في قلب مدينة لا تعترف بالمستحيل، وبينما يتسارع نبض الاقتصاد الإبداعي في دبي ليتجاوز التوقعات، تبرز حاجة ملحة لسؤال جوهري: هل تكفي ‘الشهرة’ وحدها لبناء علامة تجارية مستدامة؟ اليوم، لا نتحدث فقط عن شركة جديدة لإدارة المواهب، بل عن رؤية وُلدت من رحم 8 سنوات من الخبرة في كواليس صناعة المحتوى والإنتاج. ضيفنا اليوم محمد لباد مؤسس والمدير العام لاستوديوهات ايلوم.
لم يكتفِ برصد النمو المتسارع للسوق العربي الذي يقترب من حاجز الـ 100 مليار دولار، بل قرر أن يملأ ‘الثغرة’ التي يتجاهلها الكثيرون؛ وهي بناء منظومة تدعم المحتوى الهادف والملهم الذي يبحث عنه أكثر من 70% من الجمهور العربي.
من خلال ايلوم ستوديوز يسعى محمد لباد المؤسس والمدير العام لتغيير قواعد اللعبة؛ حيث الأرقام تخدم الرسالة، والجودة تسبق الكم، ودبي هي المختبر العالمي لهذه الانطلاقة. في هذا الحوار، نغوص مع مؤسس ايلوم ستوديوز في كواليس الاستدامة المالية، وتحديات إدارة التوقعات لدى الجيل الجديد، ولماذا يراهن على أن ‘الإرث’ هو العملة الأغلى في اقتصاد المستقبل.”

وردا على استفسار أريبيان بزنس لماذا الآن؟ وما الثغرة في السوق التي دفعتك للدخول، يجيب بالقول: بعد 8 سنوات من العمل في قلب صناعة المحتوى الرقمي بالمنطقة، من الإخراج والإنتاج إلى تدريب المئات من صنّاع المحتوى في الإمارات والمنطقة، لم أكن أبحث عن “خلل يجب إصلاحه” بقدر ما كنت أرى فرصة استثنائية لم تُستغل بعد. السوق العربي يشهد نمواً متسارعاً في صناعة المحتوى، الاقتصاد الإبداعي العربي ينمو بمعدل 12-15% سنوياً ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 100 مليار دولار بحلول 2030 حسب تقارير اليونسكو وPwC ، لدينا اليوم أكثر من 500 مليون مستخدم عربي للإنترنت، ومعدل استهلاكهم للمحتوى يزيد بنسبة 35% سنوياً. هذه أرقام تعكس عطشاً حقيقياً للمحتوى، لكن الأهم من ذلك أنني لاحظت في تجربتي مع بعض الشركات الرائدة في عالم صناعة المحتوى والفعاليات الكبرى والبرامج التدريبية الحكومية أن هناك طلباً من نوع مختلف.
الجمهور العربي اليوم، وحسب دراسة جامعة نورث ويسترن في قطر عام 2024، 72% منهم يبحثون عن محتوى هادف وملهم. المواهب التي تقدم قيمة معرفية حقيقية أو فنية راقية تحقق ولاء أعمق بمعدل 3 إلى 5 أضعاف مقارنة بالمحتوى العابر، لكن معظم هذه المواهب تفتقر للدعم الاستراتيجي الذي يحولها من موهبة خام إلى علامة تجارية مستدامة. الثغرة الحقيقية التي رأيتها ليست في المنافسة، بل في حجم الفرصة. العالم العربي يحتاج آلاف المؤثرين الجدد الذين يقدمون قيمة معرفية حقيقية، قيمة فنية راقية، وقيمة اجتماعية تُحدث فرقاً إيجابياً. السوق أوسع بكثير مما نتخيل، وهناك مساحة لمئات الشركات وآلاف المواهب.
نحن في ايلوم ستوديوز لا نزاحم أحداً، بل نضيف لاعباً جديداً يركز على شريحة محددة وهي صنّاع المحتوى الهادف الذين يحتاجون منظومة دعم متكاملة من الاستراتيجية والإنتاج إلى الهوية البصرية والشراكات التجارية. عندما تنظر للأرقام تجد أن هناك مساحة هائلة للنمو، وكل شركة تدخل السوق بنموذج مختلف تساهم في توسيع هذا الاقتصاد الإبداعي وليس في تضييقه.
كيف ستقاومون إغراء الشهرة السريعة؟
هذا السؤال يلامس جوهر فلسفتنا حقيقة. أنا أؤمن أن صناعة المحتوى العربية تتطور بشكل طبيعي نحو مرحلة النضج، من مرحلة الكم إلى مرحلة الجودة والمعنى، وهذا التطور صحي وطبيعي لأي صناعة. نهجنا في اختيار المواهب يبدأ من سؤال بسيط لكنه عميق، نسأل كل موهبة لماذا تصنع المحتوى؟ ما الذي تريد أن يتذكرك به جمهورك بعد عشر سنوات؟ الموهبة التي تملك إجابة واضحة سواء كانت تعليمية أو فنية أو ملهمة هي من نستثمر فيها. نحن نبحث عن الرسالة قبل الأرقام، ونبحث عن الأصالة والقيمة الحقيقية. المحتوى الهادف ليس بالضرورة واعظاً أو ثقيلاً، بل هو محتوى يلامس حياة الناس بصدق وجمال، سواء كان يعلّم مهارة جديدة أو يلهم تغييراً إيجابياً أو يقدم فناً راقياً يرفع الذوق العام.
الشفافية مع المواهب منذ اللحظة الأولى أمر أساسي عندنا. نوضح أن بناء علامة تجارية حقيقية يحتاج من 18 إلى 24 شهراً، وأننا هنا للمسافة الطويلة مع من يؤمن بنفس الرؤية. الأرقام تدعم هذا النهج بشكل واضح، 87% من صنّاع المحتوى يختفون خلال أول سنتين حسب دراسة Tubular Labs لعام 2024، لكن من يبنون على محتوى هادف يحافظون على 68% من جمهورهم بعد خمس سنوات حسب Nielsen، والأهم أن المحتوى الهادف يحقق معدل تفاعل أعلى بـ 2.3 مرة حسب Edelman Trust Barometer لعام 2024.

منهجيتنا العملية تشمل بناء هوية بصرية واستراتيجية متكاملة لكل موهبة، خطط محتوى سنوية مبنية على بيانات ورؤى، تدريب مستمر على الاستدامة الإبداعية والمهنية، وشراكات تجارية انتقائية حيث الجودة تأتي قبل الكمية. نحن لا نقول أن الطرق الأخرى خاطئة، بل ببساطة اخترنا مساراً مختلفاً يخدم شريحة معينة من المواهب وهم من يريدون بناء إرث إبداعي وليس فقط لحظة شهرة. الباب مفتوح لكل صاحب موهبة خام يملك رسالة حقيقية واستعداداً للعمل الجاد.
الاستدامة المالية – كيف؟
سؤال جوهري وأقدّر أنه يُطرح لأنه يعكس نضج الحوار حول هذه الصناعة. تطوير المواهب فعلاً يحتاج استثماراً حقيقياً وصبراً، ولهذا بنينا نموذجاً متنوعاً لا يضغط على المواهب في مراحلها الأولى. نموذج عملنا يقوم على ثلاث ركائز متكاملة تضمن استدامة مالية صحية. الركيزة الأولى هي خدمات الإنتاج الإبداعي التي تولد مصدر دخل فوري، حيث نقدم حلول إنتاج احترافية للعلامات التجارية والمؤسسات من فيديوهات بدقة 4K و6K إلى محتوى أصلي وتغطيات حصرية وهوية بصرية متكاملة. هذا الجزء يولّد سيولة مستمرة دون الاعتماد على مواهبنا الناشئة التي مازالت تبني جمهورها.
الركيزة الثانية هي إدارة المواهب من خلال نموذج مشاركة العوائد revenue share عادل، حيث نشارك في النجاح والاستثمار معاً. نستثمر في التدريب والإنتاج والهوية والشراكات، والعائد يأتي تدريجياً لكنه مستدام ومتنامٍ. الركيزة الثالثة هي الاستشارات والتدريب من خلال برامج تدريبية للمؤسسات التعليمية والشركات وورش عمل متخصصة في استراتيجيات المحتوى، وهذا يوفر دخلاً ثابتاً ومتوقعاً. السوق نفسه يدعم هذا النموذج بقوة، الاقتصاد الإبداعي العالمي يُقدّر بـ 2.25 تريليون دولار سنوياً حسب الأمم المتحدة، وفي الخليج تحديداً الإنفاق على المحتوى الرقمي نما بنسبة 42% في الفترة بين 2023 و2024.
الأرقام تقول إن 78% من المسوقين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يخططون لزيادة ميزانيات المحتوى في 2025، و65% من العلامات التجارية تبحث عن شراكات طويلة المدى مع محتوى أصيل حسب Ipsos لعام 2024. نحن لا نتحدث عن سوق متشبع، بل عن سوق ينمو بسرعة ويبحث عن جودة. من ناحية الحكمة المالية نحن نؤمن بعدم التوسع المتسرع لأن النمو المدروس دائماً أفضل، نحتفظ باحتياطي تشغيلي يغطي من 12 إلى 18 شهراً، ونعتمد على تنويع مصادر الدخل بحيث لا نعتمد على قناة واحدة. نحن لسنا صندوق استثمار يبحث عن مخرج سريع، بل شريك استراتيجي يستثمر في بناء إرث حقيقي.
أكبر تحدٍّ وما الدروس التي تعلمتها؟
أكبر تحدٍّ تنظيمي نواجهه هو التعقيد القانوني المرتبط بالتنوع الثقافي الهائل في دبي. المدينة تجمع مواهب من أكثر من 200 جنسية، وهذا التنوع الجميل يأتي مع تعقيدات قانونية من حيث قوانين الملكية الفكرية المختلفة والمتطلبات الضريبية والعقود المتباينة والخصوصية الثقافية لكل سوق. نهجنا الاستباقي هنا هو الشراكة مع خبراء قانونيين متخصصين في الملكية الفكرية الرقمية، وبناء عقود مرنة مُصممة حسب كل حالة على حدة، مع احترام كامل للخصوصية الثقافية لكل موهبة. هذا ليس تحدياً سلبياً بقدر ما هو فرصة لبناء أسس قانونية صحيحة منذ البداية.
التحدي الثقافي الأكبر هو إعادة تشكيل توقعات الجيل الجديد بشكل صحي. الجيل الحالي يرى قصص نجاح سريعة وهذا طبيعي تماماً ويعكس طموحاً عالياً، وهذا شيء إيجابي بالمناسبة. لكن دورنا كشركة هو التوجيه وليس الإحباط، نحن نُدير التوقعات من خلال الشفافية الكاملة حيث نشارك قصص نجاح حقيقية سواء كانت طويلة أو قصيرة، ونعلّم باستمرار عن فهم الخوارزميات وبناء علاقة صحية معها، والصحة النفسية في التعامل مع ضغوط الشهرة، والتخطيط المالي والمهني طويل المدى.
من التجارب العالمية والإقليمية تعلمت دروساً مهمة جداً، أهمها خطر الحمل الزائد على المواهب. رأيت مواهب تُثقل بـ 15 إلى 20 حملة إعلانية شهرياً والنتيجة كانت فقدان المصداقية والإرهاق الإبداعي وتراجع التفاعل بشكل حاد. ولهذا وعدنا الواضح أننا لا نقبل أكثر من 4 إلى 6 شراكات تجارية سنوياً لكل موهبة، مختارة بعناية شديدة، مع الحفاظ على أن 70% من المحتوى يبقى عضوياً وحراً. الدرس الآخر هو أهمية التوازن، النجاح ليس إما أو بل كلاهما معاً، يمكن أن تكون عصرياً وهادفاً في نفس الوقت، يمكن أن تكون ترفيهياً ومفيداً، يمكن أن تكون سريعاً ومستداماً.
التحدي الأجمل بالنسبة لي شخصياً هو بناء جسور الثقة مع جميع الأطراف، مع المواهب لنثبت أننا شركاء حقيقيون وليس مجرد وكالة، مع العلامات التجارية لنوضح قيمة الشراكات العميقة طويلة المدى، ومع الجمهور لنقدم محتوى يحترم ذكاءهم ووقتهم. هذه رحلة ممتعة ومليئة بالتعلم اليومي، والسوق العربي يعيش حقيقة أزهى عصوره الإبداعية وهذا شرف أن نكون جزءاً منه.
لماذا دبي؟
يجيب لباد موضحاً أن الاختيار استراتيجي بحت، ويرتكز على أربعة محاور:
الجاذبية الإبداعية: 58% من أبرز المؤثرين العرب يتخذون من دبي مقراً لهم.
البيئة التنظيمية: استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي تستهدف 26.4 مليار دولار بحلول 2025.
البنية التحتية: سرعة إنترنت تصل لـ 270 ميجابت/ثانية ومرافق إنتاج عالمية.
التنوع الثقافي: وجود 200 جنسية يجعلها “مختبراً عالمياً” لاختبار المحتوى.
البنية التحتية في دبي استثنائية بكل المقاييس، لديك أسرع إنترنت في المنطقة بمتوسط 270 ميجابت في الثانية وهذا ضروري جداً لإنتاج ورفع المحتوى عالي الجودة، مناطق حرة بحوافز استثنائية، سهولة في التراخيص وبيئة قانونية واضحة تحمي الملكية الفكرية، وأحدث الاستوديوهات ومرافق الإنتاج. التنوع الثقافي في دبي يحولها إلى مختبر إبداعي حقيقي، 90% من السكان من أكثر من 200 جنسية، وهذا يعني أنك في بيئة مثالية لاختبار المحتوى على شرائح ديموغرافية متعددة وإمكانية إنتاج محتوى عابر للحدود من مكان واحد.
يختم محمد لباد حواره بنظرة تفاؤلية، مؤكداً أن السوق العربي لا يزال في بداية الطريق، حيث لم تُستغل سوى 10-15% من إمكانياته الحقيقية. نحن لا نبحث عن مجرد “مؤثرين”، بل عن صنّاع إرث يرفعون سقف الذوق العام والمعرفة.
دعوة للمشاركة في الرحلة:
يرى مؤسس “ايلوم ستوديوز” أن الاقتصاد الإبداعي ليس حكراً على أحد، بل هو مساحة مفتوحة للجميع:
- للمواهب: “إذا كنت تملك رسالة حقيقية وتحتاج لمن يحولها إلى واقع ملموس واستراتيجي.. نحن بانتظارك.”
- للعلامات التجارية: “ندعوكم لبناء شراكات أصيلة وطويلة المدى، بعيداً عن صخب الإعلانات العابرة.”
- للمستثمرين: “الفرصة في الاقتصاد الإبداعي العربي تتحقق الآن، والمجال يتسع لمئات الشركات الجديدة.”
“الاقتصاد الإبداعي العربي ليس حلماً، بل واقع نعيشه الآن في دبي، وهدفنا هو تحويل المنطقة إلى قوة إبداعية عالمية.” — محمد لباد، مؤسس ايلوم ستوديوز

