كما أن للناس فيما يعشقون مذاهب، كما يقول الشاعر العربي أبوفراس الحمداني، فإن للناس حين يتزوجون مذاهب تختلف من بلد لآخر، ومن أميز هذه المذاهب ما ذهب إليه أهل الجزائر في أعراسهم.
في الجزائر تنضح الأعراس بثقافة هذا البلد العريق المتعدد المشارب الثقافية، بين الأمازيغية والعربية والأوروبية، والتي أنتجت خليطا من العادات يتوه الباحثون في تحديد أصولها، ولذلك دعونا ننقل أبرزها في سطورنا التالية، كما هي، ولنترك تحديد أصولها لمجالات أخرى.
الزواج في الجزائر تقام له حفلات وليس حفلا واحدا، بعضها يخص العريس، وبعضها يخص العروسة، باستثناء حفل الزفاف نفسه، والذي يجمعهما معا، حسبما رصدنا من خلال حسابات جزائرية على وسائل التواصل الاجتماعي، ومجموعة من المواقع المحلية الجزائرية.
احتفالات لا احتفالا واحدا
أول أيام الاحتفالات هو يوم الحَمّام، والذي تذهب فيه العروس إلى حمام عام لتستحم وتعتني بجسدها، وسط العديد من ذويها الذين يغنون لها، ويعتقد أن هذا الطقس يجلب الحظ السعيد لها.
وهذا الطقس تحرص عليه النساء هناك، حد أن الأمن الجزائري أوقف مجموعة من النسوة داخل حمام، لأنهن خالفن إجراءات منع التجمعات وقت جائحة كورونا وذهبن بالعروس إليه، حسبما أفادت صحيفة الشروق الجزائرية في يوليو 2021.
في اليوم التالي يقام بمنزل العروس ما يسمى بـ“يوم حنة الحبيب”، وفيه تحتفل النساء بالعروس ويغنين لها، بعد أن ترسم لها متخصصة زخارف على يديها وجسدها بالحناء، وتستغل المقربات من العروس هذه المناسبة ويرسمن هن أيضا بالحناء على أيديهن أو أجسادهن.
يلي هذا اليوم يوم آخر للحنة، وخلاله يرسل ذوي العروس ما يعرف بـ”التصديرة” إلى بيت العريس، وهي ملابس العروس بالإضافة إلى مفروشات المنزل، وفي المقابل يرسل العريس إلى عروسته هدايا وحنة أخرى مع نساء من أهله، والذين يضعونها على أيدي وأرجل العروس، بالتزامن مع حفل مليء بالغناء والرقص.
ويسبق إرسال التصديرة إلى بيت العريس استعراض العروس لفساتينها وملابسها أمام الحاضرات المحتفلات بها في منزلها، حيث ترتدي كل فستان أمامهن وتمر بينهن ليشاهدوه ويثنوا عليه.
وأخيرا تأت ليلة الزفاف، حيث تتزين العروسة عند الحلاق (الكوافير) وترتدي الفستان الأبيض، ويرتدي العريس بدلة أوروبية، ويعقد الحفل في قاعات وفنادق، وفي بعض الأحيان يعقد في منزل العريس، وخلال الحفل توزع الحلوى والمشروبات، ولكن هناك عادة تراثية لازالت موجودة وهي توزيع الحليب والتمر.
الأمر لم ينتهي بعد، فأهل العروس والعريس لا يتركون ابنهم وابنتهم، إلا بعد أن يطمئنوا على عذرية العروس وقدرة العريس على ممارسة الجنس، ويظلون معهما في المنزل حتى يفض العريس بكارة عروسه ويخرج إليهم بقطعة قماش وعليها آثار دم العذرية، وهي عادة في طريقها للاندثار الآن، وتلاشت بشكل كبير.
ما زال الحفل قائما لم ينتهي، ففي اليوم التالي للزفاف يقام ما يعرف بـ”الحزام”، وفيه يذهب أهل العروسين إلى بيت الزوجية، وخاصة من النسوة، لتخرج عليهن العروس مرتدية”جبة الفرقاني”، ثم تحزم خصرها بوشاح ذهبي، وترقص وسط جموع النسوة الحاضرين.
والدة العروس لا تذهب إلى ابنتها في هذا اليوم ويدها فارغة، وإنما تحضر معها كمية كبيرة من الطعام، وأهمها قصعة كبيرة من الكسكسي، مزينة باللحم والبيض والحمص، وأطباق من الكبد واللحم الحلو، وغيرها من الأصناف الجزائرية.
عادات غريبة خلال الفرح
بجانب ما ذكرناه هناك عادات أخرى شديدة الخصوصية خلال الاحتفالات، ومنها:
- إذا كان للعروس أخ أصغر منها، فإنه يخفي حذائها قبل أن تخرج من بيتها إلى الزفاف، وقبل أن يأت العريس بموكبه ليأخذها، وهو طقس هدفه التعبير عن حزن هذا الأخ على فراق أخته، وتشيع هذه العادة خاصة بمنطقة الهضاب العليا، شرقي الجزائر.
- أما غرب الجزائر فتشيع هناك عادة خروج العروس من بيت والدها وهي تحت أطراف يديه، حيث يضعها يديه على كتفيها، قبل تسليمها لعريسها، وهو طقس يعبر عن مدى عزة العروس وحماية والدها لها ودعمها وحبها.
- ومن أغرب العادات، أن تكسر العروس بيديها بيضة عند وصولها إلى باب منزل الزوجية، ويفضل أن تكون بيضة من دجاج الخم البري، وهو طقس يعتقد أنه يجلب الحظ ويطرد الشر من بيت الزوجية، وتشيع هذه العادة بمنطقة القبائل.