مع اجتماع الدول في قمة المناخ COP28 التي عُقدت في دبي، أصبح الشعور بالحاجة الملحة لإيجاد حلول عملية للمناخ أكثر جلاءً من أي وقت مضى. عزز حضورنا في هذه القمة المحورية من قناعتنا بأن الذكاء الاصطناعي (AI) ليس مجرد تطور تكنولوجي، ولكنه أيضًا محفز للتغيير المجدي عبر أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة. تتفاقم أزمة المناخ دون هوادة بينما نبدو محاصرين في مفاوضات لا تنتهي. لقد أصبحت الأفكار الجديدة ضرورة ملحة، وتقدم التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي أملاً جديدًا.
استدامة تعتمد على البيانات
يمتلك تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة لدفع الاستدامة عبر مختلف الصناعات مثل التصنيع والطاقة والنقل والمدن. على سبيل المثال، يحسن الذكاء الاصطناعي أداء المصانع في تقليل تقليل المخلفات، بينما يتوقع التعلم الآلي أعطال المعدات من أجل الصيانة الوقائية. يعمل الذكاء الاصطناعي على موازنة عرض وطلب الطاقة المتجددة في الوقت الفعلي في شبكات الكهرباء.
تمكن العدادات الذكية من الاتصال ثنائي الاتجاه لتتبع أنماط الاستخدام وتكوين تسعير مثالي. على سبيل المثال، يساعد الذكاء الاصطناعي في الزراعة الدقيقة على إنهاء الجوع (هدف التنمية المستدامة 2) من خلال تحليل بيانات الأقمار الصناعية للتنبؤ بغلة المحاصيل وتحسين الري، مما يعد بزيادة غلة المحاصيل العالمية بنسبة 20-30%.
يمكن أن توفر اللوجستيات الرقمنة أكثر من 100 مليار دولار سنويًا، بينما تعمل أجهزة استشعار الذكاء الاصطناعي والإنترنت للأشياء على إبلاغ التخطيط الحضري الأكثر اخضرارًا. في مجال الرعاية الصحية (هدف التنمية المستدامة 3)، يحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في التشخيص الطبي، حيث تكتشف الخوارزميات أمراضًا مثل سرطان الثدي بسرعة ودقة ملحوظتين، ما يوفر بارقة أمل لمناطق مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للتغلب على قيود البنية التحتية. تعد مبادرة “المدينة الذكية” في سنغافورة مثالًا رائدًا على الاستدامة المعتمدة على البيانات، مع تطبيقات تشمل تحسين الصرف الصحي وتحسين حركة المرور والكشف المبكر عن التسريبات. يعزز هذا التحول الرقمي الكفاءة ويقلل من المخلفات ويشجع على الحياة الحضرية المستدامة.
استراتيجيات التخفيف من تغير المناخ
أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال التخفيف من تغير المناخ. تقوم رؤية الكمبيوتر على بيانات الأقمار الصناعية برسم خرائط لمصادر الانبعاثات العالمية، بدءًا من محطات الطاقة وحتى النقل. تنتج خوارزميات التعلم الآلي معلومات جغرافية مكانية مفصلة، توجه سياسات خفض فعالة. يدير الذكاء الاصطناعي شبكات الطاقة المتجددة مع تخزين في قطاع الطاقة، مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري. تعمل الأنظمة الذكية على تحسين الإضاءة والتدفئة والتهوية وتكييف الهواء في المباني، مما يقلل الاستهلاك بشكل كبير. كما تستفيد المواقع الصناعية أيضًا من البنية التحتية للكفاءة التشغيلية. تقوم الطائرات بدون طيار المستقلة بإجراء عمليات تفتيش السلامة في المواقع الصعبة. يمكن لتنفيذ الذكاء الاصطناعي المسئول أن يقلل بشكل كبير من الانبعاثات، مما يوفر وقتًا للانتقالات الاجتماعية والاقتصادية.
على سبيل المثال، يمكّن التزام Microsoft بتوفير قدرات الذكاء الاصطناعي الخاص بها لتحالف Global Commons التابع لمؤسسة الأمم المتحدة من اتخاذ إجراءات مناخية أكثر فعالية من خلال الاستفادة من المعلومات المستمدة من صور الأقمار الصناعية وتدفقات البيانات. يعد هذا التعاون مفيدًا لتحسين أنظمة الطاقة المتجددة وتتبع الانبعاثات.
التعاون العالمي
كانت الحاجة إلى التعاون العالمي موضوعًا رئيسيًا في قمة المناخ COP28. إن تغير المناخ ظاهرة مترابطة عالميا. وتتطلب الحلول استجابات موحدة، وليس جهودا معزولة أو إلقاء اللوم. والتعاون ذو أهمية قصوى، سواء من خلال مواءمة السياسات أو الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
ويتم التأكيد على أهمية الجهود الجماعية في تسخير الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية المستدامة، بما في ذلك معالجة عدم المساواة والشمول المالي، من خلال شراكات مثل شراكة مجموعة الـ 42 التي أنشأتها أبوظبي مع الأمم المتحدة والتزام جوجل بدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
تتقاسم المملكة المتحدة خبرتها في مجال أخطار المناخ مع البلدان النامية، مما يعزز الوحدة العالمية والاستجابة. على الرغم من انخفاض انبعاثاتها تاريخياً، تواجه إفريقيا آثاراً اقتصادية غير متوازنة. ويمكن للتعاون العالمي أن يمكّن البلدان الإفريقية من الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة.
تعمل الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند للطاقة النظيفة على تعزيز التحول العادل للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التعليم وإعادة التدريب الوظيفي. تتوافق الاستراتيجية الوطنية المصرية للذكاء الاصطناعي مع أهداف الاستدامة في إفريقيا. إن المساعدة عبر الحدود وتبادل المعرفة تعطي الأولوية لرفاهية الكوكب.
يشكل انعدام الثقة بين المتنافسين مثل الصين والولايات المتحدة عقبات، لكن التكنولوجيا يمكن أن تساعد. يسلط نمذجة الذكاء الاصطناعي ومحاكاته الضوء على عدم عقلانية عدم التعاون لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل.
أسئلة طرحت في قمة المناخ COP28
إننا نواجه الآن أسئلة مترابطة وحرجة. كيف ننتقل من الاستغلال المتهور للموارد إلى شراكة تحترم الطبيعة؟ فكيف يمكننا أن نبتعد عن التأثير الضار، ونتجه نحو تجديد الموارد؟ ما هي المبادرات التي تعزز النمو العادل الذي يتماشى مع النظم البيئية الطبيعية؟ فكيف يمكننا استعادة ما فقدناه من غاباتنا، وتنوعنا البيولوجي، وهوائنا النظيف، وأنهارنا؟ كيف يمكن للقطاعات الرئيسة التكيف لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية في مواجهة عدم الاستقرار المناخي المتزايد؟ كيف يمكن للمجتمعات الضعيفة عالميًا الوصول إلى موارد الحياة الأساسية؟ ومن الضروري أيضًا معالجة الآثار النفسية- القلق والحزن واليأس التي تهدد العقول الشابة. يتيح إنشاء مساحات للتواصل والتعاطف والتمكين استجابات ناضجة لتأثيرات الصحة العقلية.
الاعتبارات الأخلاقية والحوكمة
ومع اعتمادنا لقدرات الذكاء الاصطناعي، أصبحت أهمية الحوكمة الأخلاقية في غاية الأهمية. ويعد قانون الذكاء الاصطناعي الصادر عن الاتحاد الأوروبي، وكذلك المبادئ التوجيهية للتنمية الأخلاقية الصادرة عن دولة الإمارات العربية المتحدة، خطوات نحو تخفيف الأخطار مثل التحيز ونزوح الوظائف، وضمان تعظيم فوائد الذكاء الاصطناعي على نحو مسؤول.
بناء القدرات والإدماج
تسلط التزامات المنظمات مثل Data4SDGs الضوء على أهمية البيانات المفتوحة وتطوير المواهب. وتعد مبادرات مثل منحة Anthropic’s AI Safety Scholarship ضرورية لتنويع مجال الذكاء الاصطناعي وإعداد القوى العاملة لمستقبل يعتمد إلى حد بعيد على الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي المتقدم
لتجاوز حالة الطوارئ المناخية، يتطلب الأمر مزيجًا من الإرادة السياسية والتكنولوجيا المتقدمة. على الرغم من التركيز الكبير على الحلول التقنية، إلا أن التحولات في السياسة الخارجية نحو التعاون العالمي لها أهمية لا تقل عن الاضطرابات التكنولوجية العميقة. مع أن مقترحات الهندسة الجيولوجية لا تزال مثيرة للجدل، إلا أن نمذجة الذكاء الاصطناعي توفر تحليلًا للسيناريوهات للمساعدة في إجراء مناقشات شفافة وقائمة على الأدلة حول البدائل في حالات الطوارئ المناخية.
- تابعونا:
