وسط سباق عالمي متسارع لإعادة تعريف تجارب العملاء عبر الذكاء الاصطناعي، يؤكد شريف قطب، نائب الرئيس لدول مجلس التعاون الخليجي والمدير العام في دولة الإمارات في شركة بريز Braze، أن المنطقة تسير بخطى واثقة نحو بناء منظومة تفاعل ذكية تمتزج فيها التقنية بالبعد الإنساني. ففي حوار خاص يستعرض قطب كيف أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي حجر الأساس في تعزيز التخصيص اللحظي ورفع كفاءة حملات التواصل، مع الحفاظ على الحس العاطفي الدقيق الذي يضمن ولاء العملاء واستدامة العلاقة. كما يسلط الضوء على التحولات المتوقعة في موازين التنافس داخل قطاعات الضيافة والتجزئة، والدور المحوري لتكامل البيانات والتحليلات التنبؤية في صياغة معايير جديدة للتميز والابتكار عبر أسواق الخليج. وعن طريقة استخدام العلامات التجارية للذكاء الاصطناعي لإعادة تعيد تشكيل تجارب العملاء ، لا سيما في الخليج، يشير بالقول:” يشكّل الذكاء الاصطناعي اليوم مُحركًا أساسيًا لتمكين التخصيص الحقيقي الواسع النطاق عبر كامل رحلة العميل، إذ يتيح من خلال الوكلاء البرمجيين (autonomous agents) المدعومين بالذكاء اللحظي تصميم تجارب شخصية متكاملة تعكس احتياجات كل عميل وتطلعاته. ويمثل هذا التحول نقلة نوعية في دور فرق التسويق، حيث يرتقي بها من المهام التنفيذية التقليدية إلى أدوار قيادية واستراتيجية، تمكّنها من قيادة أنظمة تفاعل ذاتية قادرة على تحقيق قيمة متبادلة ومستدامة تعزز من عمق العلاقة بين العلامة التجارية وعملائها.
وتشير البيانات إلى أن العلامات التجارية الأعلى أداءً هي الأكثر تقدمًا في تبني التحليلات التنبؤية بنسبة 30%، والأكثر استخدامًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي في ضمان الجودة وإنتاج المحتوى الإبداعي بنسبة 15%، ما يرسّخ تحولها من مجرد فهمٍ لسلوك العملاء إلى توظيف ذكاء فعلي مدفوع بسياق بياني أكثر ثراءً.
تُبدي العديد من العلامات التجارية في المنطقة قلقها من أن الاعتماد المتزايد على الأتمتة قد يؤدي إلى إضعاف البعد البشري عند التفاعل مع العملاء. برأيك، كيف يمكن تحقيق توازن فعّال بين كفاءة الأتمتة والحفاظ على الطابع البشري للعلاقة، خصوصاً في المواقف الحساسة مثل فقدان بطاقة مصرفية، أو مواجهة مشكلة معقّدة تتطلب فهماً أعمق، أو التعرّض لحالة احتيال تستوجب تدخلاً مباشراً من البنوك أو الكيانات المالية أو المنصات الرقمية؟
تميل العديد من العلامات التجارية إلى الاكتفاء بمرحلة التقسيم، الأمر الذي يُشعر العملاء بأن احتياجاتهم لا يتم فهمها على نحو كافٍ. وهنا تتجلى أهمية التخصيص الديناميكي القائم على التنبؤ والذكاء العاطفي، باعتباره نهجًا استراتيجيًا يعيد تعريف أسلوب التفاعل مع العملاء، من خلال بناء تجارب أكثر عمقًا وإنسانية.
ويسهم التخصيص الحقيقي على المستوى الفردي، المدعوم ببيانات الطرف الأول والذكاء اللحظي، في تعزيز الاستباقية ضمن تجربة العميل، إذ يتيح التنبؤ بمواطن الاحتكاك أو المشكلات المحتملة والتعامل معها قبل تفاقمها، بما يضمن تقليل حدة التوتر العاطفي المرتبط بالتجارب السلبية، ويعزز شعور العميل بالثقة والرعاية المستمرة من قبل العلامة التجارية.
ففي الحالات الحساسة مثل فقدان بطاقة مصرفية أو التعرض للاحتيال، تبرز أهمية التكامل السلس بين الأتمتة والتدخل البشري، بحيث تتيح الأنظمة المؤتمتة انتقالًا فوريًا وسلسًا إلى العنصر البشري عند الحاجة. وهو ما تدركه العلامات التجارية في الخليج جيدًا، إذ أعرب 74% منها عن قلق بالغ من فقدان البعد العاطفي في التواصل، وهي نسبة تفوق المتوسط العالمي بشكل ملحوظ.
ويجسّد نموذج تطبيق “فلاورد” (Floward) هذا التوازن بوضوح، حيث إن اعتماده على مزيج من تقسيم العملاء وفق الحداثة والتكرار والقيمة النقدية (RFM)، إلى جانب تنظيم الحملات عبر قنوات متعددة مثل البريد الإلكتروني، والإشعارات الفورية، وتطبيق واتساب، قد أسهم في تحقيق معدلات قراءة وتفاعل مرتفعة. مؤكدا أن التخصيص اللحظي المبني على التوقيت والسياق المناسبين يتفوّق بوضوح على أساليب التواصل العامة وغير الموجهة.
مع تنقّل المستهلك اليوم بسلاسة بين القنوات المختلفة، من التطبيقات والمتاجر إلى منصات التواصل الاجتماعي، ما أبرز ما تحتاجه العلامات التجارية في الخليج لتقديم تجربة متكاملة وسلسة عبر جميع نقاط التفاعل؟
على الرغم من أن 83% من العلامات التجارية في دول مجلس التعاون الخليجي تستخدم بالفعل قنوات متعددة للتفاعل مع عملائها، إلا أن 39% منها تقرّ بأن هذا التنسيق ما زال مجزأً، ما يؤدي إلى تجارب غير مترابطة تفتقر إلى الانسجام. ولتجاوز هذا التحدي، يتطلب الأمر توحيد البيانات السلوكية والمعاملات والتفضيلات ضمن منصة تفاعل موحدة، تضمن اتساق الرسائل من حيث النغمة والتوقيت والهدف عبر جميع القنوات. فغياب قاعدة بيانات موحدة وقابلة للتخصيص يحول دون تحقيق المرونة اللحظية التي يحتاجها المسوقون لبناء جماهير مستهدفة وتنظيم تجارب مخصصة عبر مختلف نقاط الاتصال، من التطبيقات والمتاجر إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
يطالب الرؤساء التنفيذيون وكبار المسؤولين الماليين دائما بدليل على عائد الاستثمارات التسويقية. كيف يمكن للتقنيات المبنية على الذكاء الاصطناعي تقديم هذا الدليل بطريقة ملموسة؟
يسهم الذكاء الاصطناعي في تقديم مؤشرات أداء واضحة وملموسة من خلال تحليل احتمالات انسحاب العملاء، وقيمة العميل مدى الحياة، واحتمالية الشراء، وهي جميعها مؤشرات مرتبطة مباشرة بالإيرادات. كما يمكن قياس العائد على الاستثمار بدقة عبر مقارنة نتائج قرارات الذكاء الاصطناعي مع عينات ضابطة إحصائيًا (Holdouts)، ما يمكّن الشركات من تحديد الزيادة الحقيقية في الأداء الناتجة عن الذكاء الاصطناعي وتحويلها إلى قيمة مالية ملموسة لتعزيز ثقة القيادات التنفيذية في جدوى الاستثمار واستدامته.
تؤكد الدراسات أن العملاء العائدين ينفقون أكثر بكثير من العملاء الجدد. ما هي الاستراتيجيات التي توصى العلامات التجارية في الخليج بتبنيها لتعزيز الاحتفاظ بالعملاء، بدل الاكتفاء بالتركيز على استقطاب عملاء جدد؟
يُعد شهر رمضان فرصة ثمينة بالبيانات يمكن للعلامات التجارية استثمارها بذكاء، عبر تحويل الزخم الموسمي إلى علاقة طويلة الأمد مع العملاء، من خلال تقديم مكافآت حصرية قابلة للاسترداد بعد انتهاء الشهر الفضيل لتمديد شعور التميّز والانتماء. كما يُستحسن الانتقال بسلاسة إلى موسم الطلب التالي، مثل حملات الاستعداد للصيف للحفاظ على استمرارية التفاعل. ويمكن تعزيز هذه الجهود عبر نموذج التلعيب (أي استخدام عناصر وتقنيات الألعاب مثل التحديات اليومية) إضافة إلى حوافز الولاء. وفي النهاية، فإن العلامات التجارية التي تعتمد على الاستجابة الفورية والتفاعل اللحظي، إلى جانب النماذج التحليلية المتقدمة، هي الأكثر قدرة على تحويل القفزات الموسمية المؤقتة في التفاعل إلى ولاء مستدام.
في القطاعات التنافسية مثل الضيافة والبيع بالتجزئة، إلى أي درجة تعتبر تجربة العملاء اليوم عاملا حاسما بين النجاح والفشل؟
في قطاعي الضيافة والتجزئة، لم تعد تجربة العميل مجرد ميزة إضافية، بل ضرورة استراتيجية، إذ يتوقع المستهلكون في دول مجلس التعاون وخاصة الفئة الميسورة الحصول على مستوى خدمة استثنائي وتجربة “كبار الشخصيات” عبر جميع نقاط التواصل. ومع تزايد المعروض في فئة الرفاهية، لم يعد التميّز يقتصر على المرافق والخدمات، بل أصبح يتجسد في بناء تجارب مؤثرة تترك ذكريات متميزة وروابط عاطفية بين العملاء والعلامة.
نسمع الكثير عن التحليلات التنبؤية وجودة المحتوى كأدوات للتمييز. كيف يمكن للعلامات التجارية في الخليج الاستفادة من هذه الأدوات للتفوق على منافسيها عالميا؟
تتفوق العلامات التجارية في دول مجلس التعاون على صعيد تبني النماذج المتقدمة، مثل تقييم احتمالية الشراء أو الانسحاب، إلا أنها لا تزال متأخرة في تبني الاستجابة اللحظية، إذ لا تتجاوز نسبتها 39% فقط. وتُعدّ القدرة على سد هذه الفجوة خطوة استراتيجية محورية، تمكّن العلامات التجارية من الانتقال من الرسائل التفاعلية التقليدية إلى بناء الثقة بشكل استباقي، عبر استخدام النماذج التنبؤية للتفاعل مع العملاء قبل حدوث الانسحاب أو التراجع في الاهتمام، ما يمنحها ميزة تنافسية على المستوى العالمي. ويسهم الدمج بين التحليلات التنبؤية والمحتوى الأصلي والسرد القصصي والتخصيص الفردي في إبراز العلامات التجارية عالميًا، مع الحفاظ على الطابع الثقافي المحلي والروابط العاطفية مع الجمهور. كما يتيح التخصيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي للمسوقين تجاوز حدود التقسيم التقليدي، من خلال تقديم محتوى عالي القيمة يثري تجربة المستهلك ويضع معيارًا عالميًا جديدًا للتميّز المستدام.
إذا أردنا تلخيص الأولويات القادمة في مجال تجربة العملاء على مستوى الخليج، هل هي ذكاء اصطناعي، أم تعزيز الولاء، أم إعادة تعريف معايير التميز بما يتماشى مع رؤية التنويع الاقتصادي؟
تمثل أداة التنسيق الذكي المدعومة بالذكاء الاصطناعي فرصة للعلامات التجارية لاستغلال التنبؤ وتحليل التفاعل اللحظي، بما يتيح تقديم تجارب مخصصة على نطاق واسع. ويسهم هذا النهج في تعزيز الولاء من خلال تحويل المشترين الموسميين أو الجدد إلى عملاء متكررين وذوي قيمة عالية. كما يعيد هذا الأسلوب تعريف معايير التميز، عبر الدمج بين الإرث التقليدي والابتكار، مع مواءمة تجربة العملاء مع الرؤى الأوسع للتنويع الاقتصادي والاستراتيجي للعلامة التجارية.

