بقلم: تاتيانا فيلر، المدير الإداري لشركة ستيرلنغ لاستشارات الضيافة
يتوقع المجلس العالمي للسفر والسياحة أن تحقق المملكة العربية السعودية نمواً في قطاع السياحة بنسبة 11% سنوياً على مدار العقد المقبل، ما يجعلها سوق السياحة الأسرع نمواً في الشرق الأوسط. كما كشفت البيانات الأخيرة الصادرة عن المزود العالمي لبيانات قطاع الضيافة، “اس تي آر”، أن مشاريع الضيافة في منطقة الشرق الأوسط تتركز بشكل أساسي في المملكة العربية السعودية.
وتماشياً مع رؤية المملكة 2030 لجذب 100 مليون سائح بحلول عام 2030، تقود المملكة العربية السعودية سوق البناء الفندقي في المنطقة، حيث تم بناء 39070 غرفة في نهاية الربع الثاني من عام 2022، تليها الإمارات العربية المتحدة بـ 32373 غرفة. ومن المتوقع أن تبلغ استثمارات هذه المشاريع في سوق الضيافة للسياحة المحلية والدولية حوالي 110 مليارات دولار، وفقاً لتحليل أجرته شركة “نايت فرانك” العالمية للاستشارات العقارية.
صعود مراكز الأعمال
تواصل العاصمة السعودية تسجيل المزيد من الأداء المتطور في قطاع الضيافة، حيث وصلت مستويات الإشغال في الفنادق إلى 72.3% في أكتوبر 2022، مسجلة أعلى مستوياتها الشهرية منذ مارس من العام نفسه، وفقاً لـشركة “اس تي آر”. ومع تسارع وتيرة النمو في المملكة، فإن المعروض الحالي من الغرف الفندقية في الرياض سيزداد بمقدار عشرة أضعاف في السنوات الثماني المقبلة. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يتم تطوير المزيد من المشاريع الفندقية بأقصى سرعة مع حجم كبير من أعمال البنية التحتية والتحديثات التي يتم إجراؤها في مراكز الأعمال الرئيسية مثل الرياض وجدة، وغيرهما من المدن.
وتواصل مراكز الأعمال الرئيسية استقبال المزيد من الزوار حيث تقام المعارض والمؤتمرات الوطنية، مما يسرع من وتيرة الأعمال بشكل عام. وفي موازاة ذلك، عززت المنشآت الترفيهية وشركات المأكولات والمشروبات الكبرى أيضاً وجودها بقوة كي تتمكن من مواكبة تدفق المسافرين من رجال الأعمال والأذواق المتغيرة والقوة الشرائية المتزايدة للسكان المحليين. وهذا يؤكد المكانة القوية لسوق سفر رجال الأعمال في المملكة، حيث تستقطب هذه الأسواق الناضجة استثمارات ضخمة.
تنامي السياحة الدينية
تستمر السياحة الدينية في المملكة العربية السعودية في سلوك اتجاه تصاعدي. وسجلت المدن المقدسة أكبر زيادة في نسب الإشغال ومتوسط السعر اليومي منذ بداية العام في الربع الثاني من عام 2022، حيث سجل الإشغال الفندقي زيادة بنسبة 177% في مكة المكرمة و 122% في المدينة المنورة. وتأتي هذه الزيادة بعد استحداث خدمات تأشيرات العمرة عبر الإنترنت، والتي ساعدت في إصدار أكثر من 23 مليون تصريح عمرة في النصف الأول من عام 2022.
وبفضل “رؤية 2030” التي تهدف إلى استضافة 30 مليون سائح ديني بحلول نهاية العقد، من المقرر أن ينمو هذا القطاع بشكل كبير في المستقبل القريب. ويجعل هذا المستوى العالي من الاهتمام المدن المقدسة سوقاً جذاباً لسلاسل الفنادق العالمية الرائدة ويشكل فرصة استثمارية هائلة للاعبين العقاريين في المنطقة. ومن الواضح أن عرض السوق في هذه المواقع سيستمر في النمو بهدف تلبية الأعداد المتزايدة من السياح الدينيين، مع طرح المزيد من الغرف الفتندقية في السوق.
ابتكار المشاريع العملاقة
مع هذا الزخم والالتزام بأن تصبح واحدة من القوى الدافعة الرائدة لقطاع السفر والسياحة، فإن الأصول القوية للمملكة العربية السعودية هي التنوع السياحي المذهل الذي تتمتع به بوجود المعالم الطبيعية الشاسعة في جميع أنحاء البلاد. وتمتلك المملكة البيئة المثالية للتحول والابتكار، بدءاً من المنتجعات الساحلية والخلوات الجبلية وصولاً إلى القرى التراثية والمواقع الحرفية.
ويتركز تطوير المشاريع العملاقة بشكل أساسي في أماكن تفتقر إلى بنية تحتية، والأسباب عديدة. ومن هذه الأسباب أولاً وقبل كل شيء، الرغبة في توفير الراحة وزيادة مستويات المعيشة للسكان المتزايدين، وخلق فرص العمل، وضمان عدم مغادرة الشباب للبلاد. وتطرح المملكة اليوم سوق عمل يتمتع بالجاذبية للوافدين من الخارج والسكان المحليين. ويمكن أن يتضاعف التوظيف في قطاع السفر والسياحة في المملكة العربية السعودية على مدى السنوات العشر القادمة، ما يخلق أكثر من 1.4 مليون وظيفة، ليصل عدد العاملين في القطاع السياحي إلى 3 ملايين موظف بحلول عام 2032، وفقاً لتوقعات المجلس العالمي للسفر والسياحة.
ثانياً، وبوجود هذه المجموعة الواسعة من الخيارات بين الوجهات المتنوعة، سيتم تشجيع السياح على البقاء لفترة أطول وتجربة مجموعة متنوعة من الأنشطة الرائعة.
ثالثاً، السعي الحثيث إلى إنشاء مراكز سياحية مختلفة في جميع أنحاء المملكة، والتي ستساعد في استقطاب المواهب، وجذب الأشخاص ذوي التفكير المماثل لاحتضان المجتمعات المتآزرة للابتكار والاستدامة والإبداع والبحث والتطوير.
ويعد مشروع “نيوم” أكبر هذه المشاريع باستثمارات سياحية تصل إلى 13 مليار دولار، يليها عن كثب مشروع تطوير البحر الأحمر ومشروع أمالا باستثمارات سياحية مشتركة إجمالية تصل إلى 9 مليارات دولار، وأخرى مثل القدية وبوابة الدرعية والعلا. وتركز كل هذه المشاريع على الخيال العلمي لناحية الابتكار والتقدم العلمي التي ستشكل في نهاية المطاف مستقبل السياحة بالإضافة إلى مساهمتها في تنمية المناطق الحضرية.
وفي الآونة الأخيرة، فازت المملكة باستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 في “نيوم”. ويجعل النهج المستقبلي لكل هذه المشاريع التطويرية المذهل المملكة محط أنظار العالم.
علاوة على ذلك، يتوقع أن تبرز مشاريع القطاع الخاص لتواكب المشاريع والوجهات التي ترعاها الحكومة، لسد الثغرات في قطاعات تتجاهلها المشاريع العملاقة، أو إضافة بعض الإبداع إلى المرافق والحلول التي تقدمها المشاريع العملاقة.
تشكيل وجهة جديدة للمسافرين المميزين
تعد المملكة العربية السعودية واحدة من الدول الكبرى في العالم، حيث يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة تقريباً، ومن بين أصغر الشعوب سناً في العالم، حيث يبلغ متوسط العمر حوالي 30 عاماً، ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ما يقرب من 55000 دولار، لتحتل المرتبة الثلاثين في العالم. كما أن سكان المملكة يحظون بتعليم واطلاع جيدين بفضل توافر التقنيات الحديثة، ويتبعون أنماطاً استهلاكية، مع تمتعهم بمستويات دخل مرتفعة، ما يؤهل المملكة لتكون سوقاً محلياً كبيراً بامتياز.
فالمملكة العربية السعودية دولة غنية بالموارد الطبيعية، وتركز الحكومة على تزخيم الأجندة الوطنية في الابتكار عبر التكنولوجيا والعلوم والاستدامة والثقافة والسياحة والضيافة، وخلق إطار تشريعي قيم وزيادة تحفيز استثمارات القطاع الخاص وكذلك البدء في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وينتقل السوق من مرحلة تكوين الرؤى إلى بناء الاستراتيجيات، والانتقال إلى المستوى التالي من الخطوات التكتيكية وخطط التنفيذ. ونظراً لكونها متجذرة بعمق في تطوير الوجهات السياحية وقطاع الاستشارات السياحية والضيافة، تتمتع “ستريلنغ لاستشارات الضيافة” بمكانة فريدة في السوق، حيث تعمل حالياً عن كثب مع الهيئات الحكومية ومكاتب الشركات العائلية والمستثمرين من القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية، لتقديم المساعدة في مراحل مختلفة من العديد من المشاريع، مما يضمن تحقيق الأهداف المرجوة من الوجهات أو المشاريع السياحية.