في كثيرٍ من الأحيان، نَعْتَبر أن جُهودَنا كأفراد أومؤسسات، في إنجاز عملٍ مُعَيَن او إكمال أحد المَهامْ بأنها جهوداً جَبارَة وخارِقة للعادة ونَسْتَحَقْ عليها الشُكْر والثَناء.
لاشك بأن الإجتَهاد في أداء العَمَل هو قيمَة كَبيرة وإنْعِكاسْ إلى مستوى الإحْتِرافية التي يَتَمَتَع بَها الفَرد في إنْجازْ المَهامْ المَنوطَة له، ولكن يَجَبْ عَلينا الأخْدْ في الحِسْبان بأن مانقوم به من أعمال في مُعظَم الأحيان هي من أجْل مُستَفيدين أخرين، فلذلك رِضائُهم عَلى ما نُقَدمه من خَدَماتْ او مُنتَجات هو المِعْيار الحقيقي لِمُستوى أدائنا. في عالم الأعْمال لاقيمَة للجُهود المَبذولة في عَمَل لايَلقى رِضا وأسْتِحْسان العُمَلاء. قيمتها لاتَتَعدى كونها تَجارِب غير ناجِحَة وربما يمكن إقتِباس بَعض الدروس منها لِتَجَنب الوقوع في نَفَس الأخطاء مستقبلاً.
تتَعَدد المُسَمَيات بَيْن عَميل ومُسْتَهلك وزَبونْ ومُشْتَري ومُسْتَفيد ومُسْتَخْدم، ولَكن يبقى المعنى واحد. بلغَة الأعمال البَسيطَة، العَميل هو الجِهَة أو الأفراد الذين يمكنهم الاستفادة أو استهلاك أو شِراء ما يُقَدَمْ من خَدَماتْ او مُنتَجات.
العميل هو المُتلَقي لمنتج أو خِدمة ما، من أرباب العَمَل او المَصادِر. ليس بالضَروري أن يكون العميل جهة خارجية فالعميل الداخلي هو من يرتبط مباشرة مع المُنَظَمَة او المُنْشأة كالموظفين او أصحاب المَصلحَة او المُساهِمين.
تَعي المؤسَسات التِجارية وغيرها أهَمِيَة العَميل، فهو الرَكيزة الأساسية لقيام الأعمال. بِعِبارة أخرى لولا وجود العُمَلاء لما وِجَدَتْ الأعمال. لا ينحصر دَور العميل في الإستفادة او الإستهلاك فقط ، ولكن الشركات تُعَوِلْ على رضى العميل كثيراً في تَحْقيق أهْدافُها المَرجوة والمُتَمَثِلة في زِيادة الأرباح و تَبرير وجودها في السوق. لذلك حَرص كثيرٌ من المؤسَسات على إستِخدام “العَميل أولاً” شعاراً تسويقياً لها لأستقطاب العُمَلاَء و بِناء عَلاقات تِجارية طَويلة الأمَد لم يأتي من فراغ.
نَحنُ أيضاً كعُمَلاء كثيراً مانَسْتَشْهِد بالمقولة المشهورة “العَميل دائماً على حَق” عند المُطالبة بِحقوقنا او في مُناقَشَتُنا مع المُوَردين او مُقَدِمي الخدمة. هذا لا يَعْني أَحَقِّيَّة العُمَلاء في التَهَكُم على الأخرين من غير وَجه حق. بل إن بِناء عَلاَقَة جيدة مَعَ بَعض المُوَردين او مُزَودي الخَدَمات تُخولك الحُصول على أمْتِيازات لايَحْضى بها العُمَلاء الأخرين (العاديين) إلا بِدفع رسوم إضافية.
متطلبات العميل تدفع المؤسَسات لإتِخاد الخطوات والتدابير اللازِمَة بما فيها على سبيل المِثال ، إحْلال تَقنيات جَديدة في خُطوط الإنتاج وتدريب الموظفين لِضَمان تطوير الأداء بما يتناسب وتلبية تلك المُتَطلبات. تَحْرص المؤسسات دائماً على أن يَرْتَقي مُوظفي او مُمَثلي خِدمة العُمَلاَء ، إلى أعْلى مُستويات الأداء لكونهم الواجهة والِلسان الناطق للأعمال، فأي تَقْصير من مُمَثِلي خِدمة العُمَلاَء قد يؤدي إلى خَلل قَدْ تكون نتائجه وخيمة على الأفراد في المَرتَبة الاولى ومن ثم على سَيرالأعمال.
هجرة العُمَلاَء او إنْتِقالِهم إِلى مُنافسين او أسْواق أخرى تَعْمَل في نفس المَجال سعيًا وراءَ الحُصول على خَدَمات أفضَل تَتَناسب مع ما يُدفَع من مُقابل او رُسوم سيؤدي حتماً إلى تَقَلّص حَجْم المَبيعات و الإيرادات. إستمرار الهبوط قد يفاقم المشكلة حتى تَطال الهَيْكل التنظيمي للمؤسسة وقد تنهي مشوار المؤسسة في عالم المال والأعمال.
تحرص كثيرٌ من المؤسسات الخَدَمية وغيرها على إضافة وسائل إتصال وتفاعل عَديدة لِتضمَن حُصول العُمَلاَء على الجودة المرجوة في المَقام الأول ، ووصول صوت العُمَلاَء إلى الموظَفْ المَسْؤول لإتِخاد الإجراءت اللازمة عند وُرود أي تَقصير أوالنَظَر في مايُقَدمه العُمَلاَء من إقتِراحات اوشَكاوى تَخُص أداء ممثلي الخدمة او تحسين جودة المُنتَجْ. هذه الخطوة تُمَكَن المُؤسسات من إحتواء المشاكل في بداية ظهورها قبل أن تَصل الى مَراحل مُتَقِدمة يَصعب حلها ومن ثم تُصبح ظاهرة سلبية مُرتبطة بإسم المُنشأة وعَلامتها التِجارية.
استحداث المُؤسَسات لِخَدَمات او مُنتَجات ، او الدخول الى أسواق جديدة او الإستغناء عن البعض منها يأتي بعد دراسة تحليلية مُسْتَفيضة لإحتياجات العَميل في السوق او المُحيط التي تَعْمَل فيه. فنرى على سبيل المثال مُكَونات او حتى الشَكِل الخارجي او الإعْلانات التسويقية لِنَفْسْ المُنْتَجْ يختلف من بلدٍ إلى أخر تماشياً مع الذوق العام ومراعاةٍ لِثَقافة الشعوب في البلد المُسْتَهدف. كُل هذه التفاصيل الدقيقة تَتَطلب جُهوداً وتَكاليف إضافية لكنها تُساعد المؤسسات كثيراً على المدى البعيد في بناء الثقة مع العُمَلاَء وبالتالي زيادة حِصَتها السوقية ويبقيها في سِباق المُنافَسَة.
تطوير الأداء لايَقتَصر فقط على الزِيادة الإنتاجية للمُؤسَسات ، ولكن الوُصول الى مُستوى عالي من الجَودة في المُنتَج او الخِدمة المُقَدَمة، وسرعة التَجاوب مع مُتَطَلبات العُمَلاَء و تَسْهيل وصُول العُمَلاَء للمُنْتَج بواسِطَة زيادة عَدَد المُوزِعين المُعتَمدين او زِيادة عدد الفروع العامِلة في المَناطِق التي يَتواجد فيها أعْداد كبيرة من العُمَلاَء. إضافة الى خَدمات مابعد البيع، البَعض يُقَدِم للعُمَلاَء خِدمة التوصيل المَجاني التي من شأنها أن تَزيد من حَجْم المَبيعات. إضافة التسوق الإلكتروني عَبر الإنترنت كخيار يَسمح للعُمَلاَء شِراء السِلَع أو الخدمات مباشرة من البائع بإستخدام مُتصَفح الويب. ولكن يَظَل الأختِلاف في أذواق و أولويات العُمَلاَء هو الفَيْصَل في إختيار المُنتَج او البائِع.
يبقى العَميل دائماً هو الشَخص الأكثر أهمية للأعْمال في كل زَمان وكل مَكان، حيث تَعْتَمِد عَليه المُؤسسات التجارية والغير ربْحِيَة منها في التخطيط لِسَيْر أعمالها حاضراً وماستكون عليه مستقبلاً وما يتماشى مع ما تَتَضَمنه روئيَتَها المُحَدَدَة مسبقاً ، لذلك مُهِمَة المُؤسسات تَكمُن في دِراسة وفَهم رَغَبات ومُتَطَلبات العُمَلاء، ومن ثم تَوظيف إمكانِياتُها وتطوير أدائُها لتلبية تلك الرَغَبات و المَطالِب.