يسلط كل من الدكتور أكرم عوض، شريك في شركة بوسطن كونسلتينج جروب، وإلياس بالتاسيس، شريك ومدير في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب ،الضوء على الدور الحيوي للذكاء الاصطناعي في دعم الشركات والحكومات للحد من الانبعاثات الناجمة عن سلاسل التوريد تزامناً مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP27).
يُظهر المشهد الحالي مجموعة من الفرص والإمكانات التقنية الحديثة التي يمكن الاستفادة منها في سلاسل التوريد والتي تتطور بسرعة كبيرة في ظل عصر جديد من التحول. ويظل نهجي الاستهلاك والإنتاج المستدامين عنصرين رئيسين يمكن الاعتماد عليهما لتنفيذ الاتفاقيات العالمية متعددة الأطراف، ابتداءً من اتفاقية باريس، وإطار التنوع البيولوجي العالمي لما بعد عام 2020، ووصولاً إلى خطة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. ويسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز الروابط بين إدارة سلاسل التوريد وضمان الانتقال العادل للاقتصاد مع تزامن الإنتاج الواعي والمستدام بالنمو المرتفع.
ومن المخطط أن يركز مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي السابع والعشرون، الذي سينعقد في شرم الشيخ في مصر، على أهمية تعزيز التكيف والمرونة، والحد من الآثار الناجمة عن التغير المناخي، وزيادة مصادر التمويل وتوسيع منظومة الشراكة لتطوير المزيد من الحلول المناخية. وتستمر شركة بوسطن كونسلتينج جروب بالتزامها طويل الأمد بأجندة المناخ العالمي من خلال هذا المؤتمر بتوفير القدرات التحليلية والرؤى المتخصصة في القطاع، حيث ستقدم الشركة باعتبارها الشريك الاستراتيجي للمؤتمر خبراتها المناخية المتعمقة في استخدام التقنيات المتقدمة للذكاء الاصطناعي من خلال عملها مع مجموعة واسعة من الجهات الحكومية والشركات الرائدة على مستوى المنطقة والعالم. ويعتبر التركيز على حل التحديات المرتبطة بانبعاثات سلاسل التوريد من خلال تسليط الضوء على الدور الحيوي للذكاء الاصطناعي في تعزيز جهود التعاون على مستوى سلاسل التوريد، للتمكن من قياس الانبعاثات بشكل دقيق والحد من الآثار البيئية المترتبة عليها، باعتبارها من أهم العناصر التي يمكن تبنيها لتحقيق أهداف الاستدامة.
الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي
يعد الذكاء الاصطناعي فرصة استثنائية لتمكين الجهات المعنية من تحقيق تغييرات مناخية هادفة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي القادم، حيث قدم الأعضاء إجمالي 139 مساهمة محددة وطنياً جديدة أو محدثة في سبتمبر الماضي. ويشير أحد أحدث تقارير “مشروع الكشف عن الكربون” (CPD) المتعلقة بسلسلة التوريد والذي شارك فيه مجموعة من الجهات الرائدة العالمية في القطاعين الحكومي والخاص، حيث كانت نسبة المشاركين المصدرين للانبعاثات العالمية 40٪، بأن تلك الجهات تؤمن بالقيمة التجارية الأساسية للذكاء الاصطناعي لقياس مستويات الانبعاثات والحد منها. كما أثبت التقرير بأن 37٪ من الجهات المشاركة تتوقع الحصول على عائدات سنوية بقيمة 100 مليون دولار نتيجةً لخفض الانبعاثات. وتتعدد الطرق والاستراتيجيات التي يمكن أن تتبناها تلك الجهات لتوظيف الذكاء الاصطناعي في سبيل تحقيق أهداف الاستدامة، ومن بينها على سبيل المثال:
- جمع واستكمال مجموعات البيانات المرتبطة بالانبعاثات الناجمة عن العمليات التشغيلية وسلاسل التوريد والآثار المناخية الناجمة عنها
- تحسين إجراءات التخطيط واتخاذ القرار
- تطوير العمليات
- دعم المنظومات التعاونية
- تشجيع السلوكيات المناخية الإيجابية
ومن الممكن تبني الذكاء الاصطناعي كأداة أساسية لدعم الجهات المعنية في جهود الاستدامة والتي تشمل الشركات الخاصة والجهات الحكومية والمنظمات غير الربحية والمستثمرين – وتمكينهم من اتباع نهج أكثر وعياً يعتمد على البيانات وإتاحة الفرصة لتحقيق تغيير هادف في ظل المشهد المناخي الحرج.
حلول فريدة من أداة “الذكاء الاصطناعي لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون” (CO2 AI)
يزيد مستوى انبعاثات سلاسل التوريد في الشركات، بمعدل 11 مرة عن معدل الانبعاثات الناجمة عن العمليات التشغيلية، ومن هذا المنطلق أصبحت الانبعاثات غير المباشرة في سلسلة القيمة الكاملة للشركات الركيزة الأساسية التي يمكن اعتمادها لتطوير هذه الأداة الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي (CO2 AI). وتعمل الأداة التي ابتكرتها الكفاءات الرقمية بشركة بوسطن كونسلتينغ جروب، على تجميع بيانات الانبعاثات الدقيقة عبر سلسلة التوريد الكاملة للشركة، ما يمكنها من تحديد أهداف مناسبة بالاعتماد على البيانات والحد من الانبعاثات بنسبة تصل إلى 40٪. وتعمل الأداة المتقدمة على تتبع الانبعاثات الناجمة عن المرافق واستهلاك الكهرباء والمواد الخام والأصول المستأجرة وأنظمة تقنية المعلومات ورحلات العمل والمخلفات، ومن ثم استخدام عمليات المحاكاة المتقدمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتصميم سلسلة التوريد بالشركة وتحديد أهمية المتغيرات المختلفة – مثل لون العبوات الزجاجية وتصميمها من شركة تصنيع المشروبات – وتأثيرها على معدلات انبعاثات الشركة. وتتسع دائرة التأثير في نهاية المطاف حيث أن تصميم عمليات المحاكاة الحديثة والمرنة لسيناريوهات الانبعاثات يسهم في تحفيز اتخاذ قرارات التغيير على مستوى المؤسسة ككل، والتي تتخطى عمليات تصميم المنتج لتشمل الأنشطة المتعلقة بالمشتريات والتوزيع كذلك.
الذكاء الاصطناعي المسؤول مع الالتزام بأولويات المستهدفات على مستوى المنطقة
نشهد اليوم تقدمًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي مع دخولها في كافة جوانب الحياة، بدءاً من قياس الانبعاثات الناجمة عن سلاسل التوريد وإدارة عمليات الرعاية الصحية ووصولاً إلى السيارات ذاتية القيادة، فأصبح من المهم وضع الإجراءات اللازمة لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات واستثمارها بما يصب في مصلحة الأفراد والمجتمعات والدول والعالم أجمع. وعلى الرغم من وضوح المكاسب الناتجة عن تبني الذكاء الاصطناعي، إلا أنه يجب التركيز على نشر مفهوم الذكاء الاصطناعي المسؤول (RAI).
وتشير أحدث الاستطلاعات التي أجرتها مجلة “إم آي تي سلون مانجمنت ريفيو”، بأن 35٪ من المؤسسات تعتقد بأنها نفذت برنامج متكامل للذكاء الاصطناعي المسؤول، إلا أن الواقع يظهر بأن 16% فقط من هذه المؤسسات استطاعت تحقيق النضج المنشود في هذا الجانب. وعلى الرغم من ذلك، تستمر حيوية الجهود التي تبذلها الجهات المعنية على مستوى المنطقة لتطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي المسؤول، ومن الأمثلة على ذلك بيان الرياض للذكاء الاصطناعي(RAICA) ، الذي يعتبر بمثابة مبادرة رائدة من قبل منظمة التعاون الرقمي.(DCO) وتهدف المبادرة في إطار اهتمامها بمكافحة التغيرات المناخية، إلى تعزيز الالتزام بتحديد معالم المشهد الحالي ومواجهة التحديات الناشئة والمستقبلية للذكاء الاصطناعي.
ومع سعي الدول وبذلها للجهود اللازمة في سبيل تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، تكمن أهمية الذكاء الاصطناعي كأحد أهم المسرعات في هذا الإطار. ويأتي مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي السابع والعشرون (COP27) بالتزامن مع لحظة حاسمة لتوحيد جهود الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص بهدف الحد من الانبعاثات بصورة عاجلة. ويعتبر تعهد “التخلص التدريجي” من استخدام الفحم ضمن مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي السادس والعشرون (COP26) من المبادرات الفريدة وغير المسبوقة ضمن مساعي الأمم المتحدة لحل قضية التغير المناخي، ويمثل انعقاد المؤتمر لهذا العام فرصة إضافية لاستكمال أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ودعمها بمزيد من الإمكانيات الحديثة والتقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي.