يحار الناس بين الوجبات العملية السريعة، وحرية اختيار مطلقة لتناول الطعام، ووقتها وحين يقال أن الشخص الثري يمتلك وقته بفضل الثروة والأصول التي تولد دخلاً إضافيًا، مما يوفر له أوقاتاً يتمتع فيها بالحرية المالية يبدو أن ذلك يوفر أيضا حرية اختيار الطعام وفترات تناول الطعام وهذه ثروة لا تقدر بثمن لتناول الطعام اللائق. ووقتها يمكن جعل استراحة وجبة الغداء تمتد لأكثر من ساعة وهو الوقت المثالي لتناول الطعام بتمهل مفيد بحسب خبيرة تغذية فرنسية. هذه العادة الغذائية تتيح خسارة أكثر عدة كيلوغرامات شهرياً من الوزن الزائد من خلال اتباع نظام غذائي معروف باسم البحر الأبيض المتوسط، وتشير إليه خبيرة التغذية فانيسا بيدجاي حداد، ويركز هذا النظام الغذائي على التحكم في نوعية الوجبات أو الحصص، وتناول وجبات منتظمة، والاستمتاع بالطعام بلا قيود قاسية، من خلال اختيار الأطعمة الطبيعية على حالها أي غير المصنعة. وتدعم مزاعم خسارة الوزن أبحاث أوسع نطاقًا في العادات الغذائية الفرنسية والمتوسطية، والتي ترتبط بمتوسط أوزان أقل وفوائد صحية معينة مقارنة بالأنظمة الغذائية الغربية الأخرى. تميل النساء الفرنسيات، في المتوسط، إلى امتلاك أوزان صحية ومعدلات سمنة أقل من بعض السكان الغربيين الآخرين، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أحجام الحصص الأصغر، والتجنب الثقافي لتناول الوجبات الخفيفة المتكررة، والتركيز على المكونات الطازجة عالية الجودة. وكانت المذيعة الامريكية أوبرا وينفري قد أشارت قبل سنوات إلى هذه الظاهرة وهي تناول الفرنسيين لطعام أكثر من الأمريكيين لكن بدانة الأمريكيين كانت أكبر بكثير لدى الرجال والنساء معاً، وذكرت خبيرة وقتها لأوبرا أن سرعة تناول الطعام لدى الأمريكيين تجعل من الأكل فرضاً يؤذي الجسم لأن يدخل سريعاً و دخيلاً إلى المعدة بدون تحضيرات، فيما يتفنن الفرنسيين القادرين على التحكم بوقتهم على الاستمتاع بكل لقمة وتذوق الطعام بروية تجعل عملية الهضم تبدأ مع المضغ بتلذذ لدى تناول وجبة الغذاء، وذلك على عدة مراحل قد تبدأ بالمقبلات الباردة يليها الحساء ثم الوجبة الرئيسية وما تلاها مع اختتام الوجبة بقطعة جبن كمؤشر على الانتهاء. تشير مصادر الخبراء إلى أنه في حين أن النهج الفرنسي، ونصائح ونهج بيدجاي حداد، يرتكز على التغذية المتوازنة والوعي النفسي (الأكل الواعي)، إلا أنه لا ينطوي على أي “سحر” – فالنتائج تأتي من الاعتدال، وأنماط الوجبات المنتظمة، وزيادة النشاط البدني، وليس من خلال حيل سرية أو أطعمة خاصة، وهو يتسق مع النصائح التي قدمها خبراء التغذية والأطباء الآخرون بشأن إدارة الوزن والصحة المستدامة. تُعتبر فلسفة بيدجاي حداد الغذائية دقيقة كنهج عملي مدعوم بالأدلة للحفاظ على وزن صحي، ولكن يجب تفسير بعض الادعاءات المثيرة المحددة مثل إزالة التجاعيد، على أنها تسويق أو إلهام وليس نتائج علمية شاملة. وفي لقاء قبل سنوات مع أحد أشهر الطهاة العرب، يشير إلى سر الطعام اللذيذ، قائلاً :”إن المكونات الطيبة تلعب دورا أساسيا وكبيرا، لأنها تحوي طاقة حين تكون طازجة….. فالبداية تبدأ من المكونات الصحيحة وإن لم تكن متوفرة فلا يمكن عمل طعام طيب، وعلى الشيف معرفة مصدر المكونات، إذا كان ما يسمى الحس الصحيح “النفس” هو أهم شيء في الطعام وهو طاقة، فلو عادت سيدة المنزل من عملها لتحضير وجبة على عجل في المنزل فلن تكون بجودة من لديها طاقة للاعتناء بالتفاصيل باستمتاع، وحين تلتقي المكونات الجيدة مع إحساس السعادة بعملية الطهي لتقدم ما ينال الإعجاب ووقتها يكون الطعام أطيب،فالطاقة الإيجابية تنتقل للطعام.
كيف يؤثر تناول الطعام ببطء على الأنسولين وسكر الدم؟
يساهم تناول الطعام بتروي في جعل الهضم والاامتصاص أبطأ، أي أنه عندما تأكل ببطء وتمضغ طعامك جيدًا، فإنك تُحلله إلى جزيئات أصغر مما يسمح لجهازك الهضمي بمعالجة الطعام بشكل تدريجي. ونتيجة لذلك، يُطلق الجلوكوز في مجرى الدم بمعدل أبطأ وأكثر ثباتًا، مما يؤدي بدوره إلى زيادة تدريجية في مستويات الأنسولين، بدلًا من الارتفاع المفاجئ. ويحتاج الجسم حوالي 20 دقيقة لإرسال إشارة إلى دماغك بالشبع. عندما تأكل بسرعة، يمكنك استهلاك كمية كبيرة من الطعام قبل أن تتاح لهذه الإشارات (من هرمونات مثل اللبتين) فرصة للظهور. بتناول الطعام ببطء، تمنح هذه الهرمونات وقتًا للعمل، مما يساعدك على الشعور بالشبع مع كمية أقل من الطعام، ويمنع الإفراط في تناول الطعام.
تحسين حساسية الأنسولين: تشير بعض الدراسات إلى أن تناول الطعام بسرعة يرتبط بزيادة خطر مقاومة الأنسولين، وهي حالة لا تستجيب فيها خلايا الجسم للأنسولين بشكل جيد. مع مرور الوقت، قد يؤدي هذا إلى الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. كما يساعد تناول الطعام ببطء على تحسين حساسية الجسم للأنسولين. ويُشجع تناول الطعام ببطء على تناول الطعام الواعي، وهو ممارسة الانتباه إلى طعم وملمس ورائحة الطعام. يُمكن أن يُحسّن هذا تجربة تناول الطعام ويساعدك على إدراك إشارات الجوع والشبع في جسمك.
مكونات الطعام
يُعدّ نوع الطعام الذي تتناوله عاملاً حاسماً. أي أن تناول وجبة غنية بالكربوهيدرات المكررة والسكريات (مثل الخبز الأبيض والمشروبات السكرية والحلويات) سيؤدي إلى ارتفاع سريع في سكر الدم بغض النظر عن مدى بطء تناولها.ويُمكن أن يُؤدي تناول الكربوهيدرات مع البروتين أو الألياف أو الدهون الصحية إلى إبطاء عملية الهضم بشكل كبير ومنع الارتفاع الحاد في سكر الدم والأنسولين. على سبيل المثال، ثبتت فعالية تناول الخضراوات والبروتين قبل الكربوهيدرات. كما أن لكمية الطعام التي تتناولها تأثير كبير أيضًا. يُعد تقليل حجم الحصص طريقة فعالة أخرى للتحكم في مستويات السكر في الدم. ويمكن أن تساعد ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وخاصة المشي لمسافات قصيرة بعد الوجبة، في خفض مستويات الجلوكوز في الدم وتحسين حساسية الأنسولين. و يُعد تناول الطعام ببطء أحد عناصر نمط الحياة الصحي الذي يشمل اتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة نشاط بدني منتظم، والحفاظ على وزن صحي.
يُعد تناول الطعام ببطء عادة بسيطة وفعالة تُسهم في تحسين التحكم في نسبة السكر في الدم وتحسين الصحة الأيضية بشكل عام. فهو يساعد على تنظيم استجابة الجسم للطعام من خلال تعزيز إطلاق الجلوكوز تدريجيًا، والسماح لهرمونات الشبع بالعمل بشكل صحيح. ومع ذلك، للحصول على أفضل النتائج، ينبغي دمجه مع عادات صحية أخرى، وخاصة اختيار نظام غذائي غني بالألياف والبروتين والدهون الصحية مع الحد من الأطعمة المصنعة عالية السكر.
خبيرة التغذية فانيسا بيدجاي حداد، إلى اليسار، أطباق من الشيف محمد أورفلي
