لا صوت يعلو على صوت “التغيرات المناخية” كتهديد وتحدٍ لكوكب الأرض، ولكن يبدو أن بعض المناطق في العالم قد تكون عرضة للتأثر بتلك التغيرات أكثر من غيرها وبينها دلتا النيل في مصر.
وينتج تغير المناخ عن تحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، قد تكون طبيعية أو بفعل تدخلات بشرية، وهو على رأس أجندة فعاليات الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27. التي تنطلق اليوم الأحد في مدينة شرم الشيخ، شمال شرق مصر، وسط اهتمام عالمي ومشاركة واسعة من قادة العالم.
لماذا دلتا النيل؟
تمثل دلتا نهر النيل واحدة من أكثر المناطق المهددة بالعالم والأكثر حساسية للتغيرات المناخية، بحسب ما أكده محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري المصري.
يأمل المشاركون في قمة المناخ إبقاء ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض عند حد 1.5 درجة مئوية، لمنع تآكل أطراف الدول الشاطئية أوالنهرية كما هو حال دلتا النيل في مصر.
وكان اتفاق باريس للمناخ الذي وقعت عليه 197 دولة بينها مصر قد دعا إلى الالتزام بخفض درجات الحرارة العالمية إلى ما هو “أقل بكثير” من درجتين مئويتين والسعي الجاد للحد من الاحتباس الحراري لكي لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية لضمان حماية كوكب الأرض من تبعات كارثية يسببها تغير المناخ.
التبعات الكارثية المخيفة تهدد الدلتا المصرية التي تغطي قرابة 240 كيلومتراً مربعاً، بدءاً من شمال العاصمة المصرية القاهرة حيث يتدفق نهر النيل، وتمتد من الجهة الشرقية من بورسعيد إلى أن تصل إلى الجهة الغربية حتى الإسكندرية، وهي تكتظ بالسكان، حيث تبلغ نسبتهم قرابة 40 في المئة من سكان مصر البالغ عددهم 104 مليون نسمة.
وبحسب وكالة الغذاء التابعة للأمم المتحدة تمثل دلتا النيل نصف اقتصاد مصر، حيث شكلت فروع الأنهار أرضاً خصبة غنية عن طريق ترسب الطمي أثناء شق طريقها إلى البحر، ومنذ العصور الضاربة في القدم، كانت المنطقة بمثابة سلة غذاء للإمبراطوريات.
ثروات دلتا النيل مهددة
تسهم المزارع والثروة السمكية اللتان تمتدان على طول فرعي النيل، فرع رشيد في الغرب ونظيره دمياط في الشرق، في توفير الغذاء للبلاد والمنتجات للتصدير إلى الخارج، ولكن هذه الثروات كلها يتهددها تغير المناخ وارتفاع منسوب البحر.
ما أسباب هذا التهديد؟
• المياه المالحة تتسلل إلى الأراضي مع تزايد الضغط نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر، فيما تراجع الضغط المضاد الذي يتأتى من المياه العذبة.
• لجنة مدعومة من الأمم المتحدة كشفت أن الزيادة في منسوب مياه البحر تتراوح ما بين 0.5 و1 متر (أي 1.6 إلى 3.2 قدم) في وقت تقع فيه ربع مساحة الدلتا عند مستوى سطح البحر أو دونه.
• اللجنة تتوقع أنه بحلول 2100 وفق أحد أسوأ السيناريوهات فستؤدي الزيادة في منسوب البحر إلى انكماش الخط الساحلي نحو الداخل كيلومترات عدة، من ثم تغمر المياه مناطق كبيرة لتتحول إلى مساحات جرداء بسبب الملح الذي أفسد جودة التربة.
ووفقاً لتقرير رسمي أصدرته وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان (مستقبل المحاصيل الزراعية في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها مصر والعالم) فإن قطاع الزراعة المصري يسهم بنحو 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يتخطى حدود ستة تريليونات جنيه (نحو 383 مليار دولار أميركي) باعتباره أحد أهم القطاعات الرئيسة في الاقتصاد.
أشار التقرير إلى أن أغلب النشاط الزراعي المحلي يتمحور في منطقة دلتا النيل، لافتاً إلى أن ذلك يعني تعرضه إلى أخطار ارتفاع مستوى سطح البحر، ما يعصف بالإنتاجية الزراعية المحلية.
وتوقع التقرير أن تتوغل المياه عالية الملوحة في مساحات شاسعة من الدلتا، ما سيزيد من احتمال عدم قدرة الأراضي الزراعية القائمة على الإنتاج الزراعي في السنوات المقبلة.

تأثير ارتفاع مستوى البحر على الدلتا
ويحسب صحيفة الإندبندنت فقد صدر مؤخراً تقرير بهذا الشأن عن مجموعة دولية من العلماء تولى الإشراف عليها “مركز بحوث المناخ والغلاف الجوي” التابع لـ”معهد قبرص”، و”معهد ماكس بلانك للكيمياء”.
• يرد في السيناريو الأكثر ترجيحاً الذي خلصت إليه اللجنة أن البحر سيرتفع بمقدار 0.3 إلى 0.6 متر بحلول 2100.
• بحسب هذا السيناريو ستصير آلاف الأفدنة غير صالحة للزراعة أو حتى السكن.
• ”جورج زيتيس”، الذي شارك في كتابة التقرير المذكور، كشف أن ذلك سيتبعه تحديات خطيرة تواجهها البنية التحتية الساحلية والزراعة، ويمكن أن يؤدي إلى تملح طبقات المياه الجوفية الساحلية، بما في ذلك دلتا النيل المكتظة بالسكان والمزروعات.
• المزارعون والمقيمون الآخرون لطالموا أكدوا شعورهم بآثار تغير المناخ طوال سنوات، لا سيما في ارتفاع مستويات سطح البحر، حيث شهدوا تآكلاً أكبر للشواطئ، وتلوثت المياه الجوفية بالملح.
محمد عبد المنعم، كبير المستشارين في “شؤون الأراضي وتغير المناخ في “منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة” (الفاو) التابعة لـ”الأمم المتحدة”، ذكر أن تسرب المياه المالحة يشكل التهديد الأكثر تحدياً بالنسبة إلى الدلتا لأسباب عدة:
• قطاع الزراعة وإنتاج الغذاء الأكثر تضرراً من تسرب المياه المالحة للدلتا
• يترتب على تسرب المياه المالحة انخفاض في الإنتاجية، وهلاك المحاصيل في حالات كثيرة، وانعدام الأمن الغذائي.
• مصر تسهم بنسبة 0.6 في المئة فقط في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، إلا أنها واحدة من أكثر (البلاد) عرضة للتأثيرات الخطيرة التي يطرحها تغير المناخ.
لغز 2050
التقرير الرسمي الذي أصدرته وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان (مستقبل المحاصيل الزراعية في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها مصر والعالم كشف حقائق مرعبة بشأن مستقبل الإنتاج الزراعي في الدلتا تصل ذروتها بحلول عام 2050 .
وأبرز المخاوف بشأن إنتاج دلتا النيل عام 2050 جاءت على النحو التالي:
• انخفاض إنتاجية محصول القمح بنسبة لن تقل عن 15 في المئة بحلول عام 2050 مقارنةً بحجم الإنتاج الحالي، وقد تزيد النسبة إلى 36 في المئة بحلول عام 2100.
• تقلص نسبة إنتاج محصول الأرز بنحو 11 في المئة بعد مرور 28 عاماً، في الوقت الذي قد تتراجع فيه إنتاجية محصول الذرة بنسبة تتراوح بين 14 و20 في المئة بحلول عام 2050.
• تراجع إنتاجية محصول الفول الصويا بنسبة 28 في المئة بحلول عام 2050.
• تأثر الحاصلات الزراعية نتيجة تغير مسببات الأمراض النباتية لتغير أنماط هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة.
• البطاطس أحد أهم المحاصيل الزراعية عند الشعب المصري لم تنجُ من تهديدات التغيرات المناخية، إذ توقع التقرير انخفاض إنتاجية البطاطس بنحو 2.3 في المئة بحلول عام 2050.
*إجراءات حماية دلتا النيل*
تغيرات كبيرة دخلت على الممارسات الزراعية، بسبب تغير البيئة فقد اعتاد المزارعون في السابق زراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل: الطماطم، والباذنجان، والقرع، وغيرها من خضروات، والآن، يزرعون في الغالب المانجو والحمضيات، التي تعتبر أقل هشاشة أمام الملح.
الحكومة المصرية والمزارعون تبنوا عدة إجراءات لحماية البيئة من التغيرات المناخية أبرزها:
• رفع مستوى التربة، مدعوماً بشبكة تدفق المياه سطحياً فوق الأرض التي بنتها بهدف خفض نسبة الملح في التربة، منح المزارعين بعض الوقت.
• يزرع كثيرون نباتات في أحواض مرتفعة، واستخدام ما تيسر للمزارعين من أسمدة طبيعية أو كيماوية معقولة التكلفة كي يتصدوا لزحف الملح.
• إنشاء شبكة لتدفق المياه السطحي والأسمدة الكيماوية باهظة التكلفة التي يستخدمها المزارعون، ورفع مستوى الأراضي.
• على طول الساحل على الجانب الشرقي من الدلتا، رُفعت حواجز خرسانية على أطراف مدينة بورسعيد كي تصد الأمواج العاتية عن اليابسة.
• تحاول السلطات المصرية وضع حد لممارسات تتسبب بدرجة عالية من التلوث، مثل صناعة الطوب، وتقليد الزراعة القديم، وحرق قش الأرز، الذي يغلف سماء الدلتا بالدخان سنوياً بعد الحصاد.
إنذار للتنبيه
يمتد ساحل البحر المتوسط المصري برمته على مسافة 990 كيلومتراً (نحو 615 ميلاً)، وقد ذكر وزير الري والموارد المائية المصري السابق، محمد عبد العاطي، ذكر في يناير (كانون الثاني)، أن حكومة بلاده أقامت حواجز خرسانية على مسافة 120 كيلومتراً على طول ساحل البحر المتوسط، بهدف إيواء 17 مليون شخص، أي ما يعادل حوالى نصف ساحل الدلتا ومدينة الإسكندرية.
وقال عبد العاطي إنهم يعملون أيضاً على بناء نظام إنذار للتنبيه إلى أي تغيرات مناخية ربما تطرأ، من قبيل ارتفاع مستوى سطح البحر.
وكشف رئيس مركز تغير المناخ بوزارة الزراعة المصرية، محمد فهيم، أن خطر التغيرات المناخية لا يمثل تهديداً للقاهرة وحسب، مشيراً إلى أن العالم بأسره تحت رحمة تلك التغيرات العنيفة.
وأضاف أن الحكومة المصرية لم تتحرك لمواجهة التهديدات المناخية إلا في السنوات الأخيرة، مع تكرار حدوث السيول وتأثر محاصيل على رأسها المانجو، وهلاك معظم المحصول في الموسم الماضي، لافتاً إلى أن التغيرات المناخية قد تقلل من إنتاجية المحاصيل الزراعية.
ويسود اعتقاد بين المصريين أن هذه الخطوات صغيرة في معالجة مشكلة عالمية كبيرة، وقد تكون غير كافية في حالة هلاك المحاصيل، الأمر الذي قد يترتب عليه هجرة المزارعين من أراضيهم، أما عدم الاستعانة بهذه التدابير، فسرعان ما يحول هذه الأراضي إلى مناطق مقفرة.