة ويقلل من التنوع الاقتصادي. هذا النفوذ يضعف سيادة الدول وقدرتها على مراقبة الضرائب وتنظيم الأسواق، ويُشكل تهديدًا للاقتصادات المحلية والمجتمعات. ويقترح عاصم حلاً يتمثل في ” إطار عمل جديد يُسمى “النظام البشري الرقمي” الذي يعيد الشفافية والرقابة.”

وفي يوليو الماضي يحذر نزار نقرو الرئيس التنفيذي لشركة روتانا للخدمات الإعلانية القابضة في حوار مع مجلة CEO العربية عن كامل مشهد قطاع الإعلانات في المملكة العربية السعودية، ويلفت إلى ضعف النمو في قطاع الإعلانات الرقمية المحلية، وتضخم نمو المنصات والشركات العالمية. والنتيجة هي تراجع الاستثمارات الإعلانية والممارسات الترويجية. فيما المطلوب هو حملات توعية في أوساط المعلنين المحليين، وتشجيع الاستشراف في العمليات التجارية الوطنية. كما يبرز ضعف التوظيف في الكفاءات التقنية والإبداعية، إذ لا تزال البيئة التجارية تعتمد على كفاءات أجنبية لإدارة الحملات، تحليل البيانات، والإبداع البصري، وهو ما يعوق بناء منظومة وطنية متكاملة. وتأثير ذلك هو ارتفاع التكاليف، هشاشة في القدرات التنفيذية، واستمرار الاعتماد على الخارج. وينتج عن ذلك بيئة عمل غير مستقرة وتأخر في تنفيذ الحملات، والمطلوب تطوير برامج تأهيل محلية، إدماج المهارات الرقمية في التعليم، وتخريج المتدربين على رأس العمل مباشرةً.
ويلفت حجازي بالقول: في السابق، كانت الحكومات تُعزز بنشاط الاقتصادات المزدهرة من خلال دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بالمنح والقروض والحماية. كانت الأسواق المحلية والمتاجر العائلية ركيزة السيادة الاقتصادية، التي تُشكلها سياسات تضمن المنافسة العادلة وتمنح الشركات الصغيرة فرصة. ومع ذلك، فإن منصات التجارة الإلكترونية المركزية، التي تعمل خارج نطاق الرقابة التقليدية، تُحدد الآن القواعد، وتفرض رسومًا عالية، وتُصعّب على البائعين المستقلين البقاء بشكل متزايد. تسللت هذه الشركات الرقمية العملاقة، غير المقيدة بالحدود والقوانين، إلى كل قطاع، من البقالة إلى الإلكترونيات. وباستخدام الذكاء الاصطناعي الذكي، تُنشئ هذه الشركات ملفات تعريف مفصلة للأفراد والمجتمعات، بل وحتى الاقتصادات ككل، مستخدمةً هذه البيانات لتوجيه خيارات المستهلكين واتجاهاتهم. تُحدد الخوارزميات البائعين والمنتجات المرئية وغير المرئية، مما يسمح للسلع المُنتجة بكميات كبيرة والمفضلة بالهيمنة على البدائل المحلية المصنوعة يدويًا.
بالنسبة للشركات المحلية، تُعتبر تكلفة المنافسة غير مُستدامة – حيث تتراوح رسوم المنصات بين 15% و40% لكل عملية بيع، وتُؤدي الرسوم الإضافية للإعلان والخدمات اللوجستية إلى تآكل الأرباح. يُغلق العديد من المتاجر الصغيرة والمنتجين المستقلين أبوابهم، غير قادرين على مُضاهاة ظهور وأسعار البائعين المُفضلين على المنصات.
ظاهرة عالمية
تتمتع الولايات المتحدة بفائض كبير ومتزايد في تجارة الخدمات الرقمية مع الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يتجاوز 100 مليار يورو (حوالي 109 مليارات دولار) في عام 2025. وينشأ هذا العجز في المقام الأول من هيمنة شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة في مجالات مثل الخدمات السحابية والبرمجيات وأدوات الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية، حيث تستورد أوروبا من الولايات المتحدة خدمات رقمية أكثر بكثير مما تصدره إليها. وبالمقارنة، بلغ العجز الرقمي لليابان مع الولايات المتحدة رقمًا قياسيًا بلغ 6.46 تريليون ين (حوالي 43 مليار دولار) في عام 2024، مدفوعًا بالمثل بالاعتماد على الخدمات الرقمية الأمريكية ونقص البدائل المحلية. وبالتالي، فإن العجز الرقمي للاتحاد الأوروبي يزيد عن ضعف حجم عجز اليابان مع الولايات المتحدة. ويمثل هذا الخلل الرقمي مصدر قلق كبير للاتحاد الأوروبي، الذي يسعى إلى اتخاذ تدابير لتعزيز قدرته التنافسية الرقمية وتقليل الاعتماد الاستراتيجي على مقدمي التكنولوجيا الأمريكيين، بما في ذلك الإجراءات التنظيمية المحتملة والاستثمار في نظامه البيئي التكنولوجي المحلي.

